فى الوقت الذى ضرب فيه فيروس كورونا اقتصاديات العالم، ووضع مسئولى الدول أمام مسئولياتهم للمحافظة على استقرار بلدانهم ماليا واقتصاديا، للخروج بسلام من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية الحادة التى تواجه العالم أجمع، وفى ظل التقارير الاقتصادية التى تشير الى الحالة الاقتصادية والنظرة المستقبلية للدول، جاء تصريح وزير المالية الكويتى خليفة حمادة ليؤكد أن المركز المالى للكويت قوى ومتين لكونه مدعوماً بالكامل من قبل صندوق احتياطى الأجيال القادمة، والذى يشهد نمواً مستمراً بفضل جهود القائمين عليه. وجاء تصريح المسئول الأول عن المالية الكويتية تعقيباً على قرار وكالة فيتش بتثبيت التصنيف السيادى للكويت عند AA مع تغيير النظرة المستقبلية من «مستقرة» إلى «سلبية». وقال إن ما تعانى منه المالية العامة لبلاده والتى تتعلق بالإيرادات والمصروفات السنوية من اختلالات هيكلية، أدى إلى قرب نفاد السيولة فى خزينة الدولة «صندوق الاحتياطى العام». وأشار وزير المالية الكويتى إلى أن من أهم أولويات الحكومة خلال المرحلة المقبلة هو تعزيز السيولة فى الخزينة، مؤكدا ضرورة تضافر جهود جميع الجهات والعمل كفريق واحد لتحقيق استدامة المالية العامة. سلبية وكانت وكالة فيتش قد أكدت تصنيفها الائتمانى السيادى للكويت لعام 2021 عند المرتبة «AA» مع تغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية. وقالت الوكالة ان تخفيض النظرة المستقبلية يعكس مخاطر السيولة قصيرة الأجل والمرتبطة بالنفاد الوشيك لصندوق الاحتياطى العام فى ظل غياب إذن للحكومة بالاقتراض، حيث يتجذر هذا الخطر فى الجمود السياسى والمؤسساتى الذى يفسر أيضا عدم وجود إصلاحات مؤثرة لمعالجة العجز المالى الكبير فى الميزانية العامة للدولة، والضعف المتوقع فى أرصدة الموازين المالية والخارجية للكويت، ومع ذلك ستظل تلك الأرصدة من بين أقوى الميزانيات السيادية التى تصنفها الوكالة. وتوقعت الوكالة أن عدم تمرير قانون دين عام جديد قد يؤدى الى نفاد سيولة صندوق الاحتياطى العام فى الأشهر المقبلة ما لم تتخذ مزيدا من التدابير لمعالجة أوضاعه، مشيرة الى أن استنفاد سيولة صندوق الاحتياطى العام من شأنه أن يحد بشكل كبير من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ويمكن أن يؤدى ذلك إلى اضطراب اقتصادى كبير. ووفقا للسيناريو الأساسى للوكالة الذى يفترض أن الحكومة ستجدد موارد صندوق الاحتياطى العام لتجنب النضوب حتى بدون أى تشريع جديد من قبل مجلس الأمة، واستمرار الحكومة فى خدمة الدين «حيث تبلغ نحو 400 مليون دينار وبنسبة 1% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2021»، إلا أنه لا تزال هناك درجة من عدم اليقين. وتوقعت الوكالة أن يتسع عجز الميزانية العامة «بعد إضافة دخل الاستثمارات الحكومية» الى نحو 6.7 مليار دينار أو ما نسبته 20% من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية 2021/20. وعلى صعيد الإيرادات العامة، تتوقع الوكالة انخفاضه بنحو 33% ليصل الى ما يزيد قليلا على 14 مليار دينار أو ما نسبته 42% من الناتج المحلى الإجمالى، مدفوعاً بانخفاض أسعار النفط وكميات إنتاجه. إضافى أما بالنسبة للمصروفات العامة، فتتوقع أن تتماشى مع المصروفات الفعلية للسنة المالية السابقة عند نحو 21 مليار دينار أو ما نسبته 62% من الناتج المحلى الإجمالى، أى أقل من المصروفات المرصودة فى الموازنة العامة فى السنة المالية 2021/2020. وعلى مدار السنة المالية الحالية، خصصت الحكومة ما مجموعه 740 مليون دينار «أقل من 2% من الناتج المحلى الإجمالى» كإنفاق إضافى لمكافحة فيروس كورونا ودعم القطاع الخاص، والذى قابلته مدخرات فى بنود أخرى، بما فى ذلك انخفاض الدعم الحكومى. ميزانية قوية ورجحت الوكالة أن تظل الميزانية العامة فى الكويت من بين أقوى الميزانيات السيادية التى تصنفها وكالة فيتش، حتى مع افتراض وجود إصلاحات مالية محدودة وعدم انتعاش أسعار النفط أو كميات الإنتاج. وفى ظل عدم إفصاح الحكومة عن حجم أصول وأداء الهيئة العامة للاستثمار، تتوقع الوكالة أن يصل صافى الأصول السيادية الخارجية التى تديرها الهيئة العامة للاستثمار نحو 581 مليار دولار أو ما نسبته 652% من الناتج المحلى الإجمالى فى نهاية 2020، وذلك بالرغم من السحوبات من صندوق الاحتياطى العام. نمو معتدل توقعت الوكالة أن يشهد الاقتصاد الكويتى انتعاشا اقتصاديا معتدلا هذا العام مع بدء تلاشى الصدمة المزدوجة لانخفاض إنتاج النفط وفيروس كورونا. كما من المتوقع أن يسجل الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى انكماشا بنحو 7% «انكماش القطاع النفطى بنحو 9%، وانكماش القطاعات غير النفطية بنحو 4%» فى عام 2020. مع انتعاش الطلب العالمى على النفط وإعادة النظر فى حصص إنتاج أوپيك، فإن هناك احتمالاً بأن ترفع الكويت الإنتاج تدريجياً نحو الطاقة الإنتاجية الحالية البالغة 3.1 مليون برميل فى اليوم «والتى تخطط مؤسسة البترول الكويتية لزيادتها الى 3.5 مليون برميل فى اليوم بحلول عام 2025. كما يمكن أن يؤدى بدء تحديث المصافى ومشروع الوقود النظيف لمؤسسة البترول الكويتية وزيادة إنتاج الغاز الى دعم النمو فى السنوات 2021-2022. عوامل قالت الوكالة إن أهم العوامل التى يمكن أن تؤثر سلبا وبشكل فردى أو جماعى على التصنيف الائتمانى السيادى، هى السمات الهيكلية حيث ان استمرار استنزاف موارد صندوق الاحتياطى العام فى ظل عدم إقرار قانون جديد للدين العام، أو تشريع يسمح بالنفاذ الى أصول صندوق الأجيال القادمة، أو قيام الحكومة بتدابير استثنائية لضمان استمرارها فى الوفاء بالتزاماتها، بما فى ذلك على سبيل المثال لا الحصر خدمة الدين. كما ان من ضمن العوامل المؤثرة سلبا هى المالية العامة، حيث ان التآكل المستمر لمتانة الأوضاع المالية والخارجية نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط أو عدم القدرة على معالجة الاستنزاف الهيكلى للمالية العامة. تدابير أشارت وكالة «فيتش» الى أن السلطات قد أبدت التزاماً بتجنب أزمة السيولة ولديها المرونة لاتخاذ تدابير استثنائية لتحقيق هذه الغاية. وفى أغسطس 2020 أقر مجلس الأمة قانونا يجعل من تحقيق فوائض مالية شرطا مسبقا لتحويل 10% من الايرادات العامة الى صندوق احتياطى الاجيال القادمة، وسمح القانون الجديد بإلغاء التحويل للسنة المالية 2019/2018، وتبع ذلك شراء صندوق احتياطى الأجيال القادمة للأصول السائلة من صندوق الاحتياطى العام. ولفتت الى أنه لا يزال هناك لدى صندوق الاحتياطى العام أصول غير سائلة يمكن تحويلها أيضا الى صندوق احتياطى الأجيال القادمة، بما فى ذلك مؤسسة البترول الكويتية، مبينة أنه بدون تشريع جديد، يمكن لصندوق الاحتياطى العام الاقتراض من صندوق احتياطى الأجيال القادمة، كما حدث أثناء الغزو العراقى فى 1990-1991، مع أن ذلك ليس خيارا تدرسه الحكومة فى هذه المرحلة. أصول وفى هذا الاطار كشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ أن الهيئة العامة للاستثمار نقلت آخر أصولها العاملة من صندوق الاحتياطى العام إلى صندوق الأجيال القادمة، مقابل الحصول على السيولة النقدية لسد العجز الشهرى البالغ 3.3 مليار دولار، الأمر الذى سيترك واحداً من أغنى بلدان العالم فى مواجهة خيارات قليلة لدفع فواتير التزاماتها المالية. وبحسب المصادر تشمل الأصول حصصاً فى بيت التمويل الكويتى «بيتك» وشركة «زين»، مبينة أنه جرى أيضا تحويل أصول من مؤسسة البترول الكويتية من «الاحتياطى العام» إلى صندوق الأجيال القادمة الذى يبلغ قيمته 600 مليار دولار، والذى يهدف إلى حماية ثروة البلاد لفترة ما بعد النفط، لافتا إلى أن القيمة الاسمية للمؤسسة تبلغ 2.5 مليار دينار. ووفقا ل«بلومبيرغ»، فإنه مع اعتماد 80% من الدخل الحكومى على النفط، تحتاج الكويت إلى أسعار نفط عند مستوى 90 دولاراً لضبط ميزانيتها الجديدة، مشيرة الى أنه يعمل أكثر من 80% من الكويتيين فى القطاع الحكومى ويتمتعون بإعانات سخية، لكن الحكومة جاهدت لإجراء تعديلات طفيفة على الإنفاق فى مواجهة معارضة واسعة النطاق. من جانب آخر، ذكرت الوكالة إن اللجنة المالية فى البرلمان بدأت مراجعة قانون الاقتراض مرة أخرى الثلاثاء الماضى، بعد يوم من اجتماع أزمة مع المسؤولين الحكوميين، ورفعت المراجعة التوقعات بحدوث ذوبان الجليد، لكن سياسة حافة الهاوية أزعجت مجتمع الأعمال، الذى حذر من أن التأخيرات المتكررة تحمل تكاليف طويلة الأجل.