جريمة إنسانية كبرى يرتكبها البعض عن عمد ويرتكبها آخرون عن طريق الفهلوة، ونتائجها كارثية على أطفال أبرياء لا ذنب لهم، إلا أنهم جاءوا إلى الحياة من أب وأم معدومى الضمير، (الشهادة الصحية) شرط لتوثيق عقد الزواج وقد ألزم القانون الزوجين لتقديمها للمأذون لإثبات خلوها من الأمراض الخطيرة، وتكون هذه الشهادة أكثر جدوى حال زواج الأقارب لتجنب الأطفال العديد من الأمراض الوراثية. المشكلة تكمن فى آليات إصدار هذه الشهادات التى تحولت إلى عملية روتينية فى العديد من الأماكن المخولة لها إصدارها والمهم تحصيل المبالغ المادية المطلوبة دون تحرى الدقة، وسط دعوات للعروسين بحياة زوجية سعيدة ولا مانع من «الحلاوة». ونظرًا لانعدام الثقافة الصحية عند الغالبية العظمى، فإنهم يقبلون على الزواج دون اعتبار لهذه الورقة التى ينظرون إليها على أنها روتينية «لا تُثمن ولا تُغنى من صحة»، ولا يُدركون أنهم يجنون على فلذات أكبادهم بأوراق لعينة تُدمر حياتهم وتحول أجسادهم إلى بؤر مرضية لا ينقذهم منها إلى الموت. صرخات هؤلاء الأطفال الأبرياء فى رقاب الآباء والأمهات منزوعى الرحمة والخوف من الله ومسؤلية أجهزة غابت رقابتها وتهاوت قبضتها وباتت الشهادة لمن يدفع. إنها حقًا ورقة صغيرة ولكن التجاوز فى دقتها تحت حجج مزعومة جريمة يفعلها الآباء ويدفع المجتمع كله ثمنها. قبل ثمانى سنوات، وتحديدًا فى العام 2013، عندما اقترب موعد زواج ر. نبيل، من ابن خالتها، توجهت هى وإياه إلى أحد المستشفيات العامة بالقاهرة، التى تقوم بعمل الفحوصات الطبية المطلوبة قبل الزواج، للاطمئنان واستخراج الشهادة الصحية، اللازمة ل«كتب الكتاب»، وأجرتها. الفحوصات الطبية التى أجرتها ر. نبيل فى المستشفى كانت تحاليل كانت عادية وبسيطة ليس لها علاقة بالجينات الوراثية، ولم تنفعها الشهادة الصحية التى حصلت عليها للزواج فى شىء، حسبما أكدته فى حديثها ل«الوفد»، إذ أنجبت طفلها الثانى مريضًا بمرض البينو، وهو مرض وراثى واضطراب خلقى يتسم بغياب كامل أو جزئى لمادة الميلانين من الجسم، ويعرف أيضاً باسم «البرص أو المهق». بدأت ر. نبيل وزوجها يكتشفان مرض طفلهما عندما كان عمره أربعين يومًا وبدأت رحلتهم فى الكشف عليه. الأطباء فى المركز القومى للبحوث أكدوا لهم أن سبب هذا المرض هو صلة القرابة بين الأم والأب، ومن المؤكد أنه كان هناك شخص «ألبينو» فى جذور العائلة، وفى سن صغيرة للغاية وعندما أكمل الطفل 4 أشهر، ارتدى نظارة طبية لضعف النظر لديه بسبب هذا المرض. الشهادة الصحية إلزامية لإتمام الزواج منذ العام 2008، أصبحت إجراءات فحوصات ما قبل الزواج إلزامية فى مصر، ولا يتم عقد الزواج بدونها، حيث تمت إضافة المادة رقم 31 مكرر إلى القانون رقم 143 لسنة 1994 فى شأن الأحوال المدنية، التى تنص على أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج إلا لمن يبلغ من الجنسين سن ال18، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبى للراغبين فى الزواج للتحقيق من خلوهما من الأمراض التى توثر على حياتهما أو على الزواج، أو على صحة نسلهما، ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة. وتنص المادة 33 بند 4 من لائحة المأذونين، الصادرة بقرار وزير العدل فى 10 يناير لعام 1955، المستبدلة بقرار وزير العدل رقم 1727 لسنة 2000، أنه «على المأذون قبل توثيق العقد أن يحصل على إقرار الزوجين بخلوهما من الأمراض التى تجيز التفريق بعد تبصيرهما بهذه الأمراض». وتنص المادة 331، فى لائحة المأذونين أيضاً، أنه يجب على المأذون قبل توثيق العقد أن يطلع على الشهادات الطبية التى تثبت توقيع الفحص الطبى على الزوجين وفقًا لقرار وزير الصحة رقم 338 لسنة 2008 وإثبات أرقامها بالوثيقة. الشهادات الصحية قبل الزواج.. المفروض والواقع الدكتور إبراهيم عمارة فودة، أخصائى وزمالة أمراض النساء والتوليد وجراحة المناظير والحقن المجهرى بمستشفى الجلاء التعليمى، يقول إن الشهادة الصحية المطلوبة قبل الزواج تصدر من خلال المستشفيات العامة والوحدات الصحية، وهناك عدد من التحاليل التى يجب أن يقوم بها المستشفى، للتأكد وضمان عدم وجود مشكلات صحية للطرفين مستقبلًا ولأبنائهم عند الإنجاب. وتتمثل التحاليل المفروض أن تجريها المستشفيات العامة والوحدات الصحية للمقبلين على الزواج، فى عمل صورة دم كاملة، من خلالها يتم التعرف عما إذا كانت هناك أنيميا مثل أنيميا البحر المتوسط «الثلاسيميا» وأنيميا الخلايا المنجلية، التى قد تؤدى لبعض الأمراض الوراثية فى الأبناء أم لا، خاصة لو كان زواج أقارب. وفى حالة إذا وُجدت أى من أنواع هذه الأنيميا لدى أحد المقبلين على الزواج، يفترض أن تتم متابعتها بعمل تحاليل أخرى خاصة بالجينات والعرض على أخصائى وراثة، وفقًا لما أوضحه فودة ل«الوفد». وأن سؤال المستشفيات عن التاريخ المرضى لعائلة الزوج والزوجة، وماذا إذا كانت هناك أمراض وراثية سابقة مهم جدًا قبل استخراج الشهادة الصحية للزواج، ومن التحاليل الأخرى المفترض إجراؤها تحليل فيروس C وفيروس B والإيدز. وللرجال يُضاف تحليل السائل المنوى، الذى يفترض أن تقوم به المستشفيات، لأنه يوضح مدى قدرة الزوج على الإنجاب، وإذا كانت لديه مشكلة فى الإنجاب بصورة نهائية أو مشكلات قابلة للعلاج. ويواصل الدكتور إبراهيم فودة، حديثه: من الضرورى معرفة الحالة العامة للزوج والزوجة لو هناك فشل كلوى أو مشكلة فى الكبد، أو لو هناك أمراض مزمنة مثل الضغط والسكر، ويتم ذلك من خلال الفحص العادي. واختتم كلامه ل«الوفد»، بأن التحاليل فى مصر تتم بشكل صورى وبعضها لا يتم عمله من الأساس، فمن الممكن أن نجد من كل ما سبق أن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة تكتفى بتحليل صورة الدم وتحليل السكر «الشهادات بتكون تحصيل حاصل الناس مش بتدور عليها وبمجرد ما يدفعوا الرسوم يستلموا الشهادة». وللوقوف على التحاليل والفحوصات الطبية التى توفرها المستشفيات الصحية لاستخراج الشهادات الصحية للمقبلين على الزواج، ذهبت «محررتا الوفد»، إلى 4 مستشفيات ووحدات صحية بمحافظتى الجيزة والغربية، وادعيتا أنهما مُقبلتان على الزواج، وترغبان فى معرفة التحاليل المطلوبة للحصول على شهادة صحية لإتمام عقد القران، وكانت النتيجة هى القيام بتحليلين فقط، وعدم إجرائهما فى الأغلب. فى مستشفى زفتى العام، بالغربية، أخبرت محررة الوفد، إحدى الممرضات فى المستشفى، برغبتها فى عمل الفحوصات الطبية لاقتراب زواجها، ولا تعرف أى شىء عن التحاليل المطلوبة، وطلبت منها توضيحها لها. الشهادة الصحية قبل الزواج وفقًا لما ذكرته لنا هذه الممرضة تصدر فى نفس اليوم، وتكلفتها نحو 240 جنيهًا. أما عن التحاليل المطلوبة كان ردها نصًا: «أحياناً إنتِ بتطلعى المعمل بياخدولك العينة إنتِ عايزة تحللى بتحللى مش عايزة مش عايزة.. دى بتبقى حرية شخصية، كده كده بتدفعى الرسوم.. وبعدين تدخلى للموظفة بصورتين شخصيتين وصورة البطاقة والوصل.. هتقولك تطلعى المعمل، إنتى هتقوليلها مثلا أنا مش عايزة أحلل خلاص بتاخد الورق تخلصه.. عايزة تحللى تطلعى المعمل بالوصل ياخدولك العينة». لم نكتف بما قالته الممرضة، توجهنا إلى معمل التحاليل فى المستشفى نفسه فى الطابق العلوى، وأعادت محررة الوفد الأمر نفسه على اخصائية التحاليل الموجودة بالمعمل، بأنها ترغب فى عمل الفحوصات الطبيىة قبل الزواج، وجاءت لتعرف المزيد عنها قبل إجرائها، فذكرت لها أن التحاليل عبارة صورة دم وسكر عشوائى والشهادة تأخذها فى نفس اليوم. وفى إحدى الوحدات الصحية بالمحافظة ذاتها، سألنا المسئولة فيها، عن الفحوصات الطبية المطلوبة للزواج وطبيعتها، جاء ردها عن الأوراق المطلوبة لعملها وهى صورة البطاقة وعدد 2 صورة شخصية، مضيفة أن «التحاليل روتينية وممكن متتعملش». الوضع لم يختلف كثيرًا فى المستشفيات والوحدات الصحية التابعة لمحافظة الجيزة، فأيضاً ذهبنا لإحدى هذه الوحدات بحجة الرغبة فى استخراج الشهادة الصحية لإتمام عقد الزواج، وفقًا لما قاله وطلبه المأذون، وبسؤالنا عن التحاليل والفحوصات المطلوبة، أجاب أحد القائمين على العمل بالوحدة، أن الإخصائية المسئولة عن المعمل هى المُلمة بهذه التحاليل، فتوجهنا إليها وبتكرار سؤالنا كان الرد: «التحاليل عبارة عن صورة دم كاملة وسكر عشوائى لا يرتبط بالصيام». وفى أحد المستشفيات العامة التابعة لمحافظة الجيزة، أوضحت لنا إحدى الممرضات أن استخراج الشهادات الصحية متوقف منذ أسبوعين، لأسباب غير معلومة لهم وقد يكون بسبب الاتجاه نحو رقمنتها من قبل وزارة الصحة، وأن 240 جنيهًا وصورتين شخصيتين وصورة بطاقة الرقم القومى، هو فقط ما يحتاجه أى مواطن، لاستخراج الشهادة الصحية بعد توافرها من جديد بالمستشفى، بحسب إحدى الممرضات هناك. بعدها توجهت محررتا الوفد إلى اثنين من المعامل الخاصة الشهيرة، لمعرفة الفحوصات الطبية التى توفرها قبل الزواج لرغبتنا فى إجرائها، وكان الوضع مختلفًا عما كان فى المستشفيات العامة التى كانت فيها التحاليل موحدة، فبمجرد سؤالهم عن التحاليل جاء ردهم هل الزواج لأقارب أم لغير الأقارب، لأن هناك اختلافًا فى التحاليل المطلوبة، كما أن تحليل النساء مختلف عن الرجال فى هذه المعامل. فى المعمل الأول، أخبرت محررة الوفد إحدى الطبيبات هناك، أنها وخطيبها قريبان ويريدان عمل الفحوصات اللازمة قبل الزواج لديهما فما هى، فذكرت أن التحاليل للزوجة ستكون فصيلة الدم وصورة الدم وسكر صائم والفصل الكهربائى للهيموجلوبين وفيروس بى والإيدز والحصبة الألمانى والزهرى، وتكلفة هذه التحاليل 1319 جنيهًا. أما التحاليل للزوج من الأقارب فستكون فصيلة الدم وصورة الدم وسكر صائم والفصل الكهربائى للهيموجلوبين وفيروس بى والإيدز والسائل المنوى والزهرى، وتكلفة هذه التحاليل 1305 جنيهات، وتظهر نتيجتها خلال 48 ساعة من إجرائها. وتوجهنا إلى أحد فروع المعمل الأخرى بمحافظة الجيزة، وأخبرناهم برغبتنا فى معرفة فحوصات ما قبل الزواج لغير الأقارب، وكان الرد أن التحاليل بالنسبة للزوج تشمل فصيلة الدم وصورة الدم والسكر الصائم والفصل الكهربائى للهيموجلوبين وفيروس بى والإيدز والزهرى والسائل المنوى، وتبلغ قيمتها 1774 جنيهًا، وبالنسبة للزوجة هى التحاليل ذاتها دون السائل المنوى، حيث يتم استبداله بتحليل الحصبة الألمانية. الأمر نفسه كررناه مع معمل آخر، وجدنا فيه التحاليل الخاصة بالأقارب، عبارة عن صورة دم كاملة وفصيلة الدم وسكر صائم والحصبة الألمانى والكشف على فيروس «ب» والإيدز، للزوجة، بقيمة 915 جنيهًا، وعن تحاليل الزوج، فتكون صورة دم كاملة والكشف على فيروس «ب» فى الكبد، وتحليل الأجسام المضادة للإيدز، سكر صائم وفصيلة الدم والسائل المنوى، بتكلفة 924 جنيهًا. أما غير الأقارب، فالتحاليل التى يقوم بها للزوجة هى صورة دم كاملة وفصيلة الدم وسكر صائم والحصبة الألمانى والكشف على فيروس ب فى الكبد وتحليل الاجسام المضادة للإيدز، وتكلفتها 760 جنيهًا، والتحاليل للزوج من غير الأقارب، هى صورة دم كاملة والكشف على فيروس ب فى الكبد تحليل الأجسام المضادة للإيدز، سكر صائم وفصيلة الدم والسائل المنوى، وتكلفة هذه التحاليل 749 جنيهًا. توجهنا بعدها إلى المركز القومى للبحوث للتأكد من كفاية فحوصات ما قبل الزواج التى تجريها المستشفيات العامة من عدمه فى الكشف عن الأمراض الوراثية، وتحدثنا مع الدكتورة منى عبدالرازق الجمال، أستاذ الوراثة الإكلينيكية والرئيس الأسبق لشعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينوم بالمركز القومى للبحوث، التى أوضحت لنا الكثير من الأمور نذكرها بالتفصيل خلال هذه السطور. أكدت أن تحليل السكر العشوائى وصوره الدم فقط لا تظهر احتمال وجود أمراض وراثية، ومن الضرورى عمل تحاليل للصحة الإنجابية وتحليل للكروموسومات وأى تحليل إضافى يكون على حسب التاريخ المرضى للعائلتين. وأن اكتشاف احتمالية وجود أمراض وراثية للمقبلين على الزواج تتوقف على إذا كان الشاب والفتاة ليست بينهما صلة قرابة ولا توجد فى العائلتين أى سابقة للإصابة بمرض وراثى، يتم عمل تحليل للكروموسومات لهم، وقد يظهر أى خلل فى الكروموسومات فى أى منهما مما يترتب عنه متابعة خاصة أثناء الحمل وأخذ عينة من السائل الأمنيوسى لمعرفة إذا كان الجنين به خلل فى الكروموسومات أم لا، وإذا أثبت التحليل أن الكروموسومات سليمة تتم متابعة روتينية للحمل، وهذا لا ينفى احتمال إصابة الجنين بأمراض وراثية أخرى لا تظهر فى هذا التحليل. وإذا كان المقبلون على الزواج ليس لديهم أو لا توجد لديهم صلة قرابة ولكن بعد أخذ التاريخ المرضى للعائلتين وضح احتمال إصابة أحد أفراد العائلة بمرض وراثى مثل «تأخر ذهنى، تكرار سقط، تشوهات خلقية، تكرار وفاة أطفال، عقم عند الرجال أو النساء وغيرها»، فيجب تشخيص هذه الحالات لمعرفة الخلل الجينى وعندها يتم الكشف عليه عند المقبلين على الزواج وإعطاؤهم الاستشارة المناسبة. أما إذا كان المقبلون على الزواج ذا صلة قرابة ولا يوجد فى العائلة أى احتمال لمرض وراثى يتم عمل مسح للمواليد لبعض الأمراض الشائعة التى تورث بصورة متنحية، أى أن الزوجين يكونان حاملين لهذا المرض ويحتمل ظهوره فى أطفالهما، وفقًا للدكتورة منى عبدالرازق. الشهادة الصحية إجراء روتيني.. والنتيجة كارثية كالكثيرون، لم تهتم «ر.ع»، صاحبة ال29 عامًا، حين تزوجت فى العام 2018 من ابن عمها، بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، والنتيجة كانت قاسية عليها وعلى زوجها، بفقدان جنينها بعد 7 أشهر من الحمل، بسبب مرض وراثي. تحكى «ر.ع»، من محافظة الإسكندرانية، ل«الوفد»، ما حدث معها، وأن الشهادات الصحية المطلوبة قبل الزواج، كانت مجرد إجراء، والمأذون هو الذى قام بعملها بمعرفته «إحنا حتى مروحناش للمستشفى ولا أى حاجة». الحمل الأول ل«ر.ع» حدث بعد زواجها بشهر، الأمور كانت تسير بشكل طبيعى فى الشهور الأولى وهى فى غاية السعادة والشوق لانتظار مولدها الأول، ولكن مع نهاية الشهر الخامس تغير الحال كليًا، وكانت الصدمة. وقتها، الطبيب التى تتابع معه حملها، بعد الكشف ب«السونار العادي» سألها عن ما إذا كانت هناك صلة قرابة بينها وبين زوجها، فكانت إجابتها: نعن، أولاد عم، فعلى الفور طلب منها عمل «سونار 4D». ومن خلاله اكتشفوا أن الجنين لديه تكيس فى الكلى (كيس الكلى موجود لكنه فارغ، لا توجد به كلى)، بالإضافة لوجود ثقب فى القلب، وكان لابد من أن يتم إجهاض الجنين، لأنها سيموت فى كل الأحوال، وفى الشهر السابع، تمت ولادة الطفل فى الشهر السابع من خلال إعطاء الأم للطلق الصناعى، وبالفعل توفى. بدون كشف أو عينة، استخرجت آمال، الشهادة الصحية اللازمة عند زواجها فى عام 2010، من إحدى المستشفيات العامة بمحافظتها ببنى سويف، فتقول «عملنا الشهاده كده بس مفيش كشف ولا عينة، المستشفى مكنتش بتكشف وقتها أصلًا، والشهادة بتطلع وخلاص». الشهادة الصحية التى أفادت بأنه لا مانع من إتمام الزواج وخلو الزوجين من أي أمراض تعيق الزواج، لم تكن سوى مجرد كلمات على ورق، وفاجعة آمال كانت كبيرة، ولا تزال تعانى منها، بعد وفاة اثنين من أطفالها، بسبب أمراض وراثية. تقول، ل«الوفد»، «أنا وزوجى أقارب من نفس العائلة فقط، وليس أقارب درجة أولى»، وضعت آمال طفلة اكتشفت أن لديها مرضًا فى القلب وقشرة سمكية، وفقدتها بعد 3 أشهر من ولادتها، وقبل نحو أربعة أشهر، فقدت آمال طفلها الثانى بعد أسبوع فقط من ولادته، بسبب الأمراض الوراثية نفسها التى كانت تعانى منها شقيقته «مرض فى القلب وقشرة سمكية». فى 2016، ذهبت أمل (اسم مستعار)، إلى المستشقى، قبل زواجها فى دمياط، لإجراء الكشف الطبى المطلوب، وقتها لم يُطلب منها أى تحاليل ولم يتم حتى الكشف عليها، كل ما حدث معها، كانت مجرد أسئلة شفوية عن الأوراق فحسب. ونتج عن هذا الزواج، طفل مُصاب بمتلازمة مارفان - هى اضطرابٌ وراثى نادر فى النسيج الضام، يُؤدى إلى تشوُّهات فى العينين والعظام والقلب والأوعية الدمويَّة والرئتين والجهاز العصبى المركزي. وتوفى الطفل بعد 16 يومًا من ولادته، وتقول والدته لنا، لا نعلم ما إذا كان مرضًا وراثيًا أم لا، حيث لا توجد أى حالات مماثلة فى العائلة، مضيفة «حسب ما عرفناه من الأطباء أن 70٪ ممن يصابون بهذا المرض وراثة و30٪ طفرات جينية». وبعد بحث طويل، وجدنا أن هناك غيابًا للإحصائيات الرسمية حول عدد الشهادات الصحية قبل الزواج أو عدد الذين يقومون بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لإتمامه فى كل عام، وكذلك غياب للأرقام الدقيقة حول عدد أصحاب الأمراض الوراثية فى مصر. حاولنا التواصل مع وزارة الصحة والسكان من خلال خطاب رسمى موجه من جريدة الوفد للوزارة، وكذلك الاتصال هاتفيًا بالمتحدث الرسمى بإسم الوزارة، الدكتور خالد مجاهد، ومراسلته على «واتساب»، بالإضافة إلى مراسلة صفحة الوزارة الرسمية على «فيس بوك»، لإمدادنا بالإحصائيات والأرقام المتعقلة بشهادات الزواج والأمراض الوراثية لدى الأبناء، بالإضافة إلى مواجهة الوزارة بعدم كفاية التحاليل التى تجريها المستشفيات التابعة لها (السكر العشوائى وصورة الدم)، للتحقق من خلو الزوجين من الأمراض التى توثر على حياتهما أو على الزواج، أو على صحة نسلهما كما ينص القانون، وكذلك إهمال اجرائها غالبية الوقت، لكن لم تكن هناك استجابة أو رد علينا من خلال أية وسيلة. وفى المقابل، وجدنا هناك دراسة صدرت قبل عدة سنوات عن المجلس القومى للسكان تحت عنوان «اتجاهات الشباب من الجنسين نحو قانون الفحص الطبى قبل الزواج بحث مقارن بين المفهوم والتطبيق»، أشرفت عليها الدكتورة إيناس أبو يوسف، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بالتعاون مع الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة، ومعهد التدريب والبحوث بالإسكندرية، تقول إن 41% من الشباب الذين تزوجوا حديثًا، لم يجروا فحص ما قبل الزواج بشكل حقيقى، وتحايلوا من أجل الحصول على شهادة مختومة من أحد المستشفيات بأنهم أجروا الكشف. وطبقت الدراسة على عينة عشوائية من 700 شاب وفتاة، فى الفئة العمرية من 18 30 عامًا من الريف والحضر، من المقبلين على الزواج ومن المتزوجين حديثًا، فى ست محافظات هى الإسكندرية والبحيرة والمنوفية ومطروح وبنى سويف والإسماعيلية. وهناك بعض الدراسات التى قامت بها عيادات الوراثة بالمركز القومى للبحوث وعيادات الأطفال والوراثة بجامعة عين شمس، أوضحتها ل«الوفد» الدكتورة منى عبدالرازق الجمال، أستاذ الوراثة الإكلينيكية والرئيس الأسبق لشعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينوم بالمركز القومى للبحوث، أظهرت أن أكثر الأمراض الوراثية انتشارًا هى أمراض الجهاز العصبى وتمثل حوالى 2%، وتمت هذه الدراسات على مستوى محاقظتى الجيزةوالقاهرة. وهناك دراسات أخرى فى عدة محافظات، أظهرت أن نسبة زواج الأقارب فى الأمراض الوراثية حوالى 50%، ولذلك تنصح الدكتورة منى عبدالرازق الجمال، المقبلين على الزواج من الأقارب الاهتمام بالاستشارة الوراثية ومتابعة المواليد. وفى يوليو 2021، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى، مبادرة للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لدى حديثى الولادة وتقديم العلاج لهم بالمجان، تستهدف 19 مرضًا وراثيًا، إذ سيتم إجراء المسح الطبى لحديثى الولادة بحضانات الأطفال على مستوى جميع مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والقطاع الخاص والمراكز الطبية، الكشف سيكون عبارة عن عينة تأخذ من كعب الطفل ويتم تحليلها، وإذا كانت النتيجة إيجابية، يخضع بعد ذلك لتحليل تأكيدى وإذا ثبت إيجابية تحليله من جديد، سيحول بشكل مباشر وفورى لتلقى العلاج اللازم، وفقًا لما أعلنته وزارة الصحة والسكان، فى بيان سابق لها. الدكتورة منى عبدالرازق الجمال، أستاذ الوراثة الإكلينيكية الوراثة البشرية بالمركز القومى للبحوث، تقول إن نسب الأمراض الوراثية تختلف عن بعضها فليس من الممكن تحديد نسبة للأمراض الوراثية مُجمعة، وللحصول على نسبة محددة يجب عمل كشف ومسح لعدد كبير من المواليد، وذلك بعد عمل المسح الشامل لمرض الفنيل كيتونوريا وهو مرض وراثى ينتج عنه نقص فى إنزيم الفنيلالانين هيدروكسيليز الذى ينتج عن هذا النقص ارتفاع نسبة هذا الحمض الأمينى بالدم وتحوله لمواد ضارة تؤثر على النمو الذهنى للطفل فى حين أن علاجه المبكر يمنع حدوث هذه المضاعافات ويصبح طفلًا سليمًا وأعلنت نسبة الإصابة 1:4500/1:5000 مولود تقريبًا، وتعتبر من أعلى النسب بعد إيطاليا وأيرلندا ومماثلة لنسبة الإصابة فى الأردن وإيران. وتضيف خلال حديثها، أن الأمراض الوراثية والعيوب الخلقية تمثل حوالى من 2 إلى 5% فى المواليد على مستوى العالم. ونظرًا للعدد السكانى فى مصر ونسبة زواج الأقارب (من 35 إلى 37 %) من المتوقع زيادة أعداد المصابين بالأمراض الوراثية. العقوبة القانونية على المتحايلين غير موجودة أحمد مهران: مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أكد أنه لا توجد عقوبة على من يتحايل على القانون باستخراج الشهادة الصحية قبل الزواج بدون إجراء الفحص الطبى بشكل حقيقى، رغم أنه يتم التعامل مع هذه الفحوصات على أنها إجراء روتينى لاستيفاء الأوراق المطلوبة. شمولية التحاليل وجديتها خَفضت أمراض الوراثة 100% بالإمارات الإمارات نجحت فى تخفيض نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية 100%، بحلول عام 2018، بعدما ألزمت مواطنيها والمُقيمين بها إجراء الفحص الطبى قبل الزواج وذلك بداية من 2006، بعد أن كانت 12% قبل تطبيق قانون الفحص الطبى قبل الزواج. ونصت المادة 27 من قانون الأحوال الشخصية لدولة الإمارات والخاصة بإجراءات توثيق عقد الزواج رسميًا، على أنه يشترط لإجراء عقد الزواج تقديم تقرير من لجنة طبية مختصة يشكلها وزير الصحة، يفيد بالخلو من الأمراض التى نص القانون على طلب التفريق بسببها. وشملت الفحوصات الطبية المطلوبة قبل الزواج، التى أقرتها الدولة لغير الأقارب، (تحديد فصيلة الدم، وعامل البندر، ومستوى الهيموجلوبين، ومستوى السكر بالدم، وفيروس التهاب الكبد الوبائى (ب)، والإيدز، ومرض الزهرى وتحليل السائل المنوي) بالنسبة للزوج، أما فحوصات الزوجة فتشمل (تحليل فيروس الحصبة الألمانية وهرمونات الاستروجين، والبروجيستيرون) بديلًا عن تحليل السائل المنوي. وحددت الإمارات أيضاً الفحوصات الطبية المطلوبة للزوجين من فئة الأقارب، حيث يُضاف للزوجين تحليل الثلاسيميا وفحص الكروموسومات.