ثار خلال الأيام القليلة الماضية جدل كبير حول الدستور المصري الجديد بشكل عام وحول المواد المرتبطة والمحددة للهوية الاقتصادية والمشروعات الخاصة ووضع رجال الأعمال والمستثمرين وإمكانية المصادرة أو التأميم، والتي جاءت في الفصل الثالث تحت عنوان "المقومات الاقتصادية" وذلك بالمواد من 14 حتى 30. وقد فضلنا تأجيل مناقشة وتحليل تلك المواد حتى يتم الانتهاء من الاستفتاء على الدستور كي لا يؤثر ذلك على قرار إخواننا المصريين في قطر والدول الخليجية "والدول التي ينتشر فيها توزيع الجريدة" سلباً أو إيجاباً عند إدلائهم بأصواتهم، مع التأكيد على أن مواد هذا الفصل بكامله أو غيره من الفصول لم تحدد هوية الاقتصاد المصري. وتعد المادة 14 من أهم المواد الاقتصادية بالدستور، ورغم ذلك فقد جاءت مطاطة ومكررة إذ نصت على : "يهدف الاقتصاد الوطني إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق الرفاه، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل والإنتاج والدخل القومي... وتعمل خطة التنمية على إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة على حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل في تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها، ويجب ربط الأجر بالإنتاج، وتقريب الفوارق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحدا أقصى في أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون. ويتضح من صياغة المادة السابقة رقم 14 أن من وضعها وصاغها أشخاص لا يتمتعون بخبرات اقتصادية، وأن المادة تم تجميعها من دساتير وكتب اقتصادية قديمة، ففي جميع دول العالم يطلق على اقتصاد أي دولة بالاقتصاد القومي وليس الاقتصاد الوطني وذلك على غرار الناتج القومي والدخل القومي، كما أنه من المسلم به أن زيادة فرص العمل تعني المساهمة في القضاء على البطالة.... كما ذكرت المادة أنه يجب ربط الأجر بالإنتاج، رغم علم جميع المسؤولين بالدولة بأن العاملين بالحكومة وقطاع الأعمال العام يتمتعون بإنتاجية منخفضة للغاية وأن أكثر من %50 من هذه الشركات تحقق خسائر، كما أنهم يعلمون أن العيب في كثير من الأحيان ليس في العاملين أنفسهم وإنما في عدم إجراء عمليات الإحلال والتجديد للآلات المتهالكة أو لضعف الإدارة أو نقص التدريب أو غير ذلك من العوامل، ومن ثَمَّ فإن تطبيق هذه المقولة وهذا النص كما تم نقلها من كتب الإدارة القديمة سيكون كفيلاً بخفض أجور هؤلاء العاملين محدودي الدخل بنسبة لن تقل عن %70. وقد نصت المادة كذلك على أن إحدى آليات خطة التنمية تتمثل في المشاركة بين رأس المال والعمل في تحمل تكاليف التنمية والاقتسام العادل لعوائدها، إلا أننا حين ندرس لأبنائنا من طلاب السنة الأولى بالجامعات والمعاهد العليا مادة "مبادئ الاقتصاد" نوضح لهم أن الإنتاج يقوم على أربعة عوامل أساسية هي العمل ورأس المال والأرض والإدارة وعوائد هذه العوامل على الترتيب هي الأجر مقابل العمل والفائدة مقابل رأس المال والريع مقابل الأرض بما فوقها من مزروعات وباطنها من خامات ونفط وغاز، وأخيراً الربح مقابل الإدارة، وبالتالي كان على واضعي الدستور وضع جميع عوامل الإنتاج الأربعة والتأكيد على مشاركتهم جميعاً في تحمل تكاليف العملية الإنتاجية وليس تكاليف التنمية، وإن كان من الأفضل عدم وضع مبادئ علم الاقتصاد في متن دستور البلاد. وقد نصت المادة رقم 26 على أن "العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة... وقد أكد الواقع العملي من خلال فرض الضرائب التصاعدية على الأفراد وكذا رفع الضرائب على أكثر من خمسين سلعة دفعة واحدة "تلبية لرغبة صندوق النقد الدولي كي يوافق على إقراض مصر"، ثم إلغاؤها بعد ساعات من صدورها، حتى لا تؤثر سلبياً على التصويت في الاستفتاء على الدستور، إنها لم تكن في صالح الفقراء ومحدودي الدخل بقدر محاباتها للأغنياء، كما أن المادة لم تحدد سبل إنفاق موارد البلاد بما يتوافق مع العدالة الاجتماعية والاحتياجات الاجتماعية للجماهير وفي مقدمتهم الفقراء ومحدودو الدخل. هذا وقد أفادت المادة 29 بأنه لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام، وبقانون، ومقابل تعويض عادل.... وهو نص مفزع وخطير ومرعب للكثير من المستثمرين المحليين والعرب والأجانب في زمن لم تعد فيه لكلمة التأميم أي وجود على الساحتين الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى أن التأميم لاعتبارات الصالح العام هو شيء نسبي ومطاط وغير محدد، فالأزمات الاقتصادية المحلية أو زيادة معدلات البطالة أو صفقات الخصخصة السابقة أو غير ذلك من الأسباب يمكن القول معها إن هناك ضرورة لعملية التأميم وأن ذلك من أجل الصالح العام، وهو أمر كفيل بهروب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية من البلاد، كما أنه غير مشجع على جذب رؤوس أموال أو استثمارات جديدة من الخارج. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية