شهد المجتمع المصرى خلال السنوات الأخيرة، تغيرا فى تكوين المجتمع العمالى، فبعد أن كان الجميع يسعى إلى الحصول على وظيفة حكومية دائمة فى القطاع العام تحقق له الاستقرار الوظيفى والاجتماعى، أصبح الجزء الأكبر من العمال يعملون فى شركات القطاع الخاص بعيدا عن الحكومة. وتتباين أوضاع العاملين فى القطاعين سلبا وإيجابا، فمن ناحية يتمتع العاملون فى القطاع العام بجزء كبير من الاستقرار الاجتماعى والوظيفى والحصول على الحقوق، بينما يعانى نسبة كبير من العاملين فى القطاع الخاص من تحديات ومشكلات أبرزها الفصل التعسفى وعدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، فضلا عن تخفيض للمرتبات فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر والعالم بسبب جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية. ووفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفع تقدير حجم قوة العمل خلال 2021 إلى 29٫358 مليون فرد مقابل 28٫458 مليون فرد خلال 2020 بنسبة ارتفاع مقدارها 3٫2%. وأوضحت نتائج بحث القوى العاملة لعام 2021، أن قوة العمل فى الحضر تقدر بنحو 13٫109 مليون فرد، بينما بلغت فى الريف 16٫249 مليون فرد. من جانبه قال شعبان خليفة، رئيس النقابة العامة للعاملين بالقطاع الخاص، إن هناك 5 ملايين و250 ألف عامل يعملون بالجهاز الإدارى للدولة وشركات قطاع الأعمال العام، ينعمون بشىء من الاستقرار والأمان الوظيفى، وما يقارب من 25 مليون عامل بالقطاع الخاص يواجهون العديد من التحديات. وأوضح رئيس النقابة العامة للعاملين بالقطاع الخاص، أن عمال القطاع هم الأكثر تضررا وقد تعرضوا لظروف صعبة بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن ارتفاع الأسعار، سواء فى المواد الغذائية الضرورية أو فواتير الخدمات (مياه، كهرباء، غاز)، مع تعرض الكثير من العمال إما لخفض المرتبات أو الفصل التعسفى رغم أن الدستور المصرى الصادر فى 2014 نص فى المادة 13 على إلزام الدولة بالعمل على حماية العمال والحفاظ على حقوقهم وحظر فصلهم تعسفيا. وأضاف: رغم إصدار المجلس القومى للأجور القرار رقم 57 لسنة 2021 فى سبتمبر الماضى، بإقرار تطبيق الحد الأدنى للأجور 2400 جنيه بالقطاع الخاص، إلا أن أصحاب الأعمال لم يلتزموا بتطبيقه وتقدمت 3090 منشأة بطلب إعفاء، كما تقدم اتحاد الغرف التجارية بطلبات إعفاء ل22 قطاعا من القطاعات كثيفة العمالة بالمخالفة للقانون، ولذلك لم يطبق الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص إلا فى 40% من منشآته فقط. وأوضح أن أبرز الإيجابيات فى ملف العمال خلال الفترة الماضية، تمثلت فى توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاهتمام بملف الأجور فى مصر، وإقرار الحد الأدنى بقيمة 2400 جنيه فى يوليو 2021، ثم زيادته إلى 2700 جنيه فى أبريل الجارى، على المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية وعددهم نحو 5 ملايين، فى الجهاز الإدارى للدولة وشركات قطاع الأعمال العام. وتشمل الإيجابيات أيضاً قرار المجلس القومى للأجور بوضع حد أدنى للأجور 2400 جنيه للقطاع الخاص رغم عدم تطبيقه فعليا فى 60% من منشآت القطاع الخاص، بسبب ضغوط ممثلى أصحاب الأعمال فى المجلس، إلا أن إقرار الحد الأدنى يعتبر تطورا كبيرا فى ملف الأجور. أما أهم التحديات والمشكلات التى تواجه العمال، فقال «خليفة» إنها تتمثل فى الفهم الخاطئ لثقافة العمل بالنسبة لأصحاب الأعمال، واعتبارهم أن العامل هو رقم يضاف فى الميزانية فقط، وعدم الاعتراف بأنه شريك أساسى فى العملية الإنتاجية وعليه واجبات وله حقوق، إضافة إلى تسريح العمالة بطريقة الفصل التعسفى وعدم الالتفات إلى ظروف العامل وأسرته الاقتصادية والاجتماعية، وعدم التزام أصحاب الأعمال بقرارات الدولة الخاصة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وصرف العلاوات المقررة. ولفت إلى أن من ضمن المشكلات أيضاً، عدم احترام أصحاب الأعمال لأحكام القانون فى الفصل التعسفى واستغلال طول فترة التقاضى فى المحاكم العمالية، وأن العامل لن يصمد أمامهم فى القضاء، فضلا عن الدور الضعيف لمكاتب العمل بسبب نقص المفتشين وهم حوالى 390 مفتشا تقريبا على مستوى الجمهورية، يفتشون على 3 ملايين و742 ألف منشأة قطاع خاص. وتضمن التحديات ضعف الغرامات فى باب العقوبات فى قانون العمل 12 لسنة 2003 التى تطبق على المنشآت التى تنتهك حقوق العمال التى أقرها قانون العمل، والضعف والشيخوخة التى دبت فى جسد التنظيم النقابى المصرى بسبب الخلافات بين قيادته على المناصب والبدلات والانشغال عن دورهم الأساسى وهو الدفاع عن حقوق العمال، والحرص على التوازن بين طرفى علاقة العمل ليعلم كل طرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات. وعن أبرز الحلول لمواجهة هذه التحديات والمشكلات، طالب خليفة، بضرورة بناء تنظيم نقابى قوى قادر على المواجهة والندية لممثلى أصحاب الأعمال، لإحداث التوازن بين طرفى علاقة العمل، والتدريب المستمر لتثقيف وتوعية العمال فى مواقع الإنتاج، وتثقيف وتدريب القيادات العمالية داخل مواقع الإنتاج على أهمية دور العمل والإنتاج فى الاقتصاد الوطنى، وتعريف العمال بواجباتهم وحقوقهم وأهمية المفاوضات الجماعية للوصول لحقوق العمال، لتكون بطريقة متحضرة بديلة عن الإضربات والاعتصامات. وأشار إلى أنه بات من الضرورى إصدار قانون عمل متوازن بين طرفى العملية الإنتاجية عادل ومنصف لكلا الطرفين، وبه نصوص عقوبات رادعة لمن لا يرغب فى الالتزام بالحقوق والواجبات من طرفى علاقة العمل، ووجود إشراف حقيقى وجاد من الجهة الإدارية المختصة من الحكومة على العملية الإنتاجية فلا أفضلية لطرف على حساب الطرف الآخر من أطراف علاقة العمل. وطالب كذلك بإقرار أجر عادل ولائق يتناسب مع قيمة العمل والجهد المبذول من قبل العمال ومتطلبات المعيشة لهم ولأسرهم، مع علاوة سنوية مناسبة تعمل على التوازن بين الأجر وزيادة الأسعار، والتدريب المستمر لعمالة المهن الجديدة والعمل على تأهيل عمالة ماهرة يتطلبها سوق العمل جراء المستجدات الجديدة التى طرأت عليه فى العالم كله. وأكد «خليفة» ضرورة وجود قضاء عمالى ناجز لا يتأخر فى تداول القضايا العمالية أكثر من 6 شهور، وإنفاذ فورى للأحكام القضائية، ووجود مظلة حماية اجتماعية للعاملين بالقطاع الخاص من تأمين اجتماعى وتأمين صحى.