رجل ضلت الإنسانية طريقها إلى قلبه، تجرد من كل مشاعر الأبوة، أفقده الشيطان صوابه وأوهمه أن الشدة والقسوة فى تربية أبنائه ستخلق منهم رجالًا أقوياء ولكنه لم يكن يعلم أن اتباع ذلك الأسلوب سيقف حاجزًا بينه وبين أطفاله ويجعلهم ينفرون منه خاصة لصغر سنهم. كان الأب صارمًا مع أطفاله يعتقد أن اعتمادهم على أنفسهم والوقوف أمام أخطائهم بالمرصاد هو الطريق الصحيح لتربيتهم، فضلًا عن تعديه عليهم بالضرب طوال الوقت على أقل الأشياء، ولم يكتف بذلك بل كان فى بعض الأحيان يقوم بحبسهم داخل غرفة النوم ومنع الطعام عنهم كنوع من أنواع العقاب، ظنًا منه أنه بذلك يحميهم من المجتمع، ولكن لم يكن يعلم أن معاملته الجاحدة معهم ستكون نهايتها الكره الذى أصبح يراه فى أعين أطفاله. بدأ الأطفال يشعرون بالنفور من والدهم، فكانوا يذهبون إلى غرفة نومهم يوميًا قبل موعد عودته من العمل ويخلدون إلى النوم، خوفًا منه وحتى لا يطالهم بطشه، هنا حاولت الأم التحدث معهم وأخبارهم أن والدهم يحبهم كثيرًا وأن شدته معهم فى المعاملة حب زائد لهم ولكن دون جدوى، فهم أطفال لا يدركون ما تقوله الأم.. ظل الوضع كذلك إلى أن لاحظ الأب تصرفات أطفاله وتعمدهم عدم رؤيته، فبدأ يشعر بالذنب تجاههم، وأدرك أن ما يفعله خلق بداخلهم كرهًا شديدًا له، وفى مساء اليوم التالى قرر العودة من العمل مبكرًا وأحضر معه جميع أنواع الحلوى لكى يستطيع كسب حبهم مرة أخرى، فظل يتقرب منهم يومًا تلو الآخر، ويحضر لهم الحلوى يوميًا ويتحدث معهم كثيرًا، وعلى الرغم من كل ذلك كان يشعر دائمًا بالخوف ينتابهم ويتملك من قلوبهم الصغيرة عند احتضانهم، ولكنه لم ييأس فكان يحنو عليهم طوال الوقت ويحاول التقرب منهم وإرضائهم بشتى الطرق، إلى أن بدأ الأطفال يتقربون منه مرة أخرى، ولكن سرعان ما عادت معاملته السيئة لهم. طلبت الأم مرارًا وتكرارًا من زوجها عدم استخدام الشدة والقسوة بهذا الشكل المبالغ فيه مع أطفاله حتى لا يعود كرههم له مرة ثانية ولكن لا حياة لمن تنادى، فكان يقوم الزوج بتعنفيها أيضاً وأحياناً يتعدى عليها بالضرب ويمنعها من الخروج من المنزل قائلا: « ولادى وأنا حر فى تربيتهم ولو مش عاجبك سيبى البيت»، إلى أن قام فى أحد المرات بالتعدى بالضرب بعصا خشبية على طفله الصغير بسبب رسوبه فى الامتحان ما تسبب له فى جروح وكدمات بجسده النحيف ولم يكتف بذلك بل قرر حبسه فى غرفته ومنع عنه الطعام لمدة يوم كامل، لم تتحمل الأم تصرفات زوجها التى زادت على حدها وقررت اصطحاب أولادها وترك منزل الزوجية والذهاب إلى منزل أسرتها التى حاولت إقناعها بالعدول عن قرارها وتحمل تصرفات زوجها من أجل تربية أطفالهم، وأنه سيتغير مع الوقت ولكن باءت كل محاولاتهم بالفشل، وأصرت على طلب الطلاق. جلست الأم تسترجع شريط حياتها وتتذكر عندما تقدم زوجها لخطبتها ورفض والدها له حيث كان يرى أن هذا الشخص لا يصلح أن يكون زوجًا أو أبًا، وأنه غير سوى وغير جدير بالمسئولية، فقد كانت كل الدلائل تشير إلى أنه إنسان فاشل، وتذكرت أيضاً إصرارها عليه لحبها الشديد له وعدم الاستماع لنصائح أسرتها، وظلت تحتضن أطفالها الذين لا حول لهم ولا قوة وتبكى على ما وصلوا إليه بسبب اختيارها السيئ، ولكن سرعان ما جمعت قواها مرة أخرى وقررت اللجوء لمحكمة الأسرة لطلب الخلع حتى تنجو وأطفالها من بطش والدهم.