ماأصعب أن يفرق بين الأم وأبنائها أسوار من حديد، خاصة أن هناك الآلاف من الأمهات داخل السجون المصرية يقبعن خلف القضبان بسبب العجز عن سداد الديون التى تراكمت عليهن، نتيجة شراء أجهزة منزلية أو غيرها بمبالغ قليلة قد تبدأ بألف جنيه ولا تزيد على 5 أو 10 آلاف من الجنيهات. وفى إطار حرص مؤسسة مصر الخير برئاسة الدكتور على جمعة ،مفتى الديار المصرية، على القضاء على الفقر، قررت المؤسسة تبنى مشروع الغارمين الذين تعتبرهم من أكثر الفقراء احتياجا للمساعدة، والذي يهدف إلى إطلاق سراح جميع الغارمات داخل السجون المصرية مع إعادة تأهيلهن نفسيا واقتصاديا للعودة للحياة داخل المجتمع، من خلال مساعدتهن فى إنشاء مشاريع صغيرة خاصة بهن ليتمكن من مواصلة حياتهن بشكل طبيعى يحفظ كرامتهن وكرامة أبنائهن. ساعدته فهجرني عفاف واحدة من الأمهات الغارمات ..تروي قصة هجر زوجها لها بعد عشرين سنة زواج، غير مبالِ بأولادهما الثلاثة قائلة: زوجي كان موظفا في إحدى الشركات الحكومية، وكنت أعمل في واحد من المراكز الطبية الخيرية لمساعدته في النفقات، حتى ابني الصغير كنت أصطحبه معي فلم أكن أستطيع تركه مع أي إنسان فأنا وحيدة لا أم ولا أخت. تحملت معه مشقة الحياة بمرها ومرها فلم أر معه يوما حلوا، لأفاجأ بمعاملته تزداد سوءا يوما بعد يوم ، فقد كان يجلس ساعات على النت ويغلق عليه الباب حتى أنه قام بوصيل كاميرا للجهاز وكأنه شاب مراهق وإذا فتحت فمي أو طلبت إحدى بناته الجلوس على الجهاز نلنا مالا يخطر على قلب بشر من السب والوعيد بترك المنزل قائلا "مش كفاية متحمل مسئوليتكم". وتتابع عفاف: لاحظت أن أحلامه وطموحاته تزداد علوا في السماء وكأنه وجد مصباح علاء الدين أو وجد مغارة علي بابا، وكلما سألته وكيف ستحقق هذه الأحلام أجابني : بُكره تشوفي.. وأخلص بقى من العيشة البؤس دي!! وعندما أرد : طب ما انت رب المنزل والمفروض تسعى زيادة عشان توسع على ولادك وتجيب لهم كل اللي بيتمنوه، يقول لي: مش لما اعيش واسكن أنا الأول أبقى اعيشهم واسكنهم. وفي يوم من الأيام فوجئت به يخبرني بأنه سيسافر للخارج فهو كالطير المهاجر لا يستطيع البقاء مقيد الأجنحة، في البداية اعتقدت أنه سيأخذنا معه أو على الأقل سيرسل لنا بعد أن تستقر أحواله، وأن جلوسه على النت أخيرا جاء بالخير وأنه وجد عملا في إحدى الدول العربية. بنيت السيدة عفاف قصورا في الخيال لكنها لم تستمر طويلا فقد استيقظت على النبأ الذي وقع عليها كالصاعقة فبعد ارتباط دام عشرين سنة قرر الزوج الزواج بسيدة مغربية تحمل الجنسية الإيطالية تعرف عليها عن طريق النت، وسيسافر معها للخارج. تقول الزوجة: صور له خياله أنه سيحصل على الجنسية الإيطالية ويحقق أحلامه من سيارة ومنزل كبير وخلافه. بعبرات الزوجة المصدومة تكمل السيدة عفاف: طلقني زوجي ولم يلتفت في لحظة من اللحظات لأبنائه أو لذكريات السنين الماضية، تركني أعاني صعوبات الحياة بمفردي وهو يعلم جيدا أن راتبي لا يكفي سوى إيجار الشقة الصغيرة التي تأويني أنا وأبنائي . لم أستطع الحصول على حكم ضده، ومع الظروف الاقتصادية السيئة خاصة بعد25يناير، ومع دخول أكبر بناتي مرحلة الثانوية العامة اقترضت من المعارف واشتريت بعض الأشياء لأبيعها لكن دون جدوى، ففكرت في الاقتراض من أحد البنوك وهنا كانت المشكلة الكبرى فقد عالجت الخطأ بخطأ أكبر منه. الخير ومساعدة الغارمين تراكمت علي الديون ولم أستطع السداد "واشتكاني الديانة"، فما كان مني إلا أن لجأت إلى مؤسسة مصر الخير خاصة بعد أن سمعت بأنها تسعى لمساعدة الغارمين، وبالفعل دفعوا عني ديوني ووفروا لي مورد رزق ثابت إلى جانب عملي بالمستشفى في المساء. وتختم الزوجة والأم قصتها: لم أكن أتوقع أن هناك خيرا في الدنيا بعد أن طردني زوجي أنا وأبنائي من حياته، لكن الله يقف دائما إلى جانب المظلومين، فالحمد لله نحن نعلوا يوما بعد يوم، وهو حتى اليوم لا يزال على أمل السفر ولا أعتقد أن حلمه سيتحقق لأن الغادر والخائن من الصعب جدا أن يحظى بثقة الآخرين حتى وإن كانوا سبب غدره وخيانته.