رئيس بعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات العراقية يلتقي وفد الأمم المتحدة    انتخابات النواب 2025.. فتح اللجان وبدء عملية التصويت في اليوم الثاني بمطروح    وزير الكهرباء: 45 مليار جنيه حجم الاستثمارات لتحديث الشبكة الموحدة وخفض الفقد الفنى    الثلاثاء 11 نوفمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    يضم «17 مسؤولا حكوميا».. وفد مصري يشارك في ورشة عمل «تبادل الخبرات بالتنمية الاقتصادية» في الصين    وزير الكهرباء يترأس اجتماع الجمعية العامة ويعلن عن استثمارات ب 45 مليار جنيه    وزير الري: أي تعديات على مجرى نهر النيل تؤثر سلبًا على قدرته في إمرار التصرفات المائية    سيناريو تقسيم غزة، رويترز تكشف تفاصيل جديدة    سكرتير مجلس الأمن الروسى: ملتزمون بتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع مصر    فايننشال تايمز: إنشاء وحدة مخابرات أوروبية تقودها فون دير لاين    استياء داخل المنتخب، استبعاد لامين يامال من معسكر إسبانيا    توروب يجهز برنامج الإعداد لمواجهة شبية القبائل بدوري الأبطال    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    الكاف يجري تعديلًا في موعد مباراة زيسكو الزامبي والمصري بالكونفيدرالية    دي لورنتيس يجدد ثقته في كونتي رغم استمرار التوتر داخل نابولي    بالفيديو.. سعد الصغير في انتظار جثمان إسماعيل الليثي لأداء صلاة الجنازة عليه    تعليم الشرقية تعاقب مدير مدرسة بعد واقعة «المشرط»، وأسرة الطالب المصاب تكشف تفاصيل مأساوية    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 11-11-2025 على البلاد    إقبال كثيف من المواطنين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات "النواب" ببني سويف.. صور    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في تصادم 4 ميكروباصات بطريق سندوب أجا| صور    اليوم.. الحكم على متهم ب«أحداث عنف عين شمس»    مصطفى كامل وعبدالباسط حمودة أول الحضور لتشييع جثمان إسماعيل الليثي (صور)    بيت الغناء يستعيد سحر "منيب" في صالون مقامات    أكاديمية الأزهر العالمية تعقد ندوة حول "مسائل الفقه التراثي الافتراضية في العصر الحديث"    نانسي عجرم تشعل أجواء «معكم منى الشاذلي» على مدار حلقتين    مشاركة إيجابية فى قنا باليوم الثانى من انتخابات مجلس النواب.. فيديو    ينطلق غدًا، الصحة تكشف نتائج النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والتنمية لPHDC 2025    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر 2025 بنسبة استجابة 100%    الرعاية الصحية: إجراء 31 مليون فحص معملي متقدم بمحافظات التأمين الصحي الشامل    الرئيس السوري يستبعد الانضمام لاتفاقيات أبراهام ويأمل باتفاق أمني    ننشر اسماء 7 مصابين في تصادم 4 سيارات على طريق المنصورة - ميت غمر    «أوتشا» يحذر من تفاقم الأزمة فى شمال دارفور مع استمرار العنف والنزوح    الثلاثاء 11 نوفمبر 2025.. البورصة ترتفع ب 0.28% فى بداية تعاملات اليوم    عبد الحميد عصمت: خط مياه جديد لقرية السلام وبحث مشكلة صرف القنطرة الجديدة    "طلاب ومعلمون وقادة" في مسيرة "تعليم الإسكندرية" لحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب 2025    بطولة 14 نجمًا.. تعرف على الفيلم الأكثر جماهيرية في مصر حاليًا (بالأرقام والتفاصيل)    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي يشاركان في ندوة جامعة حلوان حول مبادرة "صحح مفاهيمك"    ماذا قدم ماكسيم لوبيز لاعب نادي باريس بعد عرض نفسه على الجزائر    6 أعشاب تغير حياتك بعد الأربعين، تعرفى عليها    الشحات: لا أحد يستطيع التقليل من زيزو.. والسوبر كان «حياة أو موت»    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    «الوطنية للانتخابات»: المشهد الانتخابي عكس حالة من التوافق بين مؤسسات الدولة    ضعف حاسة الشم علامة تحذيرية في سن الشيخوخة    حظك اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    بعد إصابة 39 شخصًا.. النيابة تندب خبراء مرور لفحص حادث تصادم أتوبيس سياحي وتريلا بالبحر الأحمر    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    سوريا تنضم إلى تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش    انتخابات مجلس النواب.. تصويت كبار السن «الأبرز» فى غرب الدلتا    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    القنوات الناقلة لمباراة الكاميرون ضد الكونغو الديمقراطية في تصفيات كأس العالم    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    محدش يزايد علينا.. تعليق نشأت الديهى بشأن شاب يقرأ القرآن داخل المتحف الكبير    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنقذوا السودان قبل فوات الأوان
نشر في الوفد يوم 19 - 04 - 2012

في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2010، وقبل أن يُشعل محمد البوعزيزي لهيب الربيع العربي، كانت كل الأنظار الإقليمية والدولية شاخصة إلى السودان. فبعد سنوات طوال من الحروب والمفاوضات الفاشلة بين شمال وجنوب السودان، أدى استفتاء شعبي في 9 كانون الثاني (يناير) 2011، إلى انشطار هذا البلد إلى شطرين، وإلى قيام أحدث دولة في العالم: جنوب السودان.
كان المجتمع الإقليمي والدولي يدرك أن هذا الانشطار سيكون صعباً وقد يتطلَّب ديبلوماسية دولية مكثّفة لتحقيقه بأمان. فالبلَدان سيكونان في حاجة إلى الاتفاق على الحدود المتنازع عليها، وتشاطر موارد النفط، وتقاسم الدَين الوطني العام، وحل مسألة المواطنين في أراضي كلا الدولتين. وكل هذه الاتفاقات كان يجب أن تتمّ بين قيادتين انخرطتا في حرب ضد بعضهما البعض طيلة سنوات مديدة، وفي ظل حكومة سلطوية في الخرطوم كانت في حالة حرب مع العديد من سكانها لمدة عقود، فيما رئيسها مطلوب دولياً بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
من نافلة القول أن الأحداث الدراماتيكية التي تجلّت في الربيع العربي، اكتسحت كل ما عداها من اهتمامات في العالم العربي، وهيمنت على المراقبين وصنّاع القرار في المنطقة وحول العالم. وهكذا، فما كان يُفترض أن يكون الاهتمام الإقليمي الرئيسي في عام 2011، انتهى بأن وُضع على رفوف التجاهل والنسيان.
وبالتالي، وكما كان متوقعاً، انحدر البلَدان اللذان انفصلا رسمياً في تموز (يوليو) 2011، بوتيرة سريعة نحو وهدة الصراع. فقد أدت نزاعات الحدود إلى مجابهات مسلّحة في منطقتي جنوب كردوفان والنيل الأزرق، وقادت الخلافات حول موارد النفط إلى انهيار شبه تام لإنتاج النفط، فعلّق الجنوب إنتاجه المقدّر ب 350 ألف برميل في اليوم في كانون الثاني احتجاجاً على الرسوم المُفرطة التي يفرضها الشمال على نقل هذا النفط إلى البحر الأحمر. وجاء الهجوم الأخير على حقول هجليج النفطية في جنوب كردفان ليوقف نصف ما تبقى من ال 150 ألف برميل التي ينتجها الشمال.
والآن، فأن البلدين اللذين كانا ينتجان مؤخراً نصف مليون برميل من النفط يومياً، لا ينتجان حالياً سوى أقل من 50 ألف برميل. وفي الوقت نفسه، كانت أسعار المواد الغذائية تتصاعد بحدة في الشمال والجنوب اللذين تعتمد موازنتهما في شكل كثيف على صادرات الطاقة. علاوة على ذلك، هناك نحو نصف مليون سوداني جنوبي في الشمال صنِّفوا بأنهم غير شرعيين. وقد علق آلاف منهم في المطارات الشمالية، بعد أن أُسقطت عنهم الوضعية القانونية ومنعوا من ركوب الطائرات المتوجهة إلى الجنوب.
ثم جاء استيلاء القوات الجنوبية الأسبوع الماضي على بلدة هجليج النفطية المتنازع عليها ليشعل فتيل الحرب. فقد أعلن البرلمان السوداني أن جنوب السودان بات دولة عدوة، وتم استدعاء الجيش لاستعادة هجليج بالقوة. ويبدو أن البلدين يتجهان الآن نحو حرب شاملة ستكون أكثر تدميراً بكثير من سابقاتها، لأن هذه لم تعد حرباً بين جيش نظامي وبين مجموعات مقاتلة. فالجنوب استثمر في الدبابات والمدفعية والحوامات، والأسلحة المضادة للدروع، ويحظى بأفضلية القرب الجغرافي من منطقة النزاع. والشمال يمتلك الدبابات والحوامات الهجومية، وطائرات الميغ وأنطونوف. وما لم يتم وقف الانحدار إلى الحرب، فإن هذه الأخيرة ستدمِّر السودان أكثر فأكثر، بعد أن كان هذا البلد في السابق أكبر وأكثر البلدان الواعدة بالازدهار في أفريقيا والعالم العربي. لا بل أن النزاع الجديد، وما قد يترافق معه من انهيار، قد يحوِّل السودان إلى صومال آخر، حيث تركض دولتان متهاويتان وراء سلطة وهمية، وحيث الميليشيات المسلحة تقيم مناطقها الخاصة التي تتغذى من الهويات الإثنية والقبلية، وتتسابق على موارد النفط.
لقد أصدرت الجامعة العربية والأمم المتحدة والدول الكبرى بيانات عدة تدين التصعيد الأخير، ودعت إلى وقف فوري للمواجهات. لكن، ما لم يحظ هذا النزاع باهتمام مركّز ومباشر وعالي المستوى، فإن الحرب ستستدعي مأساة إنسانية متجددة في السودان على نطاق ضخم.
يتعيّن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين أن تعمل مع الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لممارسة جهود منسّقة وكثيفة على الخرطوم وجوبا لوقف كل عمليات التصعيد العسكري فوراً. وبعدها يجب أن تُمنح فرصة لوساطة دولية جدّية تحرز تقدماً فعلياً على صعيد رسم الحدود، وإعادة التفاوض على اتفاقات تقاسم الموارد النفطية، وحل وضعية السكان النازحين. وفي الوقت عينه، يجب أن تُصر الأمم المتحدة على إعادة نشر قوات حفظ السلام على طول حدود المنطقة موضع النزاع.
لقد أثبت السودان في الواقع أنه مثال نموذجي لسوء إدارة التعددية الإثنية والدينية. فهو كان في حرب مع نفسه منذ استقلاله، وتنازعت حكومته مع شعبها في الغرب والجنوب والشرق، ما أدى إلى إزهاق أرواح الملايين. ثم إن حكومة الخرطوم هي من بين أسوأ نماذج الحكم في حقبة ما قبل الربيع العربي، حيث يتمّسك حاكم عسكري سلطوي بأهداب السلطة من خلال كوكتيل من عائدات النفط، والفساد والإفساد، والتلويح ببيارق الدين والقومية الإثنية.
حبّذا لو انتقل الربيع العربي من تونس عبر القاهرة إلى الخرطوم للإطاحة بالنظام الفاسد ولإحلال الديموقراطية والحكم الصالح، ولتجنيب السودان جولة إضافية من الإفقار والمتاعب. ثمة أمل عند البعض بأن الخسارة المُحرجة والمُربكة لجنوب السودان، والأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة التي أفرزها سوء إدارة العلاقات مع الجنوب، قد تدفع الشعب السوداني إلى الانتفاض ضد النظام، ولكن هذا أمر يصعب التعويل عليه.
بالطبع، إن العنف الذي يمارسه نظام الخرطوم منذ سنوات يوازي الانتهاكات الموجودة في حالات وبلدان أخرى في العالم العربي، إن لم يكُن أسوأ منها. وإذا ما كان المجتمعان العربي والدولي قد دفعا الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى التنحي عن السلطة، وهما يحاولان الآن دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى أن يحذو حذوه، فإنه يجب بالتأكيد دفع الرئيس السوداني عمر البشير ليفعل ذلك أيضاً. ولذا، وبدلاً من استقبال البشير في القمة العربية الأخيرة في بغداد، كان يتعيّن على الجامعة العربية أن توضح بأنها لم تعد تعتبر هذا الأخير شرعياً، وبأن السودان يستحق رئيساً أفضل.
إن بلاد السودان تنحدر نحو هوة الحرب، ويجب على المجتمعين الإقليمي والدولي أن يعملا بسرعة وفي شكل حاسم لإنقاذ أرواح مئات الآلاف الذين أصبحوا، مجدداً، في دائرة الخطر. وقد يكون التغيير السياسي في الخرطوم، في نهاية المطاف، جزءاً لا يتجزأ من الحل.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.