قبل أكثر من ثلاثة أشهر كانت هناك دعوة من جانبنا ومن آخرين للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بضرورة الاهتمام باقامة مدن مليونية في سيناء خاصة علي المحورين الأوسط والشمالي باعتبار أن ذلك ضرورة وأمن قومي.. وكان هناك تجاوب مسئول وايجابي من قبل حكومة الدكتور عصام شرف مع تلك الدعوة.. واليوم نتكلم أيضا عن مشروع وطني آخر يدخل في صميم الأمن القومي المصري وهو مشروع منخفض القطارة حيث يعد المنخفض الذي يقع في الصحراء الغربيةجنوب الساحل الشمالي ثالث أكبر منخفض في العالم فهو ينخفض عن سطح البحر في أعمق نقطة فيه نحو 134 مترا.. ويمتد المنخفض من الشرق إلي الغرب لنحو 298 كم ويبلغ عرضه 80كم عند أوسع منطقة فيه وهو ما يعني أن مساحته نحو 240 ألف كيلو متر مربع تقريبا.. ويقترب طرفه الشرقي من البحر الأبيض المتوسط عند منطقة العلمين بمسافة 31 كيلو مترًا بينما يبعد طرفه الغربي عن البحر مسافة 55 كيلو مترًا غرب مرسي مطروح. ويرجع التفكير في مشرع منخفض القطارة إلي نحو قرن من الزمان عندما فكر «البروفيسور هانز بنك» استاذ الجغرافيا في جامعة برلين في عام 1916 في مشروع شق قناة من البحر إلي حافة المنخفض عند العلمين لملء المنخفض بمياه البحر وتكوين بحيرة صناعية وخلق أنشطة انتاجية وسياحية ومجتمعات عمرانية جديدة حول ضفاف البحيرة.. وبعد ثورة يوليو 1952 اهتم جمال عبدالناصر بفكرة المشروع فاستدعي خبراء من شركة «سيمنس» الألمانية لعمل الدراسة الميدانية الأولية في عام 1959. وفي العام التالي اتفقت مصر وألمانياالغربية علي أن يقوم «البروفيسور فريدريك بازلر» وفريق من جامعة «دير مشتاد» بالدراسات النهائية خلال خمس سنوات.. ولكن الولاياتالمتحدة التي كانت تسعي لحصار الثورة المصرية وترفض أن يحقق عبدالناصر انجازات تنموية لبلاده من خلال مشاريع ضخمة مثل مشروع السد العالي ومشروع منخفض القطارة مارست ضغوطا علي حكومة ألمانياالغربية لمنع تنفيذ هذا المشروع كما أخفت الولاياتالمتحدة عن مصر نتائج أبحاث جيولوجية وعمليات مسح سيزمية قامت بها شركات بترول أمريكية وبريطانية كانت تؤكد جميعها وجود ثروات بترولية هائلة في صحراء مصر الغربية اضافة إلي نهر جوفي أسفل الصحراء الغربية يحوي مخزونًا هائلاً من أنقي المياه الجوفية وهو ما يكفل حال استخدام تلك الثروات تحقيق طفرة تنموية هائلة في مصر.. ونتيجة للضغوط الأمريكية أخذ الجانب الألماني يماطل في انهاء دراسات مشروع منخفض القطارة ثم طرح ارقاما مبالغًا فيها كثيرا لتكاليف تنفيذ المشروع بهدف إحباط الجانب المصري عن المضي فيه.. ورغم مرور سنوات وعقود علي المشروع هو حبيس الملفات والادراج داخل أجهزة التخطيط القومي إلا أن المؤكد أن تنفيذ هذا المشروع سوف يكون انجازا تنمويا كبيرا لمصر من حيث إنه سوف يؤدي إلي تغييرات في جغرافيا منطقة الصحراء الغربية بتشكيل وتكوين بحيرة منخفض القطارة بتلك المساحة الهائلة وسوف يكون لذلك انعكاساته علي مناخ الصحراء من خلال عمليات البخر من هذا المسطح المائي الجديد وبالتالي سقوط الأمطار التي يمكن استخدامها في زراعة ملايين الأفدنة حول ضفاف تلك البحيرة وعلي جانبي طريق وادي النطرون العلمين الممتد مسافة 135 كيلو مترًا والتي تقدر وحدها بنحو 3 ملايين فدان تصلح لزراعات أشجار الزيتون والنخيل والتين التي تناسب أجواء تلك المنطقة ولهذا يعد هذا المشروع من أعظم المشروعات التي يمكن أن تغير وجه الحياة في الصحراء الغربية وتعيد توزيع السكان في مصر المتكدسين داخل وادي النيل ودلتاه.. وهناك تصور لسرعة تنفيذ المشروع وتحقيق الطفرة التنموية باقامة مزارع لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لخدمة الحياة في المجتمعات التي ستنشأ هناك والتي ستؤدي إلي إعادة توزيع السكان خاصة إذا ما تم الربط بين مشروع القطارة ومشروع ممر التنمية الذي اقترحه الدكتور فاروق الباز.. ولأن تنفيذ هذا المشروع وعلي هذا النحو يدخل في صميم الأمن القومي لمصر فإن تنفيذه يحتاج إلي تبني المجلس الأعلي للقوات المسلحة له وتنفيذه من خلال جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لقواتنا المسلحة.