يدور جدل في الساحة السياسية حول الهوية المصرية بين «المدنية» و«الإسلامية»، خاصة بعد صعود تيار الإسلام السياسي. وزاد هذا الجدل بين الإسلاميين والقوى السياسية والليبرالية بشأن الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى مؤخرا. القوى السياسية تري أن الرئيس يستحوذ بهذا الإعلان على جميع السلطات ليتمكن من السيطرة على مقدرات الدولة وأن تكون طوعا فى يده لتحقيق أغراض الإخوان المسلمين الذين يرغبون فى تحويل الدولة إلى دولة دينية. ما يحدث الآن فى مصر هو صراع لأسلمة الدولة وهيمنة الإخوان على مقاليد الامور . طرحنا العديد من التساؤلات على عدد من القوى السياسية، ومنها: كيف نحافظ على هوية مصر كدولة مدنية ديمقراطية؟ وكيف يحافظ مرسى كرئيس ينتمى الى الإخوان المسلمين على هذه الهوية؟ وما الصعوبات التى تواجهه للحفاظ عليها؟ وهل مصر يمكن أن تكون فى يوم ما دولة دينية؟ وإلى اين سينتهى صراع الهوية بين تيار الإسلام السياسى والقوى الليبرالية والحركات السياسية المصرية ولأى تيار سيكون الانتصار؟ هل مصر الآن مهيأه لدولة دينية وإذا أصبحت دولة دينية هل سيضيف إليها هذا شيئا أم سيفقدها دورها الإقليمى و الدولى؟ يقول الدكتور الشافعى بشير استاذ القانون الدستورى انه لأول مرة تتعرض هوية الدولة المصرية للتهديد، ذلك اننا منذ الحرب العالمية الثانية كان يحكمنا أحزاب مصرية قبل الثورة ولم يكن هناك أى شك فى هوية الدولة المدنية ولم يكن هناك أى بصيص لهوية الدولة ثم جاءت الثورة المصرية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر وكانت مدنية بنسبة 100% ولم يكن هناك شك فى انحيازها دينيا وجاء الرئيس أنور السادات وكان يستخدم بعض الأحاديث الدينية فى خطاباته وظن البعض انه سيتجه نحو الإسلاميين لكنه بمجرد انتهائه من حرب أكتوبر 1973 اعتدل فى توجهاته وظل مدنيا من القمة إلى القاع ومن بعده جاء الرئيس حسنى مبارك ولم تتحول الدولة عن مدنيتها ولكن الآن وبعد ان وصل حزبا الحرية والعدالة الإخوانى والنور السلفى إلى سدة الحكم وحصلا على أغلبية مجلسى الشعب والشورى فإن الدولة تعرضت للاهتزاز الشديد، وظهر ذلك واضحا فى الجمعية التأسيسية للدستور والخلافات المستمرة مع الضغط منهما على تنفيذ ما يريدونه، ولهذ أرى أن هناك تخوفاً من الاتجاه إلى أسلمة الدولة. ويتابع «بشير» قائلا: إن ما أثاره الرئيس محمد مرسى فى الإعلان الدستورى الذى أصدره مؤخرا وانقسام الدولة المصرية بين التوجه الإسلامى وبين جميع فئات الشعب أصبح واضحا ولا أظن أن الغلبة ستكون للتوجه الذي يدعون انهم ينتمون للاسلام كما انه لا يمكن ان تصبح مصر دولة دينية فقد حاولوا فى السابق تحويل مجلس الشعب إلى التيار الدينى عندما قام أحد الأعضاء بالاذان أثناء الجلسة وكذلك التوجه الغريب لتغيير قواعد الاحوال الشخصية فى مصر وما يفعلونه فى الجمعية التأسيسية، وكل هذه المحاولات لن تفلح. ويستطرد «بشير»: باختصار صهوية الدولة المصرية مدنية والشعب المصرى لا يحتاج الى من يقوده الى حب الشريعة الإسلامية والالتزام بها، فهو بطبيعته متدين ولكنه يختلف عن كل الشعوب الإسلامية. ويرى علاء عبدالمنعم النائب السابق أن مصر دولة مدنية شاء من شاء وأبى من أبى وكل المحاولات التى يبذلها التيار المتأسلم لتحويلها الى دولة دينية ستبوء بالفشل. ويضيف: نحن نستدل على ذلك من سوابق التاريخ ففى التاريخ الفاطمى تم احتلال مصر وظلت كما هى ولم تتشيع وكذلك حدث مع الاحتلال الإنجليزى، فكل المحاولات التى تبذل لقلبها إلى دولة دينية ستفشل لأن نسيج الشعب المصرى متدين بطبيعته ولا يعرف المذهبية ولا يوافق علي ان يفرض عليه مذهب من فصيل معين فثقافته تأبى ذلك، وبفرض نظرى، إذا أصبحت مصر دينية، وهذا من المستحيل إن يحدث، سوف تنهار جميع مرافق الدولة وسوف نصبح تجربة مستنسخة من السودان والصومال. ويشير «عبد المنعم» الى ان الرئيس مرسى لا يهمه فى الفترة الحالية الهوية المدنية أو غيرها وإنما كل ما يهمه السيطرة على مقدرات الدولة وان تكون طوعا فى يده لتحقيق أغراض الإخوان المسلمين، والدليل على ذلك اصداره الإعلان الدستورى وتوهمه انه حصن قراراته ضد السلطة القضائية. أما الدكتور اسامة الغزالى حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطى فيري أن الحفاظ على هوية مصر كدولة مدنية يأتى من الحفاظ على مبادئ الحرية والديمقراطية وأن الدين لله والوطن للجميع ولكن المشكلة الآن أن الرئيس مرسى بحكم انتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين يصعب عليه المحافظة على هوية الدولة المدنية وهذا أحد اسباب المشكلة الحقيقية التى تعانى منها مصر لأن الحزب الذى تولى الحكم عاجز عن الحفاظ على هذه الهوية. ويتابع «حرب».. ان مصر لم ولن تكون دولة دينية حتى الإخوان انفسهم يقرون بذلك، رغم انهم يسعون الى تحويلها لهذا ولكن لا الشعب ولا ثقافته ستسمح لهم بذلك كما أن الصراع الآن يصعب تصور نهايته على النحو القريب والصراع السياسى ليس عيبا فى ذاته ولكن المهم ان يكون صراعا سياسيا ومن خلال قواعد ديمقراطية ومن خلال الوسائل السلمية المعتادة وبالمفاهيم الديمقراطية الحقيقية. واعتبر الدكتور محمد الجوادى المؤرخ السياسى سؤالنا عن المحافظة على هوية مصر كدولة مدنية ديمقراطية سؤالا سطحيا وأن الصراع الدائر الآن هو صراع مصالح فقط مؤكدا أنه لا مانع من أن تصبح مصر دولة دينية ديمقراطية.