عندما تهون على الإنسان النهاية تهون الحياة إحدى أفكار السقا مات التى غلفت الأيام الأخيرة فى حياة الرائع عزت العلايلى الذى تعامل مع الحياة والموت برؤى الفيلسوف القادر على معرفة الخط المشترك بينهما... عزت العلايلى الوطنى المرتدى ثياب المبدعين المناضل بكتابة حلقات «اعرف عدوك»، عن الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل فى سويسرا وحتى ثورة عزالدين القسام فى فلسطين؛ صاحب وجهة نظر سياسية ظهرت من خلال الحلقات التى قدم منها 22 حلقة، متنبئًا بنكسة 1967 وكان له برنامج أسبوعى «رحلة اليوم» قدم فيه محافظات مصر؛ وكان الرئيس جمال عبدالناصر من متابعيه.. المتدين فى ثوب المتصوفين، والحريص فى سنواته الأخيرة على زيارة مسجد السيدة زينب والصلاة فيه.. المؤمن بدور الفن فى تجديد الخطاب الدينى فتعرض للهجوم الشرس بعد فيلم «القادسية».... واضع اللبنة الأولى لمسرح التليفزيون مع رشوان توفيق والمخرج أحمد توفيق؛ المؤدى للاستعراض مع وردة؛ الهاوى الذى تعامل مع فريد الأطرش ولبنى عبدالعزيز... أول ظهور له فى السينما كان عمره 15 سنة فى «يسقط الاستعمار» بطولة حسين صدقى. حياته الفنية منقسمة إلى نصفين، الأول بعد تخرجه فى معهد الفنون المسرحية عام 1959، والنصف الثانى مع بداية احترافه عام 1963 فى المسرح.. البداية كانت بالتليفزيون ومسرحه؛ وفيلم«رسالة من امرأة مجهولة»، كان الخطو الأولى نحو التألق فى السينما بدور الطبيب الذى لم يتعد عدة دقائق.. المسافر لإنجلترا ليدرس جميع أنواع المسارح هناك عام 1964 ليوافق الدكتور حاتم على إقامة مسرح التليفزيون... إنه النجم المفضل لدى عمالقة الإخراج فى مصر صلاح أبوسيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين الذى ربطته به صداقة قوية أيضاً فقدم معه «الأرض»، و«الناس والنيل»، و«الاختيار» و«إسكندرية ليه». فكر عزت العلايلى فى إخراج فيلم «الاختيار» وأن يقوم ببطولته يوسف شاهين ثم تبادل الأدوار؛ بدأ الفيلم بفكرة كتبها عزت ثم ذهب بها إلى الأديب نجيب محفوظ الذى أعجب بها على الفور فكتب لها المعالجة الدرامية، حدث هذا فى عام 1970 بعد النكسة وشاركه الفكرة إريك رولو رئيس تحرير «لوموند» الفرنسية بعد ذلك؛ الفيلم كانت له رؤية سياسية هادفة؛ تعرف من بين الأحداث؛ لذلك أحدث ردود فعل قوية عند عرضه فى باريس، وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً وحصل على جائزة التانيت الذهبى من مهرجان قرطاج، الاختيار قصة حول الشيزوفرانيا (مرض انفصام الشخصية)، حيث يكتشف الشرطة فى بداية الفيلم جثة مجهولة الهوية، التى سرعان ما يحددون هويتها لشخص اسمه «محمود»، وتحوم شكوك رجلى المباحث المكلفين بالقضية حول «سيد» شقيق «محمود» بأنه القاتل الذى يظهر بأنه مع عشيقته «بهية» ك«محمود» ومع زوجته «شريفة» ك«سيد». وبعد ذلك قدم العلايلى العديد من أعمال نجيب محفوظ وفى الحقيقة أنه أول من قدم شخصية سرحان البحيرى بطل نجيب محفوظ فى قصة «ميرامار» للتليفزيون قبل أن تتناولها السينما. فيلمه «القادسية» صور فى العراق، التى قضى فيها مع سعاد حسنى نحو 8 أشهر؛ وهذا الفيلم ممنوع عرضه الآن فى مصر لأنه يتناول شخصية سعد بن أبى وقاص وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ وهذه ليست المشكلة الأولى التى عانى منها الفيلم، ولكن الفيلم أنتج فى فترة المقاطعة السياسية بين مصر والدول العربية التى كان يتزعمها صدام حسين، ولكن السادات اتصل بعزت العلايلى وطلب منه السفر مع المخرج والبطلة والقيام ببطولة الفيلم. عزت العلايلى هو شوشة السقا الذى يخاف من الموت خوفًا شديدًا لأنه بالنسبة له يسلب الأحبة، وقد أخذ منه زوجته، ومع ذلك يحاول خلق نوع من العلاقة بين ابنه وبين شجرة التمر حنة وهى الشجرة التى تذكره دائمًا بزوجته الراحلة، كما يحاول أن ينشئه ليتحصل على المنصب الذى لم يستطع الحصول عليه طيلة حياته وهو منصب المسئول عن صنبور المياه. ويتقابل شوشة مع شحاتة الذى يعلم فيما بعد أنه مساعد تربى فيتشائم منه ويموت شحاتة ليحزن عليه شوشة حزنًا شديدًا وتنتابه حالة عصبية وهو يساعد فى دفنه، لقد نجح عزت العلايلى فى توصيل الفكرة الرئيسية التى تناولها يوسف السباعى فى روايته حول فلسفة الموت والحياة والتشاؤم والتفاؤل وكان موفقًا فى التعامل مع المخرج صلاح أبو سيف الذى حاول مرارًا وتكرارًا تحويل الرواية إلى عمل سينمائى ببداية السبعينات إلا أن العديد من المنتجين خافوا من إنتاجها خاصة أنها تتحدث عن الموت لكن يوسف شاهين أعجب بالفكرة وقرر إنتاجها عام 1977. وقام بكتابة السيناريو محسن زايد بالاشتراك مع صلاح أبو سيف؛ ويحتل الفيلم المركز الواحد والثلاثين فى قائمة أفضل مئة فيلم مصرى حسب استفتاء النقاد عام 1996. ومع رواية «الحرب فى بر مصر» ليوسف القعيد التى تحولت إلى فيلم «المواطن مصرى» نعيش مع شخصية عبدالموجود أحد بسطاء الفلاحين الذى يوافق أن يرسل ابنه الوحيد (مصري) بدلًا عن ابن العمدة مقابل قيراطين من الأرض... النهاية حزينة جدًا، فابنه «مصري» يموت أثناء الخدمة العسكرية ويعلم بذلك والده «عزت العلايلي» عبدالموجود الذى يتأثر تأثرًا بالغًا بوفاته ويندم على إرساله للجيش ليخدم مكان ابن العمدة مقابل المال. الفيلم جمع بين عزت العلايلى وعمر الشريف الذى جمعتهما صداقة قوية تعود إلى ما قبل إنتاج الفيلم بسنوات طويلة، فكنا يتقابلان كثيرًا سواء فى مصر أو الخارج. وكان الاثنان بعد انتهاء التصوير يجلسان لسماع أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب، وأثناء تصوير المشهد الأخير فى «المواطن مصرى» الذى ينظر فيه العلايلى لجثة ابنه الذى استشهد فى الحرب كان يقف بجوار الكاميرا، عمرالشريف وبعد انتهاء المشهد فوجئ عزت بعمر «يحتضنه» وقال له: «أنا مستنيك عشان عازمك على العشاء». وقام بشخصية عبدالهادى فى الأرض الأرض سنة 1970 من إخراج يوسف شاهين، عن رواية الكاتب المصرى عبدالرحمن الشرقاوى، ويعتبر أحد أهم أفلام السينما المصرية، تم تصنيفه فى المركز الثانى ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية فى استفتاء النقاد. طارحًا نضال الفلاحين المصريين ضد الإقطاع فى ثلاثينيات هذا القرن.. ولكنه فى نفس الوقت يحمل، رغم بساطته التعبيرية، مضامين وإسقاطات على واقعنا الحاضر، ويتحدث عن صراعنا الحضارى، ضمن رؤية سياسية واجتماعية عن الواقع المصرى والعربي؛ ومن أجمل المشاهد التى أداها إخراج البقرة التى سقطت من الساقية؛ والمشهد الذى جمعه مع أبوسويلم الشيخ حسونة والكلام عن كفاحهم وهم شباب وأنهم لم يخافوا. وقدم فيلم «غرباء»، سنة 1973 مع سعاد حسنى ليكون من أوائل الأعمال الطارحة للقضايا الدينية المهمة من خلال عرض شخصية الأستاذ العلمانى المؤمن بالحياة الغربية والرافض للحياة الشرقية وأدى دوره عزت العلايلى، فى حين تتنافى آراؤه مع الشخص المتزمت دينيًا، ويأتى مشهد النهاية مؤثرًا حين ينتحر العلمانى، بينما تكون صدى كلماته للبطلة فى الخلفية مطالبًا إياها بالبحث عن الحقيقة. الفيلم الذى اتخد طابعاً فلسفياً لعدة ظواهر، من أهمها التشدد الدينى الذى بدأ فى الظهور مع بداية سبعينيات القرن الماضى، إلا أنه أثار ضجة كبيرة انتهت إلى منع عرضه للجمهور، لما يمكن أن يتسبب فيه من تشتت فكري. مُنع الفيلم من العرض فى مصر تحت مبرر أن الفيلم يحمل الكثير من الأفكار الفلسفية التى قد لا يفهمها قطاع عريض من الجمهور، ويكون من السهل أن يقعوا وقتها فريسة لأفكار لا يستطيعون التعاطى معها عن وعى وفهم. ووصف الفيلم حينها من قبل مثقفين وحكوميين بأنه «يدور فى نطاق فلسفى قد يؤدى إلى إلحاد بعض من ليس لديهم إيمان قوى بالله»، خاصة أن الفيلم احتوى على عدد كبير من الجمل الحوارية المهمة والجريئة التى تتحدث فى صلب الدين والإيمان».، حيث كان الصراع الدينى على أشده فى تلك الفترة من تاريخ مصر، خاصة بين الإسلاميين والاشتراكيين والليبراليين وكل هذه الآراء كانت على لسان شخصية عزت العلايلى فى الفيلم. اختيرت عشرة أفلام شارك فى بطولتها العلايلى ضمن قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، وهي: «الأرض، الاختيار، السقا مات، زائر الفجر، الطوق والأسورة، إسكندرية ليه، أهل القمة، على من نطلق الرصاص، قنديل أم هاشم، بين القصرين». حصل «العلايلى» على عدة جوائزعلى رأسها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة أحسن ممثل عن فيلم «الطريق إلى إيلات»، وتم تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى بصفته رائد جيل الوسط، كما حصل على جائزة أحسن ممثل من جمعية الفيلم أكثر من مرة، وتم تكريمه فى مهرجانات دبى وقرطاج، فضلًا عن عدد من الجوائز المحلية والدولية، كما حصل على درع تكريم مهرجان ART السينمائى لعام 2009، كما كرمه مهرجان وهران للفيلم العربى لعام 2017 وكرم مؤخرًا من مهرجان شرم الشيخ ومهرجان الإسكندرية.