كانت ثورة 1919ميلاداً حقيقياً لمصر بإبداعها وفنها ولعبت شخصية الزعيم سعد زغلول دوراً مهماً ومؤثراً في رسم كثير من ملامح الشخص الملهم في تاريخ مصر، لذا فقد حضرت الفكرة بعمق في الأدب المصري الحديث. وكما يقولون فإن الأدب والفن هما مرآة الشعوب ومؤرخ التغيرات الاجتماعية الأكثر صدقاً وعمقاً، لذا فإننا عندما نتتبع إشارات الأدب لثورة 1919 وتاريخ الوفد نتعرف على المكانة العظيمة التي شغلها سعد زغلول في الذاكرة المصرية. إن توفيق الحكيم مثلاً يقدم لنا رواية رائعة عن ثورة 1919 هى «عودة الروح» يتحدث فيها عن الزعيم الذى يحتاجه المصريون لينفضوا عن كواهلهم عبء الصبر الطويل على ما لا يرضونه من مظالم. ويقول بطل الرواية عن سعد زغلول: إنه ليس زعيماً تقليدياً يمكن توقعه وانتظاره ولكنه دفقة من الإلهام والعطاء المباغت. وهو أيضا الرمز المنتظر لتحقيق أحلام الحرية والحياة. أما يحيى حقى فيرصد مقدمات ثورة 1919 فى أكثر من رواية وقصة ربما أبرزها قصة «ذكريات دكان». وفى سيرته الذاتية لا يخفى «حقى» ولعه بالحب الوطنى وبمصطفى كامل ومع ذلك فهو يرى أن ثورة 1919 العظيمة ما كان لها أن تقوم دون قائد وزعيم حقيقى مثل سعد زغلول. ويحظى سعد زغلول باهتمام رهيب فى أدب نجيب محفوظ فهو المثال الأقرب للزعيم الكامل. إن سعد زغلول مقدس فى روايات نجيب محفوظ، عاش بعد موته بينما كثيرون ماتوا وهم أحياء. وهاهو نجيب محفوظ يدافع عن سعد فى رواية «أمام العرش» عندما يسأل عن اسباب عدم التحاقه بالحزب الوطنى فى زمن مصطفى كامل وعمله بالوزارة فى ظل الاحتلال فيقول: «إن الحزب الوطنى كان يدعو إلى مبادئ خيالية مثل «لا مفاوضة إلا بعد الجلاء» مما يعنى بقاء الاحتلال إلى الأبد، ومقاطعة وظائف الدولة العامة مما يعنى هيمنة الانجليز عليها». ثم يقول «ولقد قبلت الحياة الرسمية لأمارس من خلالها ما أستطيع من مقاومة ومن خدمات للوطن». ويحضر سعد زغلول بقوة فى باقى روايات محفوظ، ففى الثلاثية نجده الزعيم المحبوب الذى يحبه الجميع ويسيرون وراءه. وعلى لسان «فهمى» فى «بين القصرين» فإن ما قام به سعد زغلول قبل ثورة 1919 عمل مجيد لا يوجد من ينهض به مثله بعد نفى محمد فريد». وفى نفس الرواية يأتى النص الكامل لتوكيل سعد وزميليه للحديث باسم مصر. ثم نجد فهمى ابن السيد أحمد عبدالجواد شغوفاً بكل ما يقوله سعد حتى أنه يملى على شقيقه الأصغر كمال خطبة سعد باشا فى جمعية الاقتصاد والتشريع ومنها «أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر من نفسها دون أن تطلبها الأمة المصرية أو تقبلها، لذا فهى حماية باطلة لا وجود لها قانونا». وتتابع أحداث الثورة فى بين القصرين وينضم اليها «فهمى» وتتكرر الإضرابات وتتعدد المظاهرات ويسقط الشهدا وتسارع إنجلترا إلى الإفراج عن سعد فيقول فهمى «لو لم يسلم الإنجليز بمطالبنا لما أفرجوا عن سعد. سيذهب إلى أوروبا ويعود بالاستقلال». وعندما يتحدث «فهمى» مع والدته «أمينة» فتقول له «اين الرسول عليه الصلاة والسلام؟ كان الله يعينه بالملائكة على الكفار، فيرد «فهمى» قائلاً «سيعمل سعد زغلول ما كانت الملائكة تعمله». وفى «قصر الشوق» يظهر كمال عبدالجواد كمحب عظيم لسعد زغلول ويرد على لسانه «أنه ليس فى مصر من يتكلم باسمها إلا سعد، وأن التفاف الأمة حوله جدير فى النهاية بأن يبلغ بها ما ترجوه من آمال». وفى «حكايات حارتنا» ينقل الراوى عن الطفل الى ابيه ما يردده الناس عن اسم سعد الذى كان منقوشاً على البيض بعد خروجه من الدجاج. وفى «أمام العرش» يلتقى سعد زغلول بجمال عبدالناصر فيقول سعد له: لقد حاولت أن تمحو اسمى كما محوت اسم مصر! أما إحسان عبدالقدوس فتظهر صفة الوطنية المتعقلة لصيقة بسعد زغلول فى كثير من رواياته. فمثلا فى رواية «فى بيتنا رجل» يقول زاهر افندى: زمان كان فى قائد. كان فى سعد باشا زغلول. دلوقتى مين يفاوض الانجليز ويحقق الاستقلال! وفى مسرحية «الدراجة الحمراء» يعتبر احسان فترتين فى تاريخ مصر خرجت فيهما عن إطار السلبية هما عهدى احمس وسعد زغلول. وفى رواية «الراقصة والسياسى» تتحدث الراقصة فى أسى عن زعماء مصر المنسيين الذين تم تشويهم مثل سعد زغلول. ويعد عبدالرحمن الشرقاوى أفضل نموذج أدبى معبر عن عظمة شخصية سعد ونجد فى إحدى رواياته أحد الأشخاص يبرر سجنه بأنه ليس عيباً فسعد زغلول نفسه اتحبس. وفى روايته «الشوارع الخلفية» يعود سعد زغلول رمزاً للنضال ضد الاستبداد لدى الطلبة. ويقترب أكثر من شخصية سعد زغلول فى رواية «الأرض» حيث يمثل النضال الحقيقى ضد الظلم والاستبداد. أما يوسف أدريس فيتحدث أبطاله بلسان سعد زغلول القدوة فيقول احدهم « انا زى ما قال سعد باشا.. انتهيت». ولا يغيب مصطفى النحاس باشا عن أدب نجيب محفوظ فهو قدوته ونموذجه الانبل فى السياسة والوطنية لذا فإنه يؤرخ لميلاد بعض أبطاله بيوم إقالة حكومة الوفد. وفى رواية «أمام العرش» يدافع النحاس عن توقيعه لمعاهدة 1936 وإلغائه لها بتقلبات الظروف وبالفرص المتاحة، ويبدو ذلك منطقياً. وفى «الباقى من الزمن ساعة» يظهر تأثر محفوظ بحكومة الوفد عندما يقول أحد أبطاله «انتهت اللعنات وسوف يحكم الوفد إلى الأبد» فيربط بذلك بين الوفد وغياب اللعنات! وفى «المرايا» يهتز رضا حمادة طرباً يوم إلغاء معاهدة 1936 ويشعر أن نسيم 1919 يرفرف على مصر. ويعبر أيضا حامد برهان فى «الباقى من الزمن ساعة» على قرار إلغاء المعاهدة بقوله «لأي قدر على إلغائها إلا من عقدها فالوفد وحده». وتتناول كتابات «محفوظ» حادث 4 فبراير عام 1942 فيورد دفاعاً مقنعاً فى رواية «قصر الشوق» على لسان كمال عبدالجواد ورياض قلدس منه «أن النحاس ليس بالرجل الذى يتآمر مع الانجليز فى سبيل العودة الى الحكم. إن أحمد ماهر مجنون، هو الذى خان الشعب وانضم إلى الملك ثم أراد أن يغطى مركزه بتصريحه الأحمق». وفى «المرايا» يقول الراوى عن النحاس فى وقت حادث 4 فبرير انه «أنقذ الوطن والعرش». ويقول إسماعيل قدرى فى «قشتمر» مدافعاً عن زعيم الوفد قائلا: لا تشكوا فى الوفد وشكوا فيما شئتم. وتعدد رواية «أمام العرش» إنجازات مصطفى النحاس وحكومات الوفد قبل 23 يوليو ومن أهمها: إلغاء الامتيازات الأجنبية، تأسيس جامعة الدول العربية، استقلال القضاء والجامعات، الاعتراف بنقابات العمال، مجانية التعليم الابتدائى والاعدادى والثانوى. أما علاء الأسوانى فيكتب قصة مشوقة عن النحاس بعنوان «جمعية منتظرى الزعيم» يصور الرجل فيها كأسطورة لا تتكرر ويتوق الناس لعودته مرة أخرى للحياة لحل مشكلاتها وهمومها.