كتبت - إيمان مجدى: /تصوير: أحمد بسيونى «السمك الطازة، طازة يا سمك»، «تعالى يا بيه ب25 جنيه»، هكذا تنادى «فرحة» الملقبة ب«أم آية» كما يناديها المحيطون بها، على زبائنها، وهى تقف بأول محل ب«حلقة السمك» فى منطقة إمبابة، فمع أول خطوة لك بالحلقة تلمح سيدة أربعينية العمر ملامحها صعيدية جنوبية، سمراء البشرة كأغلب نساء الصعيد. اسمها يحمل بين طياته معانى البهجة والسعادة، يتردد على مسامع من حوله، فيبث حالة من انشراح الصدر وسرور القلب، أطلقه والدها الرجل الصعيدى عليها منذ 40 عاماً، متمنياً أن يكون لها من اسمها نصيب، ولكن الحياة كان لها رأى آخر، فتخبطت «فرحة» فى الدنيا كثيراً، ورغم ذلك تشعبطت فيما يحمله اسمها من فرح لتحصل على نصيبها منه. غادرت «فرحة» أسيوط، وهى بنت الثلاثة عشرة عاماً، بعد أن تزوجت من ابن عمها، كباقى بنات الصعيد اللاتى يتزوجن فى عمر مبكر، واستقرت فى القاهرة، وأنجبت 6 أبناء 4 فتيات وولدين. ولكن «تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن»، فلم تكن حياة زوجها فى القاهرة راغدة، فاضطرت للنزول لأول مرة للبحث عن عمل لمساعدة زوجها فى متطلبات الحياة، لذا اعتبرت أن القاهرة هى البلد الذى جلب لها الشقاء. فانغمست وسط صخب وزحام شوارعها، إلى أن اصطحبتها جارتها التى تمكنت من أن تستحوذ بقلب «فرحة» منزلة الأم لحسن تعاملها معها، لحلقة السمك بإمبابة لتعمل معها فى بيع السمك، قائلة: «إحنا فى الصعيد عمرنا ما بنشتغل، لكن لما جيت القاهرة نزلت الشارع واشتغلت وعرفت أزاى أتعامل مع الناس والفصال فى الشغل». وازداد الوضع سوءاً بعد مرض زوجها، الذى ظل فى الفراش لفترة طويلة، وهنا صمدت ووقفت بجانبه حتى صعدت روحه لعنان السماء واسترد الله أمانته، وهنا أصبحت فرحة الأب والأم والسند لأبنائها. استمرت فى بيع السمك مع جارتها حتى تمكنت استئجار المحل المجاور لها، وزوجت 3 من أبنائها، فيما كانت تحرص على تعليم أبنائها، ولكن مع كثرة الحوادث التى تتعرض لها الفتيات خشيت السيدة الصعيدية على بناتها فلم تكمل تعليمهن، فتكتفى بالمرحلة الابتدائية فقط، وتساعد ابنها حتى يجد عملاً حلالاً، ولا يتجه لطريق الانحراف لسد احتياجاته. ومع كل صباح تتجه فرحة للحلقة وتجهز السمك للبيع، وترص الأنواع المختلفة من بلطى وماكريل ومكرونة وغيرها، بشكل يلفت الانتباه ومن الحين للآخر ترش المياه فوقه، وتضع الثلج عليه حتى يأتى الزبون الذى تشتهى له نفسه ليتناول وجبة بحرية شهية. عزة نفسها عنوان لها فلم تطلب من أى شخص أن يساعدها، وبنبرة ثقة ممزوجة بالأسى قالت: «أنا لازم اشتغل عشان اكفى عيالى وأربيهم وعلشان ميحتاجوش لأحد، وبدل ما اتصل بحد أقوله عايزة 100 جنيه، بنزل اشتغل حتى لو تعبانة، ومبعرفش اشتغل حاجة غير بيع سمك، يعنى حتى لو بخسر برده هشتغل فى السمك مبفهمش غير فيه، وربنا يكرمنى وازوج بناتى». وتابعت «رغم أنى بشتغل فى السمك بتعدى شهور والسمك مبيدخلش بيتنا، آخر مرة أكلنا فيها سمك كان من شهر رمضان، علشان الأسعار مولعة بنوفر فى الأكل، وأنا براعى الناس فبشترى السمك من مكانه ب24 جنيه وببيعه 25 جنيه، المهم أقدر أغطى مصاريف بيتى من غير ما أحتاج لحد وأقوله سلفنى». وبالنهاية ارتسمت الابتسامة على وجهها مرددة «الحمد لله على كل شيء، أنا راضية بنصيبى ومش عايزة حاجة غير أن الأسعار تقل، لأن كل ما الأسعار ترتفع بتزيد ديونا والحياة بتبقى صعبة من أكل وإيجار سكن ومصاريف ملابس وجهاز للبنات، لو الأسعار بقت كويسة عيشتنا هتبقى حلوة، أنا نفسى أجوز عيالى وأعيشهم مستورين مش عايزة حاجة غير كده».