في مصر تجدون العجب في كشوف الرواتب, وتتعجبون أكثر حين تعرفون أن الغالبية العظمي من الموظفين لا يتجاوز راتبهم1000 جنيه شهريا, في حين يتجاوز دخل آخرين في نفس المكان, مئات الآلاف من الجنيهات, يتقاضونها في صورة حوافز, ومكافآت, وبدلات. والسؤال الآن: هل هناك معايير عالمية يمكن الاسترشاد بها في شأن الحد الأقصي للأجور في القطاع الحكومي المصري, بما يحقق العدالة الاجتماعية بين المواطنين, ويقلل الفجوة في الدخول بينهم, ويلبي مطالب ثورة25 يناير؟ الحد الأقصي للأجور- كما يقول الدكتور صلاح السبع أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية يمكن تطبيقه في القطاع العام, فهناك مسئولون بدرجات مختلفة كرؤساء الهيئات, والمؤسسات, ورؤساء البنوك يتقاضون مبالغ مالية ضخمة تثير الغضب الشعبي الذي انفجر في أعقاب ثورة25 يناير للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية. الضريبة ميزان العدالة وإذا كان تطبيق الحد الأقصي للأجور مسألة حتمية لتحقيق العدالة الاجتماعية, فإن الدكتور السبع يري ضرورة ألا يتجاوز هذا الحد30 ضعف الحد الأدني, علي أن يتم تقليل الفجوة بين الحدين الأدني والأقصي للأجر بشكل تدريجي خلال5 سنوات, مشيرا إلي أن الفروق في الرواتب في الدولة لا تكاد تكون ملحوظة, ففي الدول الاسكندينافية كالسويد والنرويج, لا يكون الفارق بين راتب الطبيب والممرضة شاسعا, لكنهم يفرضون ضرائب قد تصل إلي50% من الدخل, فضلا عن الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية, كأن يتم تحصيل10% ضريبة علي أول100 ألف بحسب العملة التي تتعامل بها الدولة, ثم تزيد الضريبة إلي20% علي ثاني200 ألف, وقد تصل الضريبة إلي40% علي المليون الثاني, وهكذا, بينما في مصر يجري العمل بنظام الضريبة الموحدة والتي تمثل نحو20% من قيمة الدخل, الأمر الذي لا يؤدي إلي تحقيق العدالة الاجتماعية خاصة في الدخول الكبيرة. فرقعة إعلامية أحمد قورة - و - عبد الرحمن خير في حين يؤكد عبد الرحمن خير عضو المجلس القومي للأجور أنه لا توجد تجارب دولية محددة يمكن الاستفادة منها في شأن إقرار نظام بشأن حد أعلي للأجور, خاصة في ظل الأخذ بنظام الاقتصاد الحر, مشيرا إلي أن محاولة إقرار حد أقصي للأجور يهدف إلي إرضاء الرأي العام, لكنه في النهاية ليس مسألة سهلة, خاصة أن الدخول الكبيرة ليس لها علاقة بالأجر, وإنما ترتبط بعدد المناصب التي يتولاها المسئول, وعضويته في العديد من مجالس إدارات الشركات والهيئات في ذات الوقت, والتي تدر علي صاحبها دخلا ماليا كبيرا. ومن المعروف, أن الحد الأقصي للأجر في القطاع الحكومي لا يزيد قانونا علي54 ألف جنيه شهريا, إنما تتمثل الزيادة في الدخل في البدلات والمكافآت, وعضوية مجالس إدارات الشركات والهيئات والبنوك, وغيرها, موضحا أنه من الصعب تحديد راتب لبعض أصحاب الكفاءات, والخبرات, والتخصصات النادرة كخبراء الذرة, والأقمار الصناعية, ومن ثم يتم تحديد رواتب شاغلي هذه الوظائف وفقا لاحتياجات السوق. والحال كذلك, يري عبد الرحمن خير أنه في كل دول العالم تكون لكل وظيفة مزايا مادية وعينية, ويكون لشاغل الوظيفة حقوق مثلما عليه التزامات, ومن ثم يحصل علي راتبه وفق خبراته, وأدائه, وإنجازه في القطاع الذي يعمل به, ومن الممكن أن يترك وظيفته إلي وظيفة مماثلة في مكان آخر براتب أعلي, فالأمر كله يرتبط بالعرض والطلب, واحتياجات السوق. كادر الوظائف و قد أقرت منظمة العمل الدولية الحد الأقصي للأجر بما يتراوح بين25 و32 ضعف الحد الأدني للأجر, ويجب أن يكون الراتب الأساسي هو الأساس, والاستثناء هو البدلات, والمكافآت, والحوافز, وبشكل عام, يجب أن يتناسب الراتب والدخل مع مهارات, وخبرات, وكفاءات الموظفين, هكذا قال لي الدكتور فؤاد أبو ستيت الخبير الاقتصادي, ومن الأهمية أن يتواكب مع ذلك تعديل في اللوائح والقوانين بحيث يتم إصدار لوائح تحدد وظيفة واحدة لكل مسئول, كما يجب تحديد عضويته في الجمعيات العمومية المختلفة, واللجان, ومجالس إدارات الشركات والبنوك, حتي لا يحصل شخص علي ملايين الجنيهات في صورة مكافآت, واجتماعات لجان, ومن ثم يجب تفعيل قانون تقديم إقرار الذمة المالية للموظفين بالجهاز الحكومي, ومعاقبة من يتلاعب فيها. وفي الدول المتقدمة والكلام مازال لأبو ستيت- يكون شغل الوظائف وفق شروط, ومعايير, وتتمتع عملية شغل الوظائف بالشفافية الكاملة, وفي دولة مثل انجلترا يضعون كادرا للوظائف, في مقابل التزامات محددة يقوم بها الموظف, ويتقاضي عنها الراتب الذي يقرره الكادر لمثل هذه الوظيفة, أما الترقيات وما يستتبعها من زيادة في الرواتب فتتم وفق معايير محددة, كما أن الموظف أو العالم يحصل علي نسبة من الربحية حسب راتبه.. أما في مصر, فالمعايير غامضة, وهناك تفاوت كبير بين راتب موظف في جهة, ورئيسه, أو زميله في جهة أخري, حيث تحصل القيادات علي ملايين الجنيهات, في حين يحصل صغار الموظفين في نفس الجهة علي مبالغ زهيدة, وفي مصر أيضا, نجد مسئولا يشغل العديد من الوظائف, وعضوية العديد من مجالس إدارات الشركات والهيئات وهو في الحقيقة لا يتمتع بالخبرة المطلوبة, ومن ثم يتقاضي مئات الآلاف من الجنيهات شهريا, في حين يحصل العاملون والموظفون في تلك الهيئات علي مبالغ زهيدة شهريا, الأمر الذي يعكس الفجوة الكبيرة في الدخول, والتي صارت واضحة للجميع.. غير أن هذا الحد الأقصي للدخول يمكن تطبيقه في القطاع العام, ولا يمكن بأي حال إلزام القطاع الخاص بتطبيقه, ولكن يمكن فرض ضريبة تصاعدية علي الدخل في مصر. فلسفة الإدارة بالأهداف وفي القطاع المصرفي, لا يمكن إقرار حد أقصي للأجر في مصر, لاسيما أن هناك فروعا لبنوك أجنبية داخل البلاد وتمنح موظفيها رواتب قد تكون مماثلة لموظفيها في فروعها في دول العالم المختلفة, كما يجري تبادل الخبرات المصرفية بين البنوك برواتب متفاوتة لكنها مرتفعه, لأنهم يتعاملون- كما يقول أحمد قوره الخبير المصرفي- وفقا لمنطق الأجر مقابل العمل, حيث يتقاضي الموظف أجرا ثابتا وحوافز ومكافآت ونسبة من الأرباح, وهناك أعمال فنية أخري يجب أن يتمتع صاحبها بدرجات عالية من المهنية, ومن ثم من الصعب إلزامه بحد أقصي للأجر في مكان ما, وفي النهاية تبقي هذه النوعية من الوظائف رهن ظروف العرض والطلب. [email protected]