كتبت نادية مطاوع: تطوير الجهاز الإدارى الحكومى وتشجيع البحث العلمى وإحياء التنمية الريفية وتشجيع الصناعات شروط أساسية ربط الأجور بالأسعار والحوافز بالثواب والعقاب للاستفادة من العاملين تعانى مصر من أزمة حقيقية تتمثل فى كيفية الاستفادة من القوى العاملة بها، فهذه القوة التى تصل لحوالى 26 مليون مواطن لا يستفيد منها الوطن بالشكل الأمثل، وفى الوقت الذى تقدمت فيه دول بعينها اعتمادًا على ما تمتلكه من قوة بشرية مثل الصين و اليابان، تعانى مصر اقتصاديًا واجتماعيًا رغم ما تمتلكه من قوة بشرية يمكنها صنع المستحيل، ومن هنا تأتى أهمية الدراسة التى حصل بها الدكتور حسين بدر الشرقاوى على الزمالة من كلية الدفاع الوطنى بأكاديمية ناصر العسكرية حول «الاستراتيجية المقترحة لإدارة الموارد البشرية فى مصر» والتى وضعت خطة للاستفادة من القوة البشرية فى مصر شكل عام، وقام الفريق صدقى صبحي وزير الدفاع بتكريم الدكتور الشرقاوى على دراسته التى لو دخلت حيز التنفيذ ستنقل مصر بقوتها البشرية إلى مصاف الدول العظمى. ويؤكد الدكتور الشرقاوى الحاصل على درجة الدكتوراه فى القانون من جامعة عين شمس أن العنصر البشرى يعتبر الركيزة الأساسية للنهوض والتقدم والنمو الاقتصادى، ولاسيما تأثيره القوى والمتعاظم نحو كافة المجالات الأخرى، وبالتالى على القدرة الشاملة للدولة، حيث تنعكس تنمية الموارد البشرية على كافة قطاعات المجتمع، وعلى ذلك ترتبط عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ارتباطًا وثيقًا بنوعية المورد البشرى ومستوى تأهيله العلمى والفنى أو المهارى، لذلك تم إعداد استراتيجية مقترحة للاستفادة من الموارد البشرية فى كافة القطاعات، و تهدف إلى : أ- تطويع المهارات الفنية المختلفة للموارد البشرية وإعادة تدويرها، بما يحقق المواءمة بين مخرجات نظام التعليم العام والفنى والداخلة لسوق العمل، وبين احتياجات ذلك السوق ومتطلبات الاقتصاد الوطنى. ب- تحقيق تنمية حقيقية لإدارة الموارد البشرية بهدف تحقيق تنمية وطنية متكاملة ومستدامة، و بناء الدوافع الاقتصادية الرشيدة لدى الأفراد. ج– بناء مورد بشرى مبدع لديه القدرة على الابتكار فى مجتمع الصناعة والأعمال، مع توفير فرص العمل وخفض ظاهرة البطالة، والحد من تفاقمها والوصول بها للمستوى العالمى (4%)،وخلق فرص عمل تستوعب الوافدين الجدد فى سوق العمل. د- تكوين موارد بشرية متطورة ذات قدرات ومهارات تؤهلها للتعامل مع التطورات التقنية والتكنولوجية العالمية بما يحقق طفرة فى مستوى الأداء والكفاءة الإنتاجية. ه- تمتع المواطنين بنظام صحى متكامل وتحسين المؤشرات الصحية، فالكفاءة البشرية ترتبط ارتباطا وثيقًا بالرعاية الصحية واللياقة البدنية. و- رفع قدرة مصر فى الحفاظ على المواهب والعلماء والمهندسين المصريين ليس فقط من حيث العدد ولكن الكفاءة والجودة وأيضًا، وذلك بتحسين مناخ العلوم والابتكار لجذبهم. ز- زيادة الاستثمار فى رأس المال البشرى فى مجال تحقيق التوظيف ويكون ذلك عن طريق التعليم والتدريب. ح- وضع تخطيط متكامل للقوى العاملة وقياس معدلات الأداء لتحديد الفائض والعجز من القوى البشرية، وسبل إعادة توزيعها على القطاعات المختلفة وعلى النطاقات الجغرافية (إعادة تدوير الموارد البشرية من خلال التدريب التحويلى). وأكد الباحث أن بناء القدرة الاستراتيجية المقترحة لتنمية إدارة الموارد البشرية بأسلوب سليم الركيزة الأساسية التى تعكس آثارها لتحقيق الاستفادة المُثلى من القوة البشرية، كما أن القدرة الاستراتيجية فى المجالات المختلفة تحقق الأمن والاستقرار الداخلى للبلاد، مشيرًا إلى أنه يتوجب على الدولة أن تولى اهتمامًا بالغًا بمشكلة البطالة، ليس باعتبارها مشكلة اجتماعية تؤدى إلى نتائج وأضرار على المستوى الاجتماعى فقط، مثل انتشار معدلات الجريمة والمشاكل الأسرية، وتوجه مجتمع الشباب للانحراف، وغيرها من المشاكل التى تعانى منها المجتمعات التى ترتفع فيها معدلات البطالة، وإنما باعتبارها مشكلة اقتصادية أيضًا، ينتج منها تآكل وتدهور فى رأس المال البشرى، وبالتالى فى رأس المال الشامل والقدرة الاقتصادية للدولة. و أضاف: يمكن تحقيق الاستراتيجية المقترحة اقتصاديًا من خلال الآتى: 1- زيادة جدارة المؤسسات الحكومية من خلال إعداد جهاز إدارى حكومى كفء وفعال يتسم بالمهنية والشفافية والعدالة والجودة، ويخضع للمساءلة ويهدف إلى إرضاء المواطنين بما يدعم تحقيق التنمية المستدامة. 2- تشجيع أنشطة البحث العلمى بزيادة نسبة الناتج القومى المخصص لتمويله، ودعم دور رجال الأعمال فى دعم المتفوقين ماليًا والمساهمة بجزء من استثماراتهم فى البحث العلمى ورعاية المبتكرين والمبدعين والموهوبين. 3- رفع معدلات النمو الاقتصادى فى القطاع الزراعى بجميع فروعه المختلفة النباتية والحيوانية والسمكية والداجنة، من خلال إحياء مشروعات التنمية الريفية ومنح قروض بأسعار فائدة منخفضة نسبيًا، ومنح بعض الإعفاءات الضريبية يتم تقديرها حسب طبيعة النشاط للحد من الاستيراد. 4- زيادة الإنتاج من خلال زيادة انتاجية الأفراد و تشجيع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع على توظيف العمالة وامتصاص البطالة، كأحد الأهداف المباشرة للاستثمار فى العنصر البشرى. 5- تحويل القرى المصرية إلى مراكز إنتاج جماعى بما يزيد من الاستثمارات وعدد الوظائف المتاحة سنويًا، مع مراعاة حاجات سوق العمل من الاحتياجات البشرية الفعلية المدربة والمؤهلة. 6- تشجيع الصناعات الكبيرة وكثيفة العمالة، وضمان مساندتها ودعمها وربطها بالصناعات المتوسطة وصغيرة الحجم. 7- وضع إستراتيجية قومية لضمان تمويل نقل وتوطين التقنيات الحديثة للعمالة المصرية، مع تطوير وتحديث تلك التقنيات بصفة دائمة ومستمرة. 8- إعداد نظام حديث للحوافز والمكافآت وفقًا لمعايير موضوعية تربط بين الواجبات والمسئوليات المقررة على العاملين وتنفيذا لمبدأ الثواب والعقاب، مع ربط ذلك النظام والأجور بمستوى الأسعار لتحقيق العدالة بين العاملين. 9- تشجيع عمليات تحويل إدارة الموارد البشرية لنظام الإدارة الإلكترونية للموارد البشرية، مما يزيد من قدرة العنصر البشرى على التعامل الفعال مع التكنولوجيا الحديثة من جانب، ويساعد على ميكنة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين من جانب آخر. 10- جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، خاصة فى مشروعات البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T). و عن كيفية تحقيق هذه الاسترتيجية إداريًا واجتماعيًا أكد أن ذلك يتم من خلال : 1- مراجعة أهداف وتخصصات الوحدات الإدارية المختلفة بالجهاز الحكومى لضبط أعدادها وعدم ازدواج الاختصاصات والحد من تضخمها، وتحقيق التنسيق والتكامل بين تلك الوحدات. 2- تنمية العنصر البشرى وتفعيل خطط الإصلاح الإدارى بمشاركة مجتمعية، وذلك من خلال محاربة الفساد ودعم اللامركزية وتطبيق نظام للاختيار والتعيين. 3- القضاء على البيروقراطية، وإنشاء نظام الحوكمة الرشيدة مما يحدث تغييرًا فى مفهوم الخدمة العامة ويزيد من رضا المواطن. 4- بناء كفاءة عالية للعاملين بالأجهزة والمؤسسات الحكومية فى ظل تطوير نظام تقويم أداء العاملين بهدف قياس كفاءة الأداء بناء على أُسس موضوعية مرتبطة بالعمل. 5- توسيع نطاق تغطية وزيادة فعالية نظم الحماية الاجتماعية وتطويرها، خاصة الضمان الاجتماعى وإيصال الدعم لمستحقيه. 6- التنسيق بين جميع الأجهزة المختصة برعاية الطفولة والمرأة، مع العمل على توفير الرعاية الاجتماعية والثقافية والصحية لهم، وتشجيع عمل المرأة كقيمة مضافة لقوة العمل. 7- اهتمام الدولة بتوعية الأفراد بأهمية العمل اليدوى، ونشر الثقافة والوعى الجماهيرى، وخلق مجتمع متنوع وديمُقراطى. 8- نشر ثقافة إعلاء قيمة العمل بالإتقان والمحافظة على الوقت وتحقيق الذات، واعتبار ذلك السبيل لتحقيق معدلات التنمية المستهدفة والمستدامة، مع نشر الوعى لدى المواطن بأن مشكلة البطالة لا يقع حلها على الدولة وحدها ولكن على الأفراد أيضًا، بل يظل هناك دور كبير لرجال الأعمال والمجتمع المدنى. 9- ضمان المحافظة على فرص التشغيل للمهاجرين المصريين، وعلى مصالح العمالة المصرية بالخارج وتنظيمها، وتقليل الهجرة العكسية، وتقليل انتقال الموهوبين والمبدعين وذوى الأيدى الماهرة والكفاءات للخارج. 10- استهداف منظومة معلوماتية وقاعدة و بيانات حديثة وشاملة عن سوق العمل بكافة نشاطاته ومتطلباته والقدرات البشرية المتوفرة، مع تطوير الدراسات السكانية والخاصة بمعدلات النمو السكانى والتركيبة العمرية، ووسائل تنمية الموارد البشرية. البطالة و التدريب و يشير الدكتور حسين فى دراسته إلى أن الذين ينتظرون الحصول على وظائف فى سوق العمل قد يجدون أنفسهم فى وقت قصير، غير مؤهلين للتوظيف فى ظل التغير السريع والمستمر لنوع المعارف والمهارات المطلوبة، ومن ثم تتزايد نسب البطالة طالما لم يحدث تغيير جذرى فى إدارة الموارد البشرية، و ينم ذلك من خلال الآتي: اتباع منظومة تعليم متكاملة عالية الجودة وإيجاد شراكة استراتيجية بين مراحل التعليم من ناحية، ومن ناحية أخرى الربط بين التعليم وسوق العمل بما يؤدى للقضاء على البطالة، وبالتالى عدم إهدار القدرات البشرية ويلقى بظلاله وتأثيراته إيجابيًا على الاقتصاد القومى المصرى. 2- الاهتمام بالبحث العلمى ومواكبة التطور التكنولوجى واستخدام التقنيات الحديثة، واستيعاب التقدم فى العلوم والتجديد والابتكار والإبداع والقدرة على مواكبة التطور، من خلال العناصر البشرية المدربة، والكوادر البحثية المتميزة المنافسة، وتكوين قاعدة بيانات دقيقة فى كافة مجالات البحث العلمى. 3–الاهتمام بعملية التدريب بكافة أنواعها، إذ يعتبر التدريب عنصرًا رئيسيًا فى إعداد المورد البشرى وتأهيله وتنمية قدراته وإكسابه مهارات جديدة للقيام بمهام التنمية باعتباره أهم عنصر فى عملية الإنتاج، إذ هو المسئول عن استيعاب التكنولوجيا والعلوم الحديثة وتطبيقها لتحسين أدوات العمل والمنتج النهائى، وهذا يحمل التدريب مسئولية أكبر فى الدفع بعملية تأهيل الكوادر البشرية وإعدادها. 4- توظيف الثروة البشرية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، بالإرتقاء بمستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وتعزيز القدرة التنافسية وتحسين الكفاءة الإنتاجية. 5–الاهتمام بصحة السكان، حيث تعتبر الصحة قوة دافعة للنمو الاقتصادى، وإنهاء جميع أشكال سوء التغذية فى مصر، وخفض العبء المالى الناتج عن الانفاق الشخصى المباشر للحصول على الخدمات الصحية، بما يُمكن للجميع التمتع بحالة من الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية وخفض معدل وفيات حديثى الولادة والرضع. وأشارت الدراسة إلى أن الدولة تضع تنمية الموارد البشرية كأحد أولوياتها لتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال إعداد مواطن مصرى قادر على الإسهام بجدارة مع مسيره التنمية وتحقيق ثروة مادية وبناء اقتصاد قومى قوى، وقد وضعت مصر رؤيتها لعام 2030م والتى تهدف للارتقاء بمصر ضمن مصاف الدول المتقدمة، وأن تكون ذات طابع اقتصادى تنافسى ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، واتخذت بعض الإجراءات فى ذلك الشأن للوصول لتلك الأهداف من خلال تنمية الموارد البشرية، ولعل أبرزها مشروع تأهيل شباب الخريجين وتجسد ذلك فى مبادرة الرئاسة لتأهيل الشباب للقيادة لدعم المسيرة المستقبلية لتنمية الموارد البشرية فى مصر. وفى النهاية أكد الدكتور حسين الشرقاوى فى دراسته أن هذا الوطن الكبير لن ينهض إلا بأبنائه، فلديهم مقومات التقدم والنجاح من قوة بشرية ومواد خام ومعادن ومياه وأرض زراعية وصناعة وسياحة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، و لن ينهض بمصر إلا العنصر البشرى الذى شرب من نهر النيل وأصبح لزامًا عليه أن يُدرك طريق النجاح، ومواجهة التحديات والمخاطر المستقبلية.