أعود إلي الأستاذ الدكتور خالد عودة وأطلسه الرائع المعنون »مخاطر التغيرات المناخية علي السواحل المصرية«، وألخص تلخيصا شديدا ما كتبه عن منخفض القطارة ومشروعه. تكون المنخفض بفعل عوامل التعرية التي سادت شمال الصحراء الغربية منذ انحسار البحر عنه. وهو منخفض علي شكل مثلث بيضاوي طوله نحو 003كم من واحة مغرة جنوب العلمين حتي سيوة غربا. ويبلغ أقصي عرض له نحو 731كم. وتبلغ المساحة الصافية للمنخفض الرئيسي نحو 61591كم مربعا. ملحق بالمنخفض الرئيسي عدة منخفضات فرعية يسهل توصيلها بالمنخفض الرئيسي لترتفع مساحة المنخفض الاجمالية إلي 12 ألف كم مربع. هذه المساحة التي تعادل مساحة دولة مثل الكويت ظلت معطلة غير مستغلة علي مدي التاريخ وحتي اليوم. تساعد طوبوغرافيا المنخفض علي تحويله إلي بحيرة هائلة لم يشهد لها الإنسان مثيلا في العالم. وفي حالة وجود هذه البحيرة ستعمل علي زيادة حصة الامطار علي شمال الصحراء الغربية مما ينعش الزراعة هناك. يعد منخفض القطارة أكبر منخفض أرضي تحت منسوب سطح البحر في العالم. يتجه العالم حاليا إلي استغلال مثل هذه المنخفضات في توليد الكهرباء مثل البحر الميت في الأردن وبحيرة طبريا المحتلة في سوريا وطرفان الصينية. إذن فوائد المنخفض واضحة جلية، فلماذا لم ننفذ مشروعه حتي الآن؟ يستعرض الأستاذ الدكتور خالد عودة العقبات ثم يفندها واحدة واحدة كما يلي باختصار شديد: 1- انتشار الألغام والقنابل والقذائف المخلفة عن الحرب العالمية الثانية في منطقة الساحل الشمالي والتي يقدر عددها بنحو 7.61 مليون. 2- وجود دراسة قامت بها وزارة الري في عهد الرئيس جمال عبدالناصر انتهت إلي ان ملء المنخفض بمياه البحر سيؤدي إلي كارثة في المياه الجوفية التي ستزداد ملوحتها، والخوف من تسرب المياه المالحة إلي وسط الدلتا. 3- صعوبة شق القناة الموصلة بين البحر والمنخفض والاختلاف علي وسيلة حفرها بين تقليدية وذرية محدودة. 4- التخوف من حدوث نشاط زلزالي بالمنخفض بعد امتلائه بالماء بسبب وجود شقوق في أرضية المنخفض. 5- رأي وزير الكهرباء الحالي الدكتور حسن يونس بعدم الجدوي الاقتصادية لتوليد الكهرباء من المنخفض. يفند الدكتور خالد عودة هذه العقبات كما يلي: - كل هذه العقبات إما ثانوية أو غير صحيحة ما عدا وجود الألغام فهو العقبة الحقيقية. - يبعد المنخفض عن وادي النيل نحو 003 كيلو متر، بينما يبعد البحر نفسه عن الدلتا بين 01 و03 كيلو مترا فقط، ومع ذلك لم تتسرب ملوحة البحر للدلتا. كما ان الأراضي الزراعية علي الساحل الشمالي أقرب للبحر من المنخفض. فضلا عن وجود مرتفعات وهضاب عالية تفصل المنخفض عن غرب وادي النيل والدلتا والساحل. ومن ثم فغير صحيح تأثر الأراضي الزراعية بمياه المنخفض. - عقبة شق القناة مبالغ فيها لسهولة تكسير الصخور الجيرية باستخدام المتفجرات التقليدية. فإذا كان الفراعنة استخرجوا الصخور من جبل المقطم وبنوا الأهرامات، وحفروا الصخور من البر الغربي وبنوا مقابرهم ومعابدهم في الأقصر وأبي سنبل فكيف يعجز المصريون المعاصرون عن حفر قناة في الصخور ذاتها؟ هذا ولا يجب استخدام الذرة في حفر القناة لانتشار الغبار الذري لسنين طويلة. - ملء المنخفض بالماء سوف يسهل عمليات استكشاف البترول في باطنه لأنها ستعتمد في هذه الحالة علي الطرق البحرية في الكشف وهي أسهل بكثير من عمليات الكشف البري نظرا لطبيعة أرضية المنخفض الخطرة. - غير صحيح ان ملء المنخفض بالمياه سيتسبب في حدوث زلازل. لأن منخفض القطارة بصفة خاصة بعيد كل البعد عن الأحزمة الزلزالية، والصخور تحته ثابتة جيولوجيا منذ ملايين السنين. كما أن المنخفض تكون بأكمله من نشاط الرياح منذ انحسرت عنه المياه من نحو 61 مليون سنة. وليست هناك شروخ تحت المنخفض إطلاقا. وضغط المياه المالحة علي أرضية المنخفض ليس جديدا لأن المنخفض كان ممتلئا بالفعل بالمياه من قبل أن تنحسر عنه تدريجيا عبر ملايين السنين. وامتلاء المنخفض بالمياه لن يحدث دفعة واحدة، بل سيستغرق ما لا يقل عن 06 عاما. - أما عن الجدوي الاقتصادية للمشروع فلا يجب النظر إليها من زاوية توليد الكهرباء فقط. لان تكاليف المشروع لا تتناسب بالطبع مع كمية الكهرباء المولدة منه. ولكن التعامل مع الجدوي الاقتصادية من منظور قومي بعيد المدي متعدد الفوائد يجعل من هذا المشروع ضرورة واجبة. - يكفي سبب واحد للجدوي الاقتصادية وهو إنقاذ شمال الدلتا من الغرق. فتصريف المياه الناتجة من ارتفاع منسوب سطح البحر المتوسط الحتمي سيخفف من ضغطها علي سواحل الدلتا. وغرق الدلتا يعني خسائر يمكن تقديرها بمئات المليارات من الجنيهات. فضلا عن نقل السكان من مواطنهم الاصلية وتوفير فرص عمل جديدة لهم.. إلخ. تلافي كل هذه الخسائر يجعل للمشروع أكبر جدوي اقتصادية في العالم. علما بأن ساحل الدلتا من أضعف السواحل وأكثرها انخفاضا واكتظاظا بالسكان وأوفرها زراعة ليس في حوض البحر المتوسط فقط بل في العالم كله. في الوقت الذي تقدر فيه كمية المياه الزائدة في البحر المتوسط خلال القرن الواحد والعشرين بنحو 5.2 تريليون متر مكعب!! يستطيع منخفض القطارة استيعاب نصفها. وفي الجدوي الاقتصادية ايضا انه يمكن توليد الكهرباء من المنخفض من بدء تساقط شلالات المياه فيه. وفي غضون عام ونصف العام من بدء ضخ المياه بمعدل لا يقل عن 09 مليون متر مكعب يوميا سوف تتكون بحيرة داخل المنخفض تزيد مساحتها بأكبر من ثلاثة أضعاف مساحة كل البحيرات الشمالية للدلتا. أي يمكن استغلال المنخفض في إنتاج الاسماك بما يفوق ما تنتجه البحيرات الحالية. وفي غضون 52 عاما من بدء ضخ المياه يمكن استغلال شواطيء المنخفض في النشاط السياحي. وبانتهاء امتلاء المنخفض بالمياه سوف تتعادل كمية الفاقد من المياه مع كمية المياه الواردة له. إذن منخفض القطارة سيوفر مئات المليارات من الجنيهات المتوقع خسارتها حال زيادة منسوب سطح البحر. علاوة علي ما يثمره من مئات المليارات الأخري من النشاط السياحي والصيد وإنتاج الكهرباء بما يقل عن 0042 ميجاوات/ساعة. وقد حسب الاستاذ الدكتور خالد عودة مصروفات وايرادات المشروع فوصل إلي ان إجمالي مصروفاته كلها بما فيها ازالة الالغام والحفر..إلخ حوالي 55 مليار جنيه مصري. بينما وصل حساب ايراداته المباشرة بأكثر من تريليون جنيه مصري!! هذا غير موضوع إنقاذ الدلتا!! عرضت هنا معلومات ورؤية وأفكار وتقديرات أحد أهم علماء مصر المتخصصين في مشروع منخفض القطارة. وكلها مهمة في موضوع قومي شديد الأهمية. لذا يجب أن تقرر الدولة فورا بحث ومناقشة ما توصل إليه الدكتور خالد عودة، فإذا كان محقا علينا البدء حالا في خطوات التنفيذ. فمثل هذه المشروعات لا تتحمل أسلوبنا المعهود.