لقد دعا الإسلام إلي العمل وطلب الكسب الحلال. واعتبر ذلك عبادة من أجل العبادات. لأن الانسان بعمله يحفظ حياته بما يعود من كسبه. ويحفظ حياة من يعول ويتمكن من الصدقة فيرتفع من المقام الأدني إلي المقام الأرفع. وفضلا عن الأسوة الحسنة في حياة الأنبياء والمرسلين. واتخاذهم لمنهج السعي علي الرزق واحتفاظهم بالاحتراف للمهن المختلفة فإن النبي- صلي الله عليه وسلم- حث علي الكسب وطلبه من عمل اليد الشريف. فقال- صلي الله عليه وسلم: "ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل علي أهله وولده وخادمه فهو صدقة" وقال أيضا- صلي الله عليه وسلم: "إن الله يبغض العبد الصحيح الفارغ" أي الفارغ من طلب الكسب أي لا حرفة له وهو يعلم أن أشرف الخلق بدأ حياته راعيا للغنم شأن الأنبياء قبله ثم عمل بالتجارة في مال السيدة خديجة- رضي الله عنها- وإبراهيم- عليه السلام- كان بزازا. وزكريا-عليه السلام- كان متنكرا فيسأل عن سيرته من يراه من أهل مملكته فتعرض له جبريل- عليه السلام- في صورة آدمي فقال له داود- عليه السلام- يا فتي ما تقول في داود؟ فقال: نعم العبد هو غير أن فيه خصلة قال: ما هي؟ قال يأكل من بيت المال: وما في العباد أحب إلي الله من عبد يأكل من كد يده فعاد إلي محرابه باكيا متضرعا يقول: يارب علمني صنعة أصنعها بيدي تغنيني بها عن بيت المال فعلمه الله تعالي صنعة الدروع وألان له الحديد حتي كان في يده بمنزلة العجين وكان إذا فرغ من الفضاء وحوائج أهله عمل درعا فباعها وعاش هو وعياله بثمنها وذلك قوله تعالي "وألنا له الحديد" وقوله تعالي: "وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم"! من أجل ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأري الرجل فيعجبني فأقول أله صنعة؟ فإن قالوا لا.. سقط من عيني!! ذلك أن الكسب الحلال يرفع من قيمة صاحبه ويجعل له قدرا وحيثية بين أفراد المجتمع إذ لن يكون عالة علي أحد بل وقد يكفل غيره معه.وهذا في حد ذاته جهاد وسعي وفضل جدير بتقدير الله وثوابه فقد روي عن أبو المخارق قال: "كان رسول الله صلي الله عليه وسلم مع أصحابه إذ مر عليهم أعرابي. شاب جلد فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: ويحه لو كان شبابه وقوته في سبيل الله كان أعظم لأجره. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن كان يسعي علي أبوين كبيرين ليعينهما فهو في سبيل الله وإن كان يسعي علي أولاده الصغار فهو في سبيل الله وإن كان يسعي علي نفسه ليستغني عن الناس فهو في سبيل الله وإن كان يسعي رياء وسمعة فهو في سب يل الشيطان" وفي ذات المضمار ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري: "إن المسلم إذا أنفق علي أهله نفقة وهو يحتسبها أي يجعلها لله وعند الله- كانت له صدقة" وهكذا يرفع الإسلام قيمة الكسب وقيمة النفقة في الحلال وفي وجهها المشروع ويعظم قيمة العمل حينما أمسك النبي صلي الله عليه وسلم يد أحد أصحابه قد أصابتها خشونة العمل فقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله" وهذا معناه الإيحاء بأن القعود عن السعي وتحقيق الكسب لا يرضي الله ورسوله وما يغضب أكثر و أكثر ويجلب لعنة الله أن يقعد الإنسان وهو يستطيع أن يستجلب رضا الله بعمل يستفيد من عائده ويستفيد منه غيره فقد قال صلي الله عليه وسلم: من غرس غرسا أو زرع زرعا فأكل منه إنسان أو دابه أو طير أو سبع فهو له صدقة".