المجتمع الناهض يعتمد في توفير أموره المعيشية والانتاجية علي الجهد المخلص. في عمليات جادة تنمي الفرد والدولة. وتعود بالخير والرخاء. مما يتخلص به من الفقر ويرفع من مستوي المعيشة ويزيد الدخل. ويعظم من عمليات التنمية. وقد طلب الإسلام من الفرد أن يشارك في العملية الانتاجية. وأن يكون عضواً إيجابياً ينفع نفسه وأهله بتوفير الحاجات الأساسية التي لا غني عنها في الحياة اليومية من طعام وشراب وملبس ومسكن وتعليم وعلاج. وأن يساهم في تنمية مجتمعه. في المجال الذي يجيده وبكل ما يقدر عليه من المساهمة الجادة في أي مشروع زراعي أو صناعي. أو تجاري. أو خدمي يضيف إلي الدخل القومي. ويكون في إطار الربح الحلال. والنشاط المشروع. وليس أدل علي هذا الطلب من العبادة وطلب السعي علي العمل. والبحث عن تنمية المال. وزيادة الإنتاج. يقول تعالي : "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وأذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" [سورة الجمعة : أية 10].. والتزام المسلم بذلك يجعله طاقة فاعلة. وعنصراً نشطاً دائم السعي والبحث عن كل ما يرتقي بحياته المادية والروحية. وتقدم المجتمع. ومتي أحسن التوكل علي الله وجد في الطلب والسعي فإن الله تعالي ييسر له أسباب العمل. ويفتح له أبواباً من الرزق. فالحياة عمل دائب ومسعي متواصل وتنافس مستمر لكسب المال. وتوجيه الطاقات للحصول علي أسباب الرزق الحلال. يقول تعالي : "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه. وإليه النشور" [سورة الملك : أية 15]. وأولي بالمسلم فرداً كان أو جماعة أن يبحث بعزيمة قوية وتوكل صادق علي الله عن عم يسد به. رمقه. ويحفظ به ماء وجهه من سؤال الناس. والمذلة لهم سواء أعطوه أو منعوه. وألا ييأس من فضل الله في الحصول علي عمل يسد به حاجته. وينتشل نفسه من أفة الفقر. وكفي بها ذلة وانكساراً. فإنه إذا افتقر ضعف وكان مطية للشيطان. وعضوا هداماً في المجتمع. وهو ما يشير إليه القرآن بقوله تعالي : "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم" [البقرة : أية 268]. والفقر مذموم عند الله وعند الناس. وهو يسقط الهمة والمروءة. ويجعل صاحبه متبطلاً عاطلاً. لا وزن له في عالم البشر. وكان ملحظ الشرع لهذا المعني أنه جعله قرين الكفر. بقول الرسول صلي الله عليه وسلم "كاد الفقر أن يكون كفرا" ولذلك استعاذ منه الرسول صلي الله عليه وسلم بقوله : "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة" رواه السيوطي. ولا يصح القول بأن الفقر من الزهد الذي اتصف به الرسول صلي الله عليه وسلم وأهل الصفة في عهده لأن التمكين للدين. والمداومة علي العبادة. لا تتأتي إلا بسد حاجات الجسد وستر العورة. ومأوي يقي العابد من وقدة الصيف. وبرد الشتاء. وإن في الحديث الذي طلب فيه الرسول صلوات الله عليه للغني وهو قدوة الزهاد في الدنيا لدلالة بعيدة الأثر في هذا المقام. تجعل من مكافحة الفقر. وتوفير الحاجات الاساسية للفرد والجماعة. واجباً علي كل فرد. ومسعي ضرورياً للمجتمع والدولة علي حد سواء. وحتي لا يكون للمسلم عذراً في المساهمة قدر ما يستطيع في أن يشعر بأنه فعل شيئاً لنفسه وللجماعة التي يعيش في رحابها. فإن عليه أن يقصد إلي عمل صغير. أو مشروع محدود. ويكد في طلبه مهما كان صغيراً. ولو كان عائده قليلاً. لا يؤتي ثماره في الأجل القصير. ويحتاج إلي أجل طويل. وحسب المؤمن أن يسير في هذا الطريق علي هدي الأنبياء والمرسلين. ويروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : "إن أطيب ما أكلتم من كسب أيديكم. وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده" وهو المراد من الإشارة في قوله تعالي : "كلوا من طيبات ما رزقناكم" [البقرة : أية 57]. يقول محمد الشيباني صاحب أبوحنيفة وأقوي ما نعتمده أن الاكساب طريق المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين. فقد كان عيسي عليه السلام يأكل من غزل أمه رضي الله عنها. وقد عمل موسي عليه السلام عند شعيب عليه السلام عشر سنين ليعف نفسه بالزواج وغيرهم من الأنبياء. إن حرص كل فرد علي أن يبدأ بنفسه ولو بعمل صغير هو جزء من عبادة الله. وفيه تكفير لذنوبه. ونفع لمجتمعه. وفريضة دينية. فإن المذهب عند جمهور الفقهاء من أهل السنة والجماعة أن الكسب بقدر ما لابد منه فريضة. وإن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا السعي في طلب المعاش. من أجل ذلك فإن الأصل أن يكتسب المسلم بعمل يده. ويعمل بالحرف أو المهنة الصغيرة. وأن يبدأ بمشروع صغير. فيكون ذلك مصدر رزق له. وصنعة يتقوت منها هو وأهله. وهو المغزي من إشارة القرآن الكريم في قوله تعالي : "وعلمناه صنعة لبوس لكم" [الأنبياء : أية 8] فكان داوود عليه السلام يصنع الدرع ويبيعه للناس. وكان سليمان عليه السلام يصنع المكائل من الخوص فيأكل من ذلك وزكريا عليه السلام كان نجاراً. وكان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم يرعي الغنم. ويروي عنه أنه قال لأصحابه يوما : "كنت راعياً لعقبة بن أبي معيط وما بعث الله تعالي نبياً إلا استرعاه". وأولي بكل مؤمن أن يقتدي بهذا المنهج النبوي. بدلاً من هذا التقاعس والتواكل بلا عمل. ورفض العمل اليدوي الذي صنع الأمم والحضارات. ففي النصوص التي أشرنا إليها حجة علينا جميعاً. فمن الضروري تصحيح هذه الأوضاع عن العمل اليدوي والمشروعات الصغيرة.