كان أول من هنأ المصريين بعد تنحي مبارك.. هو أية الله العظمي في ايران. ليبارك للإخوان نجاح ثورتهم.. وليطلب منهم حكم مصر الذي كان ثمرة اشتهوها كثيراً.. واستنكرنا جميعا ذلك التصريح.. فقد كان امر استيلاء الاخوان علي السلطة في مصر أقرب إلي الخيال.. ولكن تتابع الاحداث اثبت أن اية الله العظمي في ايران كان يري أبعد مما نراه جميعا!! والجيش الذي هادن الاخوان بل وغازلهم في امور واحداث كثيرة.. كان يظن انه يملك كل خيوط اللعبة.. ويسيطر عليها.. حتي بعد انتخاب مرسي كرئيس للجمهورية واصدر الاعلان الدستوري المكمل ليضمن له وجوداً سياسياً في مواجهة الرئيس.. وليضع لنفسه صلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس، ولكن كل ذلك اطاح به مرسي في انقلاب ناعم علي العسكر.. ليتصدر وحده المشهد السياسي في مصر.. ويضع في يده كل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية.. واكتفي قادة المجلس العسكري بالنياشين والخروج الآمن.. تاركين مصر كلها في قبضة الاخوان.. الذين رعاهم وتحالف معهم في كثير من المواقف.. فكان ان تغدوا به قبل ان يتعشي بهم.. ولنكتشف ان بعض جنرالات المجلس العسكري كانوا نموراً من ورق! وهو ما استدعي للذاكرة ما فعله السادات مع مراكز القوي.. بعد ان استهانوا به وجعلوه رئيساً بلا صلاحية وظنوا انه من الضعف بحيث لا يقوي علي مواجهتهم فكان ان اطاح بهم جميعا وارسلهم إلي السجون! ويري البعض فيما فعله مرسي هو تحقيق لآخر اهداف الثورة وهو مدنية الدولة وعودة الجيش إلي ثكناته وان كان البعض الاخر يري ان مرسي قد تجاوز صلاحياته بخروجه علي الاعلان الدستوري المكمل ومنح نفسه صلاحيات غير دستورية.. وان ما فعله من تجاوز للدستور ووقوفه في خانة من يشرع ومن ينفذ يوشك ان يحوله إلي ديكتاتور جديد له كل الصلاحيات دون رقيب! لقد وعد الرئيس المنتخب بإصلاحات اقتصادية وسياسية خلال فترة المائة يوم الاولي.. ولكن ما تحقق علي ارض الواقع قليل جداً.. ابرزه الاطاحة بالعسكر.. وهو ما لم يعد به ولم يكن احد يتخيله! وإذا كان ما حدث قد يكون مبرراً في ظل الشرعية الثورية التي تسقط القوانين والدساتير.. فإنني اعتقد ان الشرعية الثورية قد انتهت بانتخاب الرئيس وليس عليها أن تستمر للأبد! ولا شك أن الرئيس لم يكن وحده في المواجهة مع العسكر.. بل كان يدعمه الاخوان الذين رتبوا وخططوا لتلك اللحظة الفاصلة.. فبدأوا بالهجوم علي جريدة الدستور لاخراسها وهي المعارض الاكبر لهم.. واتبعوا ذلك بغلق قناة الفراعين حتي لا يبرز صوت معارض ضدهم.. وقبلها كانت حركة تغيير رؤساء التحرير ومجالس ادارة الصحف القومية ليضع الاخوان رجالهم والمؤيدين لهم علي رأس تلك الجرائد.. حتي اذا ما كانت اللحظة المرتقبة.. لم تكن هناك اصوات معارضة الا القليل، ثم كان حادث رفح الذي بدا وكأنه يد القدر قد رتبته في توقيت مذهل ليتم الاطاحة ببعض القيادات في الجيش والمخابرات ونزع اظافر المجلس العسكري بعدها ليصبح الطريق مهيئاً للانقلاب الناعم الذي قاده مرسي للاطاحة بالمشير طنطاوي والفريق عنان.. ثم تكريمهما بمنحهما الاوسمة وتعيينهما كمستشارين للرئيس!. وهكذا لم يكن هناك مجال للصدفة في التخطيط الذي جري باحكام.. ليستولي الاخوان علي كل مقاليد السلطة في مصر.. واذا كان هناك ثمة انباء عن ان مجلس الشعب المنحل لن يعود.. وانه ستجري انتخابات برلمانية قادمة.. فليس من شك ان الاخوان سيكتسحون الانتخابات القادمة في ظل دعم رسمي لا شك فيه وستدخل مصر عصر اخونة كل مؤسساتها.. ولن تنجو مؤسسة واحدة من ذلك مهما تفاءل البعض.. ليحقق الاخوان هدفاً طال اشتياقهم له.. وهم لن يضيعوا الفرصة بأي حال من الاحوال! وما دام السيد الرئيس وبعده مجلس الشعب قد جاءا بانتخابات حرة.. حتي وان شابها بعض المخالفات.. فمن الواجب احترام ذلك - ولكن هذا لا يعني تجاهل قوي سياسية وشعبية لم تنتخب الاخوان ولا السيد الرئيس وهي تقترب من النصف.. فمصر ليست ملكاً لفصيل واحد.. ولا حزب واحد.. والامل الوحيد الباقي لانقاذ مدنية الدولة والحفاظ علي حقوق مواطنيها حتي وان اختلفوا مع الاخوان.. اقول ان الامل الوحيد هو في الدستور القادم الذي يجب أن يفطن واضعوه انه دستور يمثل كل المصريين.. وعلي السيد الرئيس ان يعي انه رئيس لكل المصريين.. وان يتحرر من انتمائه للاخوان.. فهذا واجب وطني ستحاسبه عليه الاجيال القادمة.. فإذا كان بعض رجال المجلس العسكري قد حصلوا علي الخروج الامن الذي طالما حلموا به.. فمن حقنا نحن ايضا كمصريين.. ان نحصل علي خروج آمن لهذا الوطن! بقلم: مجدي صابر