«البورصة بدون كبير»، هو ما وصل إليه حال سوق المال بعد تخارج الشركات القيادية واستحواذ المؤسسات المالية العربية والأجنبية علي رؤوس أموالها. فتش عن السياسة في طرد الاستثمار وهروب الشركات التي يستحوذ عليها رجال أعمال النظام السابق أو الذين كانوا علي صلة به، واعتقادهم بأنه لا أمان مع نظام «الإخوان» وحكم «المرشد». بالأمس كانت صفقة بيع «موبينيل» لشركة فرانس تليكوم الفرنسية وأصبحت الشركة في انتظار الشطب بعدما كانت إحدي الشركات القائدة وصاحبة وزن نسبي أكبر في السوق، ثم أوراسكوم تليكوم التي تم تقسيمها إلي شركتين، كي تنفذ صفقة «فرانس»، واليوم صفقة بنك الاستثمار القطري «كيو إنفست» واستحواذه علي 60٪ من هيرميس، ثم بنك قطر الوطني، وشراءه حصة بنك سوسيتيه جنرال 77.17٪ في البنك الأهلي سوسيتيه جنرال مصر، وأخيراً كانت صفقة أوراسكوم للإنشاء والشركة الهولندية، التي اعتبرها الخبراء تصفية حسابات عقب اتهام الشركة بالتهرب من سداد الضرائب علي الأرباح الناتجة عن صفقة بيع قطاع الأسمنت التابع للشركة إلي شركة «لافارج» الفرنسية عام 2007 رغم تأكيدات «أوراسكوم» علي بقائها في السوق والبورصة. خروج الشركات تسبب في فجوة في سوق الأسهم باعتبار أن الشركات البديلة التي قد تلعب نفس الدور غير متوافرة، في ظل سوء الحال لشركات القطاع العام التي لا يمكن أن تكون «فرس رهان» يعتمد عليها في عودة التوازن للبورصة. الأمر سيكون أكثر تعقيداً في حال خروج الشركات، خاصة إذا كانت أوراسكوم للإنشاء والصناعة تستحوذ علي 28.05٪ من المؤشر الرئيسي للبورصة، و«هيرميس» 4.41٪، والأهلي سوسيتيه جنرال 3.42٪ وهي قوة لا يستهان بها في السوق، لكن بعد كل ذلك هل يلقي السوق بشركات قوية تلعب دور هذه الشركات أم سيدفع السوق الفاتورة إلي أن تلقي الأقدار بشركات ذات قوة مالية وتوسعية. «خروج الشركات وعدم توفيق أوضاعها مع الملاك الجدد قد يسببان فجوة في السوق تكون لها تداعياتها السلبية».. يقول أحمد أبوالسعد، الخبير في مجال الاستثمار: إن العلاج السريع يتطلب مشروعات وطروحات جديدة لا تقل أهمية عن الشركات القائدة من خلال تحفيز المساهمين الجدد للشركات علي طرح نسب تتوافق مع قواعد البورصة للبقاء في السوق وكذلك عودة قطار الخصخصة من جديد بما لا يؤثر علي القطاعات الاستراتيجية. المشروعات الجديدة وطرحها بالسوق وقيام البنوك الأجنبية بالاكتتاب في حصص كبيرة - علي حد قول أبوالسعد - ستعمل علي تنشيط السوق وتوفير بديل للشركات المتخارجة بصورة تدريجية. الأمر يتطلب جهداً كبيراً من وزارة الاستثمار في إعادة هيكلة شركات القطاع العام وتجهيزها بصورة تستقطب المستثمرين للاكتتاب فيها عند الطرح - حسبما ذكر الدكتور رشاد عبده - رئيس مركز المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، إذ إن كل قطاعات الحكومة تعاني حالة من الانهيار وتحتاج إلي إعادة هيكلة وضخ أموال لإعادة بناء الشركات التابعة. وتابع: إن إصرار الحكومة علي عمليات الترقيع في شركات القطاع العام وتجميل الصور الخارجية للشركات دون إصلاح داخلي لن يفيدا الاقتصاد وسيمثلا عبئاً كبيراً علي الدولة وهو وضع لا يتحمله الاستثمار، وبالتالي لن تستفاد البورصة ولا الاستثمار. منذ بداية التسعينيات وتحديداً مع بداية تداول سهم «المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي» اعتادت الشريحة الكبري من متعاملي السوق علي أن يكون بالبورصة سهم قيادي يؤثر علي بقية الأسهم سواء سلباً أو إيجاباً.. يقول وائل أمين، خبير أسواق المال: إن الوضع ظل هكذا إلي أن توالت الاستحواذات علي الشركات الكبري بداية من سهم «موبينيل» ونهاية ب «أوراسكوم للإنشاء» وبهذا العرض وعنده تنفيذه نري أن السوق المصري سيفقد أحد أكبر قيادياته وهو السهم الذي يهتم به الكثير من المستثمرين، خاصة الأجانب وأيضاً صناديق الاستثمار، خاصة أن الشركة تعد ثاني أكبر شركة علي مستوي الدول العربية وسادس أكبر شركة علي مستوي العالم في إنتاج الأسمدة ووجود مثل تلك الشركات داخل السوق يعطي البورصة مزيداً من القوة. «3 صفقات استحواذ كبيرة علي أصول شركات مصرية في القطاع المصرفي وفي قطاع الخدمات المالية وفي القطاع الغذائي وهو ما يعد جرس إنذار، حيث إنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد تنقل أصول كبيرة بقيم قليلة لمستثمرين أجانب وبشكل قانوني»، هكذا كان تعليق محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار، إذ إن انخفاض الأسعار خلق مناخاً كبيراً للمستثمرين الأجانب لشراء الأصول بالأسعار المتدنية، وساهم في ذلك انخفاض الجنيه أمام العملات الأجنبية الذي زاد من جاذبية الأصول المصرية وهو ما ساعد علي قيام المستثمرين الأجانب بالدخول في قطاعات استراتيجية مهمة مثل الصناعات الغذائية والدوائية. انهيار أي سوق ليس في انخفاض الأسعار، ولكن في عدم وجود بضاعة متوفرة في السوق، وهذا ما يحدث في السوق المحلي.. يقول إسلام عبدالعاطي، خبير أسواق المال: إن السوق كان يضم هناك في البورصة قطاعات نشطة تتمثل في شركات قطاع الأسمنت وتخارج من البورصة وقطاع البنوك الذي تخارج معظمه بقيادة المصري الأمريكي، والوطني المصري، ومصر الدولي، وسوسيتيه جنرال، حال إتمام الصفقة، ونفس الأمر بالنسبة لقطاع الاتصالات بقيادة فودافون وموبينيل، وكل ذلك يتطلب توافر البديل المناسب كي يحافظ السوق علي قوته، خاصة أن القيمة السوقية للشركات التي خرجت في الفترة السابقة والتي سوف تخرج نجد أن رأسمالها السوقي يتعدي ال 100 مليار جنيه، علماً بأن رأس المال السوقي للبورصة المصرية كلها 370 مليار جنيه، أي أن رأسمال الذي خرج من السوق المصري يتعدي ربع رأس المال السوقي للبورصة. إذن هل تستطيع الطروحات الجديدة ولو بشكل تدريجي أن تتمكن من القيام بدور الشركات المتخارجة أم ستكون بداية تخلي البورصة عن قوتها كأداة ومرآة للاقتصاد. جدول يوضح الأوزان النسبية للشركات المتداولة بالبورصة في المؤشر الرئيسي