مع ظهور أول حالات إصابة بفيروس كورونا والتي كانت على متن المركب الموبوءة بنيل لأقصر في الأسبوع الأول من مارس الماضي، تم إبلاغ أحمد عبد الفتاح أحد طاقم التمريض التابع لمستشفى الأقصر الدولي، ليكون ضمن الطاقم الطبي على متن المركب لفحص النزلاء والعاملين؛ لم يمنعه حينها سوى أنه كان في رحلة علاج بالقاهرة مع نجلة شقيقته، لكن بعد عودته طلب الانضمام للطاقم الطبي على الباخرة، إلا أن الفريق الطبي الذي قام بالمهمة تم عزله 14 يومًا على متن المركب ولم يتسنى لأحمد المشاركة. الحظ حالف أحمد في جولة أخرى، حين تم تخصيص مستشفى إسنا للحجر الصحي لمصابي فيروس كورونا، ليلحق أحمد بالفريق الطبي الأول المسؤول عن العزل بإسنا ويبدأ تجربته بالعزل من أول فريق ويواصل عمله بالرعاية المركزة لمصابي الفيروس حتى الفريق الثالث الذي تسلم مهمة العزل. يحرص عبد الفتاح على اتباع إجراءات مكافحة العدوى بدقة شديدة؛ ونظرًا لشغله دور الإشراف على عناية العزل الصحي لمرضى الأمراض المعدية لمايقرب من سبع سنوات بمستشفى الأقصر الدولي، فهذا جعله شديد الحرص على تطبيق أساليب الوقاية يقول أحمد:" نتعامل مع مرضى حاملين للفيروس ونتائجهم إيجابية، بينما يوجد مرضى آخرون تحولت نتائج تحاليلهم إلى سلبي، لذا نكون دقيقين جدًا حتى لا ننقل العدوى من مريض إيجابي لآخر سلبي ونهدر كل الجهود التي بذلناها كفريق طبي". قفازًا ونظارة واقية وبدلة عازلة وكمامة يرتديها أحمد عبد الفتاح عند دخوله غرفة الرعاية المركزة متحصنًا ضد انتقال العدوى لكونه يتعامل مع المريض عن قرب إن كان سيقوم بتركيب أنبوب التنفس له، أو يسحب عينة أو لإعطائه العلاج. مؤازرة المريض والدفع بروح الأمل والتفاؤل من أهم المراحل التي تساعد في علاج مصابي فيروس كورونا والتي يراها أحمد عبد الفتاح أنها في غاية الأهمية لتحسين الحالة النفسية للمريض حتى يتعافى من الفيروس. يبرهن على قوله بموقفًا شاهده لإحدى السيدات داخل غرفة العناية عندما شاهدها تبكي، فتحدث إليها عن سبب بكائها؛ يقول: سألتها من خارج الغرفة عندما رأيتها لكن لعدم ارتدائي للملابس الواقية حينها ظللت واقفًا عند باب الغرفة تجنبًا لانتقال العدوى، لكنها لم تجبني، فخرجت وارتديت البدلة الواقية ودخلت الغرفة وسألتها عن قرب لأعرف ماذا يحزنها، فأجابتني: هاتفي فصل شحن". يتابع: جلبت شاحني الخاص وقمت بشحن هاتفها فتحدثت إلى أهلها لكنها لم تكف عن البكاء، لم يكن أمامي سوى أن تواصلت مع شقيقها الذي كانت تحتفظ برقمه على هاتفها، وطمأنته عن حالتها ثم طلبت منه أن يرسل لي طلب صداقة على حسابي على الفسيبوك، وبالفعل حدث، على الفور أجريت مكالمة بالفيديو عبر الفيسبوك من هاتفي وطلبت من المريضة أن تتمالك وتبدي أنها في حالة جيدة، وبالفعل تحسنت حالتها النفسية عقب رؤية أهلها وأبنائها عبر الفيديو حتى تعافت وتحولت نتيجة التحاليل خاصتها إلى سلبية وغادرت المستشفى. التضحيات التي يقدما ملائكة الرحمة في مقابل رعاية المرضى ليست سهلة، فأحيانًا تكون مسؤلية الممرض تجاه مريضه أكبر من مسؤليته تجاه عائلته، هذا ما أجبرت الظروف عليه أحمد عبد الفتاح، فعقب انتهاء فترة العزل الأولى التي بلغت ال14 يومًا، تطوع أيضا ليواصل العمل مع الفريق الثاني عندما أحس بحاجة المستشفى له، وبعد مضي أربعة أيام من عمله بالفترة الثانية بالعزل، فارقت نجلة شقيقته الحياة دون أن يودعها خالها الذي كان رفيقها الأول طوال عمرها. يقول أحمد إن نجلة شقيقته ولدت على يديه وكانت مثل ابنته طوال ال13 عامًا التي هي عمر أميرة؛ "طوال حياتها كنت رفيقًا لها في رحلة علاجها، إلا أن الرحلة الأخيرة عندما توجهت للقاهرة للفحص الطبي والمتابعة، كنت أنا داخل مستشفى إسنا، حتى وفاتها".ويتابع؛ حاولت أن أخرج لكن لم يتسنى الأمر خاصة وأننا في حالة حرب، كما أنني لم يجر لي سحب مسحة للتأكد من عدم إصابتي بالفيروس، نتيجة لعدم إكمال ال14 يوم بعد.