لقَد صَنَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ في هَذَا الكَونِ بِإِتقَانٍ، وَأَنزَلَ في الأَرضِ هَذَا الإِنسَانَ، وَجَعَلَهُ خَلِيفَةً فِيهَا وَأَمَرَهُ بِالسَّعيِ في مَنَاكِبِهَا وَإِعمَارِهَا، وَأَوجَبَ عَلَيهِ الإِحسَانَ وَنَهَاهُ عَنِ الإِفسَادِ فِيهَا بَعدَ إِصلاحِهَا،قَالَ سبحانه:"صُنعَ اللهِ الَّذِي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بما تَفعَلُونَ"(النمل/ 88). بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب واضا ف قائلا من أجل أن يكون العمل متقناً دعا الإسلام إلى العمل والاحتراف في شتى المجالات ودعوته إلى هذا لم تكن من فراغ وإنما من أجل إيجاد حياة كريمة منعمة للفرد والمجتمع لأنه من لم يملك قوت يومه لم يملك حريته..ولقد وردت نصوص كثيرة تؤكد على هذا المعنى وقيمته الخطيرة وتصف الأنبياء عليهم السلام بأنهم كانوا ذوي حرف وصناعات برغم انشغالهم في الدعوة إلى الله عن العمل والاحتراف..يقول صلي الله عليه وسلم:"ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"(البخاري). فنبي الله داود عليه السلام كان يعمل حداداً يصنع السيوف ، ونبي الله نوح عليه السلام كان يعمل نجاراً يصنع الفلك"وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا "(هود/37).و موسى عليه السلام اشتغل برعي الغنم عشر سنين أجيراً في أرض مدين قبل أن يبعثه الله رسولاً وزكريا كان يعمل خواصاً ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم كان يرعى الغنم في صدر شبابه على قراريط ثم اشتغل بالتجارة في مال خديجة زوجته فيما بعد .فهؤلاء هم أقطاب النبوة وألو العزم من الرسل وقد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها ويستعينون بها عن سؤال الناس. "ولا ريب أن هؤلاء الرسل لم يكونوا أغنياء يجمعون المال ويكنزونه وإنما كان كل ما حصلوه وسيلة للعيش الكريم الذي يحفظ كرامة الإنسان ويقيه ذل السؤال ويصون ماء وجهه قبل أن يصون أنفاس الحياة . فالتسول عار والاحتراف شرف فقد نهى الإسلام عن التسول والمتسولين وعلى الذين يجلسون عالة على غيرهم وهو ما قاله صلي الله عليه وسلم :" المسألة تأتي نكتة سوداء في وجه صاحبها يوم القيامة".ويقول صلي الله عليه وسلم"من فتح باب مسألة فتح الله عليه باب فقر"(صحيح ) ويقول:"لا تزال المسألة بأحدكم، حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم"(البخاري ومسلم) . لذلك نجده صلي الله عليه وسلم يدعوا إلى العمل والاحتراف خيراً من المسألة فيقول:"لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس : أعطوه أو منعوه"(ابن ماجة). لذلك دعي الرسول صلي الله عليه وسلم إلى الاحتراف وجعله طريقاً إلى حب الله عز وجل فعن ابن عمر رضي الله عنهما:"إنَّ اللهَ يحبُّ المؤمنَ المحترفَ"(الترمذي وغيره). وتركيز الرسول على عمل الرجل بيده إعلاء لشأن الحرف التي تبدوا في أعين الناس شاقة أو مهينة و تزكية للحرفيين والصناع الذين يمارسون بأيديهم الجهد والمجاهدة .. واضاف الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب: كما دعي الرسول إلي العمل دعي إلي إتقانه ففي الحديث الصحيح :"إِنّ اللَّهَ يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ"(الطبراني صحيح). هذا الحديث مُوَجّه من خير البشر صلى الله عليه وسلم إلى جميع أمته ذكراً كان أم أنثى، صغيراً كان أم كبيراً، حاكماُ كان أم محكوماً, كما أنه موجه لجميع أصحاب المهن، خاصة من يعملُ في الخدمات العامّة والمشاريع التي تنفع الأمةوتساهم في رفع اقتصادها وتميزها. فالرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث الشريف يوجه الكلام للوزير والأمير والمدير والمدرس والطبيب والتاجر وجميع أصحاب المهن مهما كانت صغيرة أم كبيرة ويحثهم على إتقان أعمالهم. الكل مسؤول، أنا وأنت وهو وهي وهم وهن:"كُلُّكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهلِهِ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيتِ زَوجِهَا وَمَسؤُولَةٌ عَن رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ"( البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ). إِنَّ العَامِلَ مَطلُوبٌ مِنهُ إِتقَانُ عَمَلِهِ وَالإِحسَانُ فِيهِ قَدرَ طَاقَتِهِ، وَعَدَمُ التَّحَجُّجِ بِتَقصِيرِ غَيرِهِ أَو تَهَاوُنِ مَن سِوَاهُ. "إننا مطالبون بعمارة الأرض والسعي على الرزق ولكن ليس معنى هذا أن نتحول إلى أطماع مسعورة هذا ما يحذر منه الإسلام"من كانت الدُّنيا همَّه،فرَّق اللهُ عليه أمرَه،وجعل فقرَه بين عينَيْه،ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له،ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه،جمع اللهُ له أمرَه،وجعل غناه في قلبِه،وأتته الدُّنيا وهي راغمه"(صحيح). ويحدثنا أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم فيقول"جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يتلو هذه الآية "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " فجعل يرددها ويقول يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم.