هيكل عادل للأجور.. قامت من أجله الثورة.. فهل يتحقق الآن؟ "200 جنيه يا عالم أعيش إزاي وأصرف علي بيتي وأولادي الاتنين منين؟".. سؤال طرحه "مدحت عبد الكريم" المعلم الذي يعمل بنظام الحصة، وهو نظام للتعاقد المؤقت، معمول به منذ سنوات، يحصل فيه المعلم علي ثمانين جنيهاً كأجر أساسي، وبعد البدلات والحصص الإضافية وخلافه، يصل أجره إلي ما يقارب المائتي جنيه. حال مدحت لا يختلف كثيراً عن حال الملايين، سواء كانوا من الموظفين المؤقتين أو العاملين بنظام القطعة، أو حتي الموظفين المثبتين، إضافة إلي موظفي القطاع الخاص، الذين يشترك قطاع كبير منهم في نفس المعاناة، ألا وهي "عدم العدالة في توزيع الأجور"، فقد تعددت الأسباب واختفاء العدالة عنصر مشترك. وملف الحد الأقصي للأجور هو واحد من الملفات المهمة التي تنتظر حكومة د.كمال الجنزوري، حيث إن مجلس الوزراء السابق برئاسة الدكتور عصام شرف، رئيس حكومة تسيير الأعمال، أصدر مرسوما بقانون بشأن المرحلة الأولي للحد الأقصي للدخل وربطه بالحد الأدني للدخل للعرض علي اللجنة التشريعية لبحثه، ثم عرضه علي الحكومة المقبلة. ومن المعروف، أن الحد الأقصي للأجر في القطاع الحكومي لا يزيد قانونا علي 54 ألف جنيه شهرياً، إنما تتمثل الزيادة في الدخل في البدلات والمكافآت، وعضوية مجالس إدارات الشركات والهيئات والبنوك، وغيرها. وقد أقرت منظمة العمل الدولية الحد الأقصي للأجر بما يتراوح بين 25 و32 ضعف الحد الأدني للأجر، ويجب أن يكون الراتب الأساسي هو الأساس، والاستثناء هو البدلات، والمكافآت، والحوافز، وبشكل عام، يجب أن يتناسب الراتب والدخل مع مهارات، وخبرات، وكفاءات الموظفين. ولعل من أشهر الوقفات الاحتجاجية التي تفجرت بسبب الأجور الفلكية لبعض القيادات كانت للعاملين بالشركة المصرية للاتصالات التي يوجد بها تفاوت كبير بين رواتب العمال الضئيلة مقارنة برواتب رئيس مجلس إدارة الشركة ومساعديه التي تصل الي مليون جنيه شهريا. جدير بالذكر أن عدم العدالة في توزيع الأجور، كان الشرارة الأولي التي أشعلت فتيل ثورة 25 يناير، فالمطالبة بوضع حد أدني عادل للأجور كان ومازال مطلباً أساسياً، واقترنت المطالبة بوضع حد أدني بوضع حد أقصي أيضاً للأجور، حيث يعاني هيكل الأجور في مصر من خلل رهيب، فالفرق بين الحد الأدني -الذي لا يكفي أبسط المتطلبات المعيشية- والحد الأقصي شاسع جداً، ومازال هو السبب الأهم للمطالب الفئوية بعد الثورة. وإذا نظرنا للأجور الفلكية نجد بعض موظفي الدولة -وفقاً لما أدلي به مصدر مسئول بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة- تتراوح نسبة الحوافز التي يحصلون عليها ما بين 200% و 1800%، وذلك لموظفي رئاسة الجمهورية. وليس ذلك فقط، فهناك البدلات العديدة، التي من أغربها "بدل مصيف"، الذي يحصل عليه القضاة، والأخطر عضوية مجالس الإدارات وبدل حضور لجان الجمعيات، حيث تصل دخول بعض موظفي وزارة المالية بالتحديد في المتوسط إلي ما يقارب خمسين ألف جنيه شهرياً، بل ويزيد علي ذلك، فهو يتجاوز مبلغ مائتي ألف جنيه في وزارات مثل البترول أو الطيران المدني. أعداد المستشارين في زيادة كل هذا بخلاف المستشارين بالوزارات والجهات الحكومية، الذين يعملون بنظام التعاقد، فيحصلون علي مئات الآلاف، وازدادت أعدادهم بعد الثورة -وفقا لما صرح به د.أشرف عبد الوهاب المفوض بمهام وزير التنمية الإدارية- والذي أكد أن المشكلة تفاقمت ولم تقل. مراقبة بدل حضور اللجان د.صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والمكلف من المجلس العسكري الحاكم للبلاد، أكد أن وضع الحد الأقصي للأجور أصبح أمراً لا يحتمل التأخير، حيث سيتم تطبيقه مع بداية شهر يناير المقبل، وهي خطة عاجلة بخلاف خطة أخري لوضع هيكل عادل للأجور يتم تنفيذها خلال ستة أشهر من بداية العام القادم ويطبق علي أصحاب الوظائف القيادية من وزراء ومستشاري الوزراء، ومن يعملون بدرجة وزير ورؤساء الجامعات وغيرهم. وأضاف النحاس، أن الجهاز الإداري للدولة يعاني من معضلة في ممارسة عمله، وأن شاغلي المناصب القيادية بالدولة -التي يتجاوز عددهم 30 ألف موظف- هم من يحصلون علي الأجور الكبيرة. وطالب النحاس بتفعيل القوانين التي تلزم بعض القيادات بعدم تقاضي بدلات حضورهم لأكثر من اجتماعين، مقترحاً تأسيس قاعدة من البيانات لدي الحكومة تتضمن كشوفاً وجداول لكافة الأجور التي يتقاضاها موظفو الدولة، مع تشكيل رقابة صارمة تهدف لدعم ما يحصلون عليه من أجور وحوافز. الأجر يتضاعف 36 مرة أكد النحاس، أن معدل دخل موظف الجهاز الإداري للدولة يزداد سنوياً بنسبة 10% علي أن تتم مضاعفته 36 مرة خلال 38 سنة، حيث تزداد خبرته مع الوقت، كما يزداد معدل التضخم في نفس الوقت، موضحاً أن القانون فوض رئيس مجلس الوزراء بوضع حد أقصي للأجور عام 1986، وتم تحديده بمبلغ 54 ألف جنيه سنوياً عام 2000، وهو ما رفضته المحكمة الدستورية بعد ذلك، فالأجر وفقاً للقانون لا يتحدد بقرار من مجلس الوزراء، بل بناءً علي قرار من مجلس الشعب. أما عن الحد الأدني للأجور، فقد حدده المجلس القومي للأجور قبل الثورة ب400جنيه، بينما وصل إلي ما يقارب 700 جنيه بعد الثورة، ويحدد النحاس شروطه في الآتي: بأنه أقل من نصف متوسط الأجر السائد في المجتمع، ودافع للاقتصاد علي النمو وأعلي من خط الفقر القومي، ويحصل عليه من يعمل لأول مرة بدون خبرة سابقة، وبدون مؤهل -وفقاً لتصريحات د.صفوت النحاس-. هيكل جديد للأجور ومن جانبه، أشار د.عبد الفتاح الجبالي - رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام والخبير بمركز الأهرام للدراسات الاقتصادية- إلي ضرورة إعادة النظر في هيكل الأجور بالكامل، موضحًا أن هيكل الأجور معقد جدًا وملئ بالأخطاء، ويحتاج إلي دراسة شاملة لإعادة تنظيمه، وهو ما يستغرق مدي زمنياً طويلاً جدًا. وأضاف عبد الفتاح، أن تعديل هياكل الأجور مرتبط بقوانين منظمة له، وبالإنتاجية وارتفاع الأسعار أيضًا، وكلها منظومة مرتبطة تحتاج للتعقل في دراستها. محاولة لاسترضاء الرأي العام فيما وصف عبدالرحمن خير عضو المجلس الأعلي للأجور الحديث عن تحديد حد أقصي للأجور بمحاولة استرضاء الرأي العام فالأهم من وجهة نظره هو وضع كل من الحد الأدني للأجور و ضبط الأسعار و ليس مجرد تحديد أرقام و في النهاية تذهب الزيادة إلي جيوب التجار. ويتساءل خير : هل الحد الأقصي للأجور ينطبق علي القطاع الحكومي فقط أم يشمل كلا من القطاعين الخاص والاستثماري، ويقول أيضا هل سيكون خارج هذا الحد أصحاب الخبرات مثل علماء الذرة أو علوم الفضاء والذين يحصلون في الخارج علي أجر مرتفع قد يصل إلي 30 ألف دولار وعند إستقدامه لمصر يحصل علي أجر لا يتجاوز ال20 ألف جنيه و هو أمر غير منطقي و لا مقبول. أوضح خير أن هذا الموضوع تمت إثارته مؤخرا في مؤتمر لاتحاد جمعيات التنمية الادارية و لم يتم التوصل إلي أي رؤية. مندوبو وزارة المالية كلمة السر وقال د.حمدي عبدالعظيم - أستاذ الاقتصاد ورئيس أكاديمية السادات الأسبق إن الدخول المختلفة التي تتمثل في قيمة البدلات والحوافز و بدل حضور اللجان ومقابل الدراسات وغيرها من العوامل التي تصل بالأجور إلي مبالغ خيالية، ويري الحل في وضع رقيب قانوني يمنع صرف أي مذكرة تضيف حافزًا إضافيا إلي دخل الموظف لتتم محاسبة المسئول عن الصرف جنائيا في حالة الاخلال بالمبلغ المحدد ليحاكم بتهمة إهدار المال العام و هو ما من شأنه أن يكون رادعا لأي تلاعب يحدث. أضاف عبدالعظيم قائلا: إن مندوب وزارة المالية في أي جهة حكومية وهو المنتدب لمراقبة صرف المكافآت يجب أن يخضع لرقابة مشددة حيث يكون مطمعا لضعاف النفوس لتحقيق مصالحهم مقابل إغرائه بصرف مكافآت لنفسه بأسماء الغير أو تعيين أقاربه وغيرها من مظاهر الفساد. وعن الدول التي طبقت الحد الأقصي للأجور أوضح د.عبدالعظيم أن أوباما قام بتطبيق هذا الحد في أمريكا عقب الأزمة المالية العالمية و تم تطبيقه بالتحديد علي رؤساء البنوك رغم أنها تعمل بنظام القطاع الخاص،كما أن الاتحاد الأوروبي قام بتطبيقه فهم يحددون الحدين الأدني والأقصي للأجور بنظام الساعة وليس بالشهر كما نفعل. وقال أيضا إن تطبيق الحد الأدني يجب أن يشمل جميع قطاعات الدولة لأنه يضمن حماية العامل أما الحد الأقصي فلا يشترط أن يشمل القطاع الخاص والذي يعمل بمنطق السوق وبالتالي فهو حريص علي أرباحه و له حساباته الخاصة.