شيخ الأزهر: "ما حدث فى 30 يونيو إرادة شعبية وليس انقلابا عسكريا" البابا تواضروس: "إن حرقوا الكنائس هنصلى فى الجوامع وإن حرقوا الجوامع هنصلى سويًا فى الشوارع" "محمد ومينا لن يتركوا المدينة".. شعار ثورة 30 يونيو حتى رحيل الجماعة الإرهابية لم تكن ثورة 30 يونيو انتفاضة شعبية، بل كانت ثورة انتفض فيها كافة أطياف وفئات المجتمع، فمن الطفل إلى الشاب ومن ثم الرجل المسن والمرأة، استطاع كل هؤلاء أن يُسطروا ملحمة وطنية ضد قوى الشر والظلام، ليستعيدوا مصر مرة أخرى من براثن جماعة الإخوان الإرهابية. "محمد" و"مينا" هو المشهد الأبرز في ثورة 30 يونيو 2013، الذي نسج بخيوطه معالم الوحدة الوطنية المصرية، فلا فرق بين مسلم ومسيحي "الكل على قلب رجل واحد".. أكثر من 30 مليون مصري نزلوا إلى الشوارع لخلع مرسي وجماعته من الحكم، لم يفرقهم الدين ولا اللون ولا السن، بل كان هدفهم الأوحد إقصاء جماعة الإخوان من المشهد السياسي برمته، بل ومحاكمتهم على ما اقترفوه بحق البلاد. دور الكنيسة والأزهر كان واضحا منذ الوهلة الأولى، إذ انحازا إلى مطالب الشعب بقوة، ووقفا بجانب مطالب الشارع، بعدما زعم أنصار الجماعة وقتها أنها حرب ضد الإسلام!. دور الأزهر الشريف في ثورة 30 يونيو وما بعدها وقف الأزهر وهي أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم فى صف إرادة الشعب؛ وبهذه الفعلة استطاع أن يقطع على الإخوان مظلوميتهم بأنها حرب على الإسلام، وحسمت مؤسسة الأزهر الأمر فى قلوب وعقول الشعب. دعا وقتها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال المظاهرات، المصريين إلى إنهاء حالة الانقسام التى تشهدها البلاد، والتى قد تجرها إلى كارثة محققة، مشددًا على أن وحدتهم فوق كل اعتبار، حيث طالبهم بتحمل مسئولياته أمام الله والوطن والتاريخ فى اتخاذ خطوات جادة وفاعلة للخروج العاجل من هذه الأزمة، تقديرًا لصوت الشعب الذى فاجأ العالم بإلهام حضارى جديد من خلال تعبيره الراقى عن مطالبه، وحقنًا للدماء، وصونًا للأعراض والأموال، وحفاظًا على الأمن القومى من التعرض للمخاطر المحدقة به داخليًا وخارجيًا. ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع اَنذاك، الدكتور أحمد الطيب، لعقد اجتماعًا فى 3 يوليو 2013، مع عدد من الشخصيات، بحضور البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وممثلين عن حزب النور، وحركة تمرد، لإعلان بيان عزل الرئيس الإخوانى الأسبق محمد مرسى، والذى تم بمباركة الأزهر الشريف حقنا للدماء، وإنهاء لهيمنة الجماعة التى لم تعبأ بدماء المصريين. وأصدر الإمام الأكبر بيانًا وقتها، أكد خلاله، أن مصر أغلى من أن تُسفك فيها دماء أبنائها تحت أى شعار، وأن موقف الأزهر هو الانحياز لشعب مصر الأصيل، والحفاظ على وحدة المصريين وحُرمة الدم المصرى، وأن هذا هو منهج الأزهر وتاريخه دائمًا، ومصر تستحق من الجميع موقفًا وطنيًّا صادقًا. وأتْبع الإمام الأكبر، هذا البيان بآخر أطلق عليه "بيان الوصايا العشر أو إبراء الذمة"، الذى أكد فيه أن الدولة التى يُريدها الشعب المصرى وتُؤيِّدها الشريعة الإسلامية هى "الدولة الوطنية الديموقراطية الدستورية الحديثة"، وأن ما حدث فى 30 يونيو إرادة شعبية وليس انقلابا عسكريا، مستندا فى رأيه إلى القاعدة الفقهية التى تقول بأن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعى. وقف الأزهر مساندا للدولة المصرية ومقدرات الشعب، وتضامن مع الكنيسة المصرية ضد استهداف المواطنين المسيحيين وكنائسهم، بعد محاولات تلك الجماعات لإيقاع الفتنة بين أبناء الوطن، ليلعب وعى المؤسسات الدينية وتضامنها مع بعضها البعض دورًا محوريًا لعدم تحقيق غرض تلك الجماعات، فى ظل محاولات من الجماعات المتشددة لاختطاف الوطن وإرهاب أبنائه. وأرسى الأزهر مبدأ سيادة القانون رافضًا أن تصبغ مواجهة الإرهاب بصبغة دينية، بل أن تكون مواجهة دولة فى مواجهة خارجين على القانون، كما عزز الأزهر من دور بيت العائلة المصرية الذى يجمع رموز الدين الإسلامى والمسيحى، ونجح فى وأد الفتنة الطائفية بكافة أشكالها. وعمل الأزهر على تعزيز تواصله مع أبناء الوطن فى المناطق النائية والحدودية مثل قوافل الشيخ زويد، ورفح، والعريش، وقوافل حلايب وشلاتين، وقوافل الوادى الجديد، وقوافل سيدى برانى والسلوم، وأرسل إليهم قوافل طبية وغذائية بشكل مستمر لتعزيز انتماء أبناء تلك المناطق للوطن. كما شارك الأزهر بممثلين عنه فى لجنة إعداد الدستور الجديد للبلاد، وكان لهم دورًا بارزًا فى صناعة الدستور الذى وافق عليه الشعب فى استفتاء عام، ودعمه المستمر لجهود القوات المسلحة، والشرطة المصرية، فى حربهما المستمرة ضد الإرهاب. وقاد الأزهر مسيرة تجديد الخطاب الدينى، والمناهج التعليمية، بما يتوافق مع متطلبات العصر، بالإضافة إلى عقده عدة مؤتمرات لمواجهة الإرهاب وتأكيد قيم التعايش والمواطنة، وإرساء السلام العالمى، ونبذ العنف والإرهاب. الكنيسة المصرية ودورها المُشرف في ثورة 30 يونيو شهدت مصر خلال عام من الحكم الإخواني – أعمالًا فوضوية وهمجية غير مسبوقة استهدفت بالأساس الكنائس ودور العبادة الخاصة بالأقباط، وتزايدت التوترات الطائفية والأعمال الإجرامية بصورة ملحوظة. أحرق الإخوان العديد من الكنائس، وكانوا يعتقدون أن بإمكانهم حرق مصر بأكملها، ولكنهم لا يعرفون النسيج المصرى القوى، ولا يعرفون قيمة الكنيسة الوطنية المصرية ومواقفها المُشرفة التي لا يُمكن نسيانها على مرّ التاريخ، وبالأخص إبان ثورة 30 يونيو، فالكنيسة وقفت ومازالت تقف بالمرصاد لأى عدو يتربص بمصر سواء فى الداخل أو فى الخارج، كما أن دور البابا تواضروس، فى دعم الوحدة الوطنية، والحفاظ على أمن وسلام البلاد فى العديد من المواقف والأحداث التى مرت بها، لا يمكن أن يمحوه التاريخ. وكعادتها لعبت الكنيسة دورا هاما ومحوريا في نجاح هذه ثورة 30 يونيو وساندت الدولة المصرية، ومواقفها الداعمة لمصر يُسطرها التاريخ بحروفٍ من نور. شارك البابا تواضروس الثاني في مشهد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، حيث ساهم مع باقي مؤسسات الدولة وممثلي المجتمع في رسم خارطة طريق الثورة وتقديم كافة أوجه الدعم لها، وهو ما أدى إلى تعرض العشرات من الكنائس إلى الحرق والتدمير عقب فض اعتصامَي "رابعة العدوية. وهنا أطلق البابا تواضروس الثاني مقولته الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، حيث أكد أن حرق تلك الكنائس هو تضحية بسيطة يقدمها الأقباط عن طيب خاطر من أجل حرية الوطن. وعن دور الكنيسة فى الثورة، قال البابا تواضروس: "الدور الرئيسى للكنيسة هو الدور الروحى والكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة وطنية ومنفصلة تماما عن السياسة لكن مشاركتنا فى هذه الثورة كان من خلال المواطنة، لأنه بجانب الدور الروحى لدينا الدور الاجتماعى لنخدم مجتمعنا، ونحن كمصريين يجب أن نحافظ على مجتمعنا ووحدتنا الوطنية مع كل أطياف الوطن، فالكنيسة منذ القرون الأولى تعتبر منفصلة تمامًا عن السياسة، لكن فى نفس الوقت يجب أن تشارك فى الجانب المجتمعى وما يخص المواطنة والهجمات الإرهابية ضد الكنيسة والمجتمع وفى نفس الوقت نحبهم ونحن نسامحهم وننتظر أن تتغير قلوبهم لتكون صالحة، فنحن كنيسة استشهاد والخوف يعتبر شعورا إنسانيا بالطبع لكن فى نفس الوقت لنا قوة الإيمان فى قلوبنا وهناك عيد سنوى للاستشهاد فى الكنيسة". وأضاف البابا، "خلال فترة حكم الإخوان كان هناك شعور أن مصر تُسرق وأن هناك شيئا غير طبيعى ويكفى الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية لأول مرة فى 7 أبريل 2013 وهى الكنيسة الأم وأكبر كنيسة فى الشرق الأوسط وكانت تلك الواقعة بمثابة جرس إنذار بأن هناك شيئا غير صحيح لذا فإن ما حدث فى ثورة 30 يونيو كان أفضل ما يكون". وعن الكواليس قبل ثورة 30 يونيو، قال: "تواصلت مع الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف من أجل مقابلة الرئيس الأسبق محمد مرسى كى يطمئنوا منه على أحوال البلاد قبل 30 يونيو، وبالفعل تقابلنا معه يوم 18 يونيو وكان من المفترض أن أخرج من ذلك اللقاء مطمئنًا، لكن ذلك لم يحدث فمرسى لم يكن شاعرًا بما يحدث فى البلاد ولم يجد البابا وشيخ الأزهر إجابة عن سؤالهما حول أحوال البلاد، ثم بعد ذلك وصلنى شعور بأن كل المصريين فى الشارع إلا أنا فكان لا بد من المشاركة فى يوم 3 يوليو كمواطن مصري". ومن الكلمات التي مازالت عالقة في أذهان المصريين، حينما قال البابا تواضروس، عما يفعله الإخوان: "إن حرقوا الكنائس هنصلى فى الجوامع وإن حرقوا الجوامع هنصلى سويًا فى الشوارع"، فرغم أن الأقباط لم يكونوا وحدهم هم الذين عانوا خلال فترة حكم الإخوان بل الشعب بأكمله فإنهم كانوا الأكثر تعرضا لظلم الإخوان فتعرضوا للتهجير والقتل والاعتداءات على الكنائس وحرقها، حيث دفع الأقباط ثمن معارضتهم لحكم الإخوان من خلال العديد من الجرائم فى حقهم. وبعد كل هذه الأمور دفعت المصريين بكل فئاتهم إلى النزول فى 30 يونيو للإطاحة بالإخوان ورئيسهم المعزول مرسى، وكان البابا تواضروس، أحد الحاضرين فى اجتماع القوى الوطنية فى 3 يوليو قبل بيان عزل مرسي، وقال البابا إن الكنيسة لا تملك سلطة المنع أو الدفع لا تمنع الشباب من أن يخرجوا ولا تدفع الشباب ليخرجوا وحتى إذا ما منعناهم وهذا من باب المستحيل فإن غيرتهم ووطنيتهم لن تمنعاهم من الخروج والمشاركة فى 30 يونيو. وحرص البابا تواضروس – دائما – على إطلاق التصريحات الوطنية التي تقف ضد إثارة الاعتداءات الطائفية من خلال بث رسائل للعالم كله بأن ما يتعرض له المصريون من اعتداءات يتم عبر جماعات الإرهاب المدعومة من الخارج، والتي لا تفرق بين دماء القبطي والمسلم، وأن هذه الحوادث لا يقصد بها الكنيسة وإنما تستهدف الوطن كله. ولم يتوقف الدور الوطني للبابا عند إطلاق التصريحات، بل تخطاها لمطالبة كل كنائس المهجر لتكون سفارات شعبية لمصر في الخارج للتأكيد على روح الوحدة الوطنية التي تسود البلاد وإفشال خطط المتآمرين وأي محاولات لتزوير الحقائق. بهذه الأقاويل وما كتبه التاريخ من مواقف مُشرفة للكنيسة والأزهر، ودفاعهما عن مصر ودورهما الوطني في مواجهة قوى الشر والظلام، نستطيع القول بأن مصر عبرت إلى شاطئ السلام مرة أخرى.. كل هذا بإرادة المصريين الصلبة وتكاتفهم ووحدتهم الوطنية.