لم يكتف النظام السابق بتدمير مصر فقط..بل دمر كل علاقاتها بالجيران، من عرب ومن أفارقة.. ولقد سمعنا هذا الكلام من أقرب الأصدقاء.. من الأشقاء في السودان، أقرب الأقرباء إلينا.. وأكبر المصالح معنا.. فالسودان كان علي مر التاريخ الحديث جزءاً أصيلاً من الجسد المصري.. جزءاً من النسيج الداخلي.. للقلب والكبد والرئتين والكليتين.. ولم أحس يوماً أن السوداني غريب عني.. كنت أري امتزاجه بالمصريين أمراً طبيعياً وكان لنا زملاء في الدراسة من أبناء السودان وفتيات في الجامعة امتزجت دماؤهم المصرية بالسودانية فالأب سوداني والأم مصرية.. أو الأم سودانية والأب مصر.. وهكذا كان من هذا النسيج المشترك اثنان من رؤساء جمهورية مصر من الأربعة الذين حكموا مصر، ولم يكن منهم الرئيس السابق مبارك، وثالثهم عمل في السودان.. وامتزجت دماء السودانيين بدماء المصريين منذ أيام محمد علي باشا وليس من فراغ أن يقرر زعيم السودان الكبير: المهدي الكبير لقادة جيوشه المحاصرين للخرطوم بأن يحافظوا علي حياة قائد الجيش الإنجليزي: غودرون لكي يفتدي به زعيم ثورة مصر أحمد عرابي المنفي إلي سيلان.. فالاثنان كانا يحاربان الإنجليز والتدخل الأجنبي: الأول عرابي في شمال الوادي والثاني: محمد أحمد المهدي في جنوبالوادي.. ولولا اندفاع قوات المهدي للسيطرة علي الخرطوم لتمت العملية وتم إنقاذ عرابي من أيدي الإنجليز. وما ثورة علي عبداللطيف في السودان إلا امتداد لثورة 19 التي قادها حزب الوفد في مصر وخلال فورتها الأولي وبالمناسبة هناك مدرسة في جاردن سيتي خلف مبني مجمع التحرير تحمل اسم: مدرسة علي عبداللطيف.. لأن مصر لا ولم تفرق بين مصري وسوداني.. حتي علي أسماء المدارس. والسودانيون في مصر لهم ما للمصريين.. ولمن لا يعرف فإن أسوان »تتكلم سوداني« بفضل التواجد البشري السوداني فيها.. وأحس بالأمان وأنا أسير في أي مدينة في العالم إذا سمعت »زول سوداني«.. يتكلم.. سوداني.. بل اقترب منه أكثر إذا كنت بمفردي.. أي »أتقوي بشقيقي السوداني.. وأنا في الغربة.. وللأسف نجح النظام السابق في مصر في تدمير الكثير من روابط الإخوة هذه.. وأعطت مصر الرسمية ظهرها للسودان، منذ محاولة الاعتداء علي حياة مبارك في أديس أبابا.. وتقطعت معظم وسائل الاتصال والعلاقات وكنا نعتقد ان السودان هو الذي خسر بذلك، وما درينا أننا كنا أكبر الخاسرين.. ورأينا المرارة في حلوق الأشقاء في جنوبالوادي.. وأحسسنا بها في عبارات كل الذين التقينا بهم رسميين وشعبيين.. وسمعناه حتي من الرئيس السوداني الشمالي عمر البشير وإن لم يكن بصريح العبارة.. ولكن بطرق عديدة.. وكان بعض كبار معاوني ومساعدي الرئيس البشير.. ومن معظم قادة الأحزاب الذين التقينا بهم في الخرطوم. فالرئيس البشير قالها بطريقة أخري. قال ان غياب مصر عن أفريقيا كان خطأ كبيراً.. ومصر التي تدين لها أفريقيا بالعرفان جعل 34 دولة أفريقية تصوت ضد العدوان الإسرائيلي، ولقد تضررنا يقول البشير- من الوجود الإسرائيلي في أفريقيا. والحمد لله أن العلاقات بين مصر وأفريقيا بدأت تعود عودتها الطبيعية، كل ذلك حدث بعد ثورة 25 يناير.. ويردف الرئيس البشير: نحن سعداء بعودة مصر للسودان ولأفريقيا ونتمني تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع بين البلدين التي تضمن حرية العمل وحرية التنقل وحرية التملك وحرية... ولقد نفذناها في السودان.. ونتمني أن تنفذها مصر أيضاً، حتي نزيل العوائق أمام المواطنين للتحرك بحرية من خلال سكك حديدية ونقل بحري وجوي وبري متكامل.. فالمصري في السودان ليس أجنبياً وأنا نفسي يضيف البشير عشت في مصر سنوات عديدة من 1966 الي 68 ثم من 1973 الي 1979 في دورات عسكرية عديدة. ووجه الرئيس دعوة لكل المصريين: نحن نحتاج لمصر وامكانيات مصر.. ونفتح أبوابنا لرجال الأعمال بحرية تامة.. وسوف يجد كل منهم الدعم الكامل، وبالمناسبة كل الأقباط في السودان أعضاء في المؤتمر الوطني، أي الحزب الحاكم، تعالوا نستخدم المياه الموسمية والأمطار والأنهار لتوفير الأمن الغذائي للشعبين.. واختتم كلمته التي رحب بنا بها في مقر الحكومة قائلاً: كل هذا لمصلحة علاقات الشعبين.. ويرد الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيس الوفد، ورئيس الوفد الحزبي المصري لقد كان الرئيس البشير، أول رئيس يزور مصر مهنئاً بثورة 25 يناير.. ولم لا وهو أحد أبطال حرب أكتوبر فقد حارب بجانب جيش مصر.. ولهذا جئنا للسودان بوفد يمثل كل أطياف مصر.. وفد علي مستوي عال ليعيد ما انفصل ويؤكد من جديد أزلية العلاقات بين البلدين، بين الشعب الواحد في شمال الوادي وفي جنوبه. وفي الأزمات الأخيرة لم تعط دولة أفريقية صوتها لمصر في سنوات حكم مبارك.. وكان يجب للرئاسة المصرية أن تدرس ذلك.. وتعي الدرس.. ولكن هذا لم يحدث. من هنا يقول د. البدوي: جئنا لنعيد المياه الي مجاريها ليعود الشريان والوريد.. وسريان الدم الواحد في الجسد الواحد.