ما دمنا نعاني من نقص السولار والغاز لتشغيل محطات توليد الكهرباء سواء الآن، أو المستقبل القريب لماذا لا نعود لدراسة العديد من الأفكار والمشروعات التي يمكن أن تكون بديلاً مثل الكهرباء المائية أو مناجم الفحم، إن وجدت تماماً كما يفعل التاجر الشاطر الذي يبحث في دفاتره القديمة.. أو علي الأقل البحث عن بدائل تقلل من الاعتماد علي الكهرباء التقليدية، أي التي تستخدم الفحم أو المساقط المائية.. وفي مصر بعض هذه وتلك.. مثلاً فكرت مصر بمجرد انتهائها من تعلية خزان أسوان للمرة الثانية عام 1933 في توليد الكهرباء من هذا الخزان، وظل هذا المشروع حلماً يراود كل المصريين عشرات من السنين، حتي نجحت مصر في تنفيذ هذا الحلم ونجحت عملية توليد الكهرباء من خزان أسوان في اوائل الستينيات، في نفس الفترة تقريباً التي بدأنا فيها توليد الكهرباء من مشروع السد العالي وأقمنا مشروعاً عملاقاً لنقل الكهرباء المائية - من خزان أسوان ومن السد العالي - إلي باقي أنحاء مصر.. وفي نفس الوقت بدأنا عدة مشروعات لتوليد الكهرباء من القناطر الموجودة علي طول مجري النيل من شمال اسوان وإلي القناطر الخيرية، سواء تم ذلك من قناطر قديمة أو في استغلال مشروعات انشاء قناطر جديدة، وياليتنا توسعنا في استغلال كل الفروق في الارتفاعات بين ارتفاع منسوب مياه النيل أمام هذه القناطر أو خلفها.. وكذلك علي كل الرياحات الكبري.. ومن المؤكد أن انتاج الكهرباء من هذه المساقط المائية لا يمكن الاستهانة به، إذا عرفنا أن اوروبا كلها عرفت توليد الكهرباء من خلال طواحين الهواء، حتي ان علماء الحملة الفرنسية بقيادة بونابرت كانوا يفاضلون بين انتاج الكهرباء من هذه الطواحين وغيرها عندما كانت في مصر من عام 1798 إلي 1801.. وفي أواخر فترة الخمسينيات وأوائل الستينيات - وهي فترة البحث عن طاقة كهربية رخيصة وكبيرة - فكرت مصر في تنفيذ مشروع لتوليد الكهرباء من منخفض القطارة، بالتعاون مع حكومة ألمانياالغربية أيامها وبمنحة مالية منها أيام السمن والعسل مع المانيا.. وكنت في هذه الفترة صحفياً مسئولاً عن تغطية أخبار قطاع الكهرباء والصناعة لصحف أخبار اليوم.. وكان ذلك أيام تولي الدكتور عزت سلامة وزارة الكهرباء التي تولي إنشاءها وكان مسئولاً عن هذا المشروع من الجانب المصري المهندس صلاح الشاذلي وكيل الوزارة أيامها.. وكان مسئولاً عن الجانب الالماني الغربي البروفيسور باسلر، الذي كان أحد ضباط جيش روميل خلال الحرب العالمية الثانية.. وكان المشروع يقوم علي أساس حفر قناة من غرب مدينة العلمين بقليل لتصب مياه البحر المتوسط في منخفض القطارة، ونستغل فرق هذا الارتفاع في توليد الكهرباء.. ومعروف علمياً أن انتاج الكهرباء هنا يكون من ناتج هذا الارتفاع مع كمية المياه الساقطة فوق التوربينات. وثبت علمياً أن المشروع سوف يستمر في إنتاج الكهرباء إلي الأبد.. لأنه حتي ولو تم تعبئة كل مساحة هذا المنخفض بمياه البحر.. لأن معدل التبخر من هذه المساحة المائية سيعادل تقريباً كمية المياه الساقطة من أعلي المنخفض.. وكنا بذلك سوف نكسب بجانب الكهرباء الدائمة الرخيصة انشاء مسطح مائي كبير لا يقل عن مساحة الدلتا.. وكان وجود هذا المسطح المائي سوف يغير من الطبيعة المناخية للمنطقة كلها.. حيث سيتم تكوين سحب كثيفة محملة ببخار الماء وبطريقة اسقاط المطر صناعياً كنا سوف نتمكن من زراعة مساحات كبيرة ليس فقط حول منطقة المنخفض بل أيضاً علي طول الساحل الشمالي الغربي الذي يمكن اعادته إلي أصله كمنطقة لزراعة القمح وغيرها.. فضلاً عن استغلال هذا المنخفض في انتاج ثروة سمكية هائلة مع صناعات سمكية من إلي تعبئة إلي تصدير. ولكن اختلف علماء مصر مع علماء ألمانيا حول: هل نحفر هذه القناة وطولها حوالي 90 كيلو متراً بالطرق التقليدية أو باستخدام الطاقة النووية النظيفة تقليلاً للوقت وللنفقات، ولكن للاسف تطورت الظروف السياسية اذ مع تزايد التقارب الالماني مع اسرائيل والتشدد المصري ضد هذا التقارب تعثر المشروع تماماً الذي كتبت عنه كثيراً وذهبت إلي هناك عدة مرات وكان معي في احداها ممثلاً لصحيفة الاهرام الاستاذ مكرم محمد أحمد وأجرينا حوارات مع البروفيسور باسلر ومع رجاله.. ومع علماء مصر. وتوقف المشروع تماماً بسبب قطع مصر علاقتها بألمانياالغربية.. وبسبب علمي آخر - غير طريقة حفر القناة - هو تخوف علماء الري والمياه الجوفية المصريين من آثار إنشاء خزان مائي ملحي كبير في هذا المنخفض، وأثر ذلك علي الخزان الجوفي من المياه الحلوة تحت هذه الصحراء الغربية المصرية وتسرب مياه البحر «جوفياً» إلي الخزان الحلو في هذا الخزان من الحجر النوبي المصري.. وبسبب هذه التخوفات - وغيرها - تعثر مشروع منخفض القطارة الذي كان سيغني عن انشاء عدة محطات توليد الكهرباء البخارية.. وغداً نواصل الحوار حول هذا المشروع الكبير..