يسأل الكثير من الناس عن هل يجوز حبس الطيور فى أقفاص للتمتع بمنظرها أو صوتها ؟ فأجاب الدكتور محمد عاشور العالم بالأوقاف وقال:"بعض الطيور فيها جمال فى أصل الخلقة أو فى الألوان أو فى الأصوات أو فى غيرها ، والجمال محبب إلى كل نفس سوية ، وهو من نعم الله التى يجب أن تشكر ، كما قال تعالى { قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الأعراف : 22 ، وقال {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } النحل : وإذا كانت الزينة التى خلقها الله وأخرجها لعباده فى الحيوانات والنباتات وغيرها مباحة وغير محرمة ، فكذلك التزين - وهو فعل الزينة - ليس ممنوعا فى كل الأحوال ، وإذا كان ممنوعا عند التكبر والخيلاء أو الإسراف فهو غير ممنوع إن خلا من هذه الأشياء جاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 97 " ليس كل ما تهواه النفس يذم وليس كل ما يتزين به الناس يكره ، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو كان على وجه الرياء فى باب الدين ، فإن الإنسان يُحِب أن يُرىَ جميلا . وذلك حظ للنفس لا يلام فيه ، ولهذا يسرح شعره ، وينظر فى المرآة ، ويسوى عمامته ، ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل و ظهارته الحسنة إلى خارج ، وليس فى شىء من هذا ما يحرم أو يذم . وقد روى مكحول عن عائشة قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب ، فخرج يريدهم ، وفى الدار ركوة فيها ماء ، فجعل ينظر فى الماء ويسوى لحيته وشعره ، فقلت : يا رسول الله وأنت تفعل هذا ؟ قال " نعم ، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه ، فإن الله جميل يحب الجمال " . وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال " إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق و غمط الناس " . بعد هذه المقدمة فى الزينة وأن الأصل فيها الحل ، وفى أهمية الجمال فى حيلة الناس ، وموقف الإسلام الرائع فى تشريعه العادل الذى لا يهمل الفطرة الإنسانية إهمالا تاما ولكن يوجهها ويهذبها - بعد هذه المقدمة أقول : إن صنع الزينة واستعمالها والاتجار فيها لا بأس به فى حد ذاته ، ومن الزينة بعض الطيور والأسماك ، فيجوز اقتناؤها وبيعها ما دام ذلك فى حدود الشرع وبشروط ، ومن هذه الشروط : 1 - ألا يقصد بها التفاخر والخيلاء ، كما هو دأب المترفين ، والأعمال بالنيات . 2 - ألا يلهى التمتع بها أو الانشغال برعايتها واستثمارها عن واجب من الواجبات . 3 - ألا يهمل فى رعايتها بالتقصير فى تغذيتها مثلا ، فالحديث معروف فى تعذيب الله للمرأة التى حبست القطة دون أن تطعمها أو تسقيها. هذا ، وقد ورد فى الصحيحين عن أنس رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا ، وكان لى أخ لأمى فطيم يقال له عمير ، فكان رسول الله @ إذا جاءنا قال "يا أبا عمير ما فعل النُّغَير " ؟ وعمير تصغير عمر أو عمرو . والفطيم بمعنى المفطوم ، والنغير تصغير نُغَر وهو طير كالعصافير حمر المناقير ، وأهل المدينة يسمونه البلبل . قال الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " : فى الحديث دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير . وقال العلامة أبو العباس القرطبى : لكن الذى أجازه العلماء هو أن يمسك له وأن يلهو بحبسه ، وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله . وقال غيره : معنى قوله . يلعب به ، يتلهى بحبسه وإمساكه ، وفيه دليل على جواز حبس الطير فى القفص والتلهى به لهذا الغرض وغيره . ومنع ابن عقيل الحنبلى من ذلك ، وجعله سفها وتعذيبا ، لقول أبى الدرداء رضى الله عنه : تجئ العصافير - يوم القيامة تتعلق بالعبد الذىَ كان يحبسها فى القفص عن طلب أرزاقها وتقول : يا رب هذا عذبنى فى الدنيا . والجواب أن هذا فيمن منعها المأكول والمشروب ، وقد سئل القفال عن ذلك فقال - : إذا كفاها المؤونة جاز ، بل فى الحديث دليل على جواز قنصها - صيدها - للعب الصبيان بها ، وكان بعض الصحابة يكره ذلك ، ورأيت لأبى العباس أحمد بن القاص مصنفا حسنا على هذا ويؤخذ مما ذكره الدميرى أن حبس الطيور للزينة وغيرها جائز ما دام يكفيها مؤونتها ، وما دام لا يعذبها ، ومن كره ذلك من بعض العلماء محله عند التقصير والإيذاء ، و الكراهة على كل حال لا تعنى الحرمة ، فالحرام معصية يعاقب عليها ، والمكروه ليس معصية ولا يعاقب عليه .