الإسكندرية - شيرين طاهر: فتحت أبواب القاعة ليدخل القاضى ونادى الحاجب على القضية المرفوعة من «سعاد» ضد نجلها تطالبه بالالتزام بدفع نفقة مالية، الأم لا تستطيع الوقوف إلا بمساعدة أصدقائها ويقف الابن أمام هيئة القضاة، ووسط الهدوء التام بالقاعة تنهار الأم فى بكاء وتصرخ وتقول «سيادة القاضى أنا متنازلة عن حقى فى قضية النفقة التى رفعتها على ابنى لأنه كان الغرض منها ليس المال ولكن هو أن أراه أمامى أنا مش عاوزة فلوس ولا أى شىء أنا كان نفسى أشوفه قبل ما أموت ولم أجد أمامى غير هذه الفكرة لكى أراه قبل وفاتى، كل يوم يرفض الحضور لرؤيتى لآخر مرة». سيدى القاضى أنا تزوجت منذ 72 عاماً أنجبت ولدين وبنتاً، وهبت حياتى كلها لزوجى وأولادى حتى توفى زوجى، وأبنائى تزوجوا كلهم ولكن للأسف نسوا أن لهم أماً بعد زواجهم، نجلى الكبير كان دائماً يفضل زوجته علىّ حتى فارق الحياة، وكانت هذه الصدمة الأولى لى فراق نجلى الأكبر، أما بنتى كانت متزوجة ودائماً مشغولة بزوجها وأولادها وكنت أنا على هامش حياتها معتمدة على شقيقها الأصغر أنه يقوم بخدمتى، ومن هنا انتهز ابنى الفرصة ليتلاعب بحصة الميراث الخاصة بى. وقام بالاستيلاء على شقتى وأوهمنى بأنه سوف يأخذنى للإقامة عنده لخدمتى، كنت مندهشة جداً من قراره لأنه للأسف بطبعه سيئ جداً ولا يحب أحداً غير نفسه ومزواج وكان دائماً ينتقل من زوجة لأخرى، تاركاً زوجته الأولى وأبناءه بدون نفقة ولا يسأل عنهم ويتبرأ منهم، خدعت نفسى وقلت يمكن العروسة الجديدة طلبت منه أن يحضرنى لتخدمنى هى ويكون اتغير حاله، ولكن للأسف يا سيادة القاضى استولى على شقتى وقام بالحصول على الختم الخاص بى واستغله لصالحه بالاستيلاء على جميع أموالى والأغرب من ذلك أنه أخرجنى من منزلى واستقل تاكسى وأنا معه وفوجئت أننا فى دار المسنين، كانت الصدمة الثانية لى، طلبت منه أن يتركنى فى منزلى ولم أطلب منه شيئاً ولم أحمله شيئاً، ولكن للأسف جحوده لم يرحم توسلاتى ودموعى المنهمرة على يديه، التى قبلتها كى لا يتركنى فى دار المسنين، وتركى فى منزلى إلا أنه رفض وقام بإلقائى فى دار المسنين الحكومية، وقام بسداد قيمة أول شهر للدار فقط، أوهمنى أنه سوف يحضر لزيارتى كل أسبوع وقام بإخبار مديرة الدار برقم هاتف محمول تبين أنه خطأ حتى لا يتمكن أحد من الوصول إليه، وأوهم الجميع بأننى أعيش معه خوفاً من الفضيحة، وبقيت أكثر من 5 سنوات أنتظره يحضر ولكن للأسف كانت مسئولة الدار تبحث عنه ولكن دون جدوى، هذا الرجل الشامخ الذى يقف أمامكم وهو ميسور الحال ويظهر على وجهه وجسده ذلك، تناسى تماماً مدى المعاناة التى تحملتها من أجله هو وأشقائه، تناسى أننى أمه وأنا مسئولة منه ولكن الأموال عمت قلبه، على الرغم أنه ليس محتاجاً لأنه كان يعمل فى مركز مرموق قبل خروجه على المعاش ولديه أموال كثيرة، ولكن للأسف ربنا لم يرض عنه لأنه إنسان غير صالح وقاس، جلست أفكر فى حالى كنت أستيقظ من نومى أبكى وأتمنى رؤية أبنائى، فأنا اشتقت إليهم، نفسى أضع رأسى على صدورهم قبل مماتى. لذلك قررت أن أجبر نجلى على رؤيتى وكانت فكرة إقامة دعوى قضائية هى الحل الوحيد، وليس هدفى المال، كنت أريد أن آخذه فى حضنى حتى لو كانت هذه اللحظة هى آخر شىء فى عمرى، بقيت أنتظره عدة جلسات وأحضر للمحكمة وأنا مريضة والجميع يساندنى لكى أمشى إلا أننى لم أفقد الأمل فى رؤيته ولو للمرة الأخيرة، والآن بعدما رأيته فهذا كان طلبى الوحيد، سيدى القاضى أنا متنازلة عن حقى لأولادى فهم فلذات كبدى ولكن الطلب الوحيد أن يسأل عنى ولا يتناسى أن والدته ما زالت على قيد الحياة تحتاج سؤاله.