مثلث «الفقر والجهل والمرض» بأسيوط يحاصر نعمات وسعدية ونعمة خمسينية المنيا تنفق على 3 معاقين.. والتضامن ترفض منحها معاشا عامل سوهاج يعتمد على جاموسة ومعاش السادات.. وأبناؤه بلا تعليم هنا في القاهرة تتسارع دقات القلب مع كل ارتفاع للدولار وهناك في الصعيد يحلم كثيرون ممن يعيشون في واقع مأساوى بسقف لمنزل يأويهم من شتاء برودته لا ترحم وصيف يحرق.. 4 أسر في سوهاجوالمنياوقناوأسيوط تحلم بوقف مد أيديهم سدًا للجوع، أو مياه نظيفة ترحمهم من شربة مياه ملوثة «تقطع البطون»، أو تعليم يحمى مستقبل أبنائهم من الضياع، كلها أحلام تحطمت على عتبة مسئولين لا يعرفون عن المسئولية سوى التوقيعات الرسمية والأختام الملونة. هم بشر مثلنا، ولكن لا أحد يأبه بهم، لا وجود لهم في سجلات الحكومة ولا اهتماماتها، وربما لم يتضمنهم آخر تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء الذي قدر عدد من يعيشون تحت خط الفقر بأجثر من 27٪ كما انهم لايشغلهم جنون سعر الدولار ولا ضريبة القيمة المضافة، لانهم يعيشون حياة أقرب للموت بل قد يكون الموت أحسن حالا منها نعمات: «عايشين على العيش والمنيه» أسفل جدار متهالك بإحدى القرى التابعة لمركز البدارى بأسيوط، تعيش الحاجة «نعمات» التي تجاوز عمرها ال90 عامًا، حيث لا تزال ذاكرتها محتفظة بمشاهد النيل قبل بناء السد العالى أو كما تسميه «البحر الكبير» بجانب منزلها وابنتيها، والآن انحنى ظهرها بعد أن وصلت من العمر أرذله. بين الخمسين والستين يتأرجح عمر ابنتى الحاجة نعمات، وكل منهما تحتفظ بعذريتها حتى الآن ولا تجدن من يتحمل نفقاتهن، كثيرًا ما تجرعت التسعينية مرارة العوز وقلة الحيلة والمعنى الحقيقى للعيش من العدم. تعيش العجوز «نعمات سليم حمودي» في عزبة سرور بقرية نجوع المعادى التابعة لمركز البدارى بمحافظة أسيوط في منزل مكون من جدار مهدم وسقف من «الجريد والبوص»، الأمطار لا ترحمهن شتاء وشمس الصعيد الحارقة في الصيف لا تتركهن في حالهن. «نعمات» الأم التسعينية وابنتاها «سعدية – 50 عامًا» و«نعمة – 60 عامًا» تتلخص حياتهن في فصول "الفقر والجهل والمرض"، لا يجدن مسئولا يطرق بابهن حاملا البشرى ولا أخًا ولا خالًا ولا عمًا، وهنا تحاول الحاجة «نعمات» استجماع كلماتها، قائلة: «أنا معرفش عندى كام سنة بس كنت عايشة أنا وجوزى الله يرحمه وبناتى لما كان البحر الكبير قدام البيت وكنا ناكل منه سمك ونسمع عن الملك فاروق وبعدين مشى البحر الكبير وكل حاجة مشيت وما بقناش لاقيين ناكل ولا نعرف راح فين بعيد عنا». «اتجوزت وانا بت صغيرة من الحج صدقى حرجان الله يرحمه، وخلفت البنتين دول وكانوا قمرات وكنا عايشين من الفلاحة، جوزى كان معاه أرض ومات وهما صغار يعنى من 45 سنة ومعرفتش اعمل حاجة والناس خدت الأرض وما سابوش حاجة، وإحنا عايشين على باب الله كل أسبوع ربنا يبعت لنا كام رغيف عيش نبله في المية وناكل».. هكذا واصلت «التسعينية» حديثها المتقطع. وقالت الحاجة نعمات: «بناتى كانوا صبايا وحلوين بس مفيش فلوس تجوز ولا تخلى حد يدخل ويطلع علينا وكبروا وعجزوا، والبت الكبيرة سعدية مرضت والعلاج مفيش لحد ما عجزت في الأرض ونايمة في الأرض طوالى.. كنا عايزين نقبض زى زكية الفوالة جارتنا معاش وفلوس.. بس قالوا انتوا من غير ورق». الكهرباء والتليفزيون كلها أمور بعيدة تمامًا عن الحاجة نعمات وابنتيها. وترفع الحاجة نعمات جلبابها المرقع وبإشارة منها، قائلة: «هو توب واحد صيف وشتا لحد ما ربنا يبعتلنا توب جديد.. بس البنيات عايزين توب هما صغيرين عنى»، وهنا تتدخل ابنتها «نعمة» بقولها: «أنا وأمى وخيتى بنعيش من زمان بس مفيش حاجة جايلنا وأختى سعدية مرضت والعجز والشلل وقع شعرها ومش لاقيين العلاج وأهل الخير ساعدوا كتير بس مفيش حاجة دايمة.. عايزين أي حاجة نعملها والحكومة تدينا فلوس ولا حتى العمدة يشقر علينا.. إحنا كان عندنا زمان أرض والناس خدتها عشان يدونا فلوس ناكل بيها من أيام السادات». «نعمة» حاولت السيطرة على دموعها التي تغالبها، قائلة: «إحنا ما تجوزناش عشان فقرنا ومحدش عندنا يتجوز من بنات مقطوعين ملهمش راجل، واتعودنا خلاص على الوحدة، نحمد ربنا على العيشة بس القطيعة والفقر مع المرض وحش ربنا ما يجيبه في حد. عائلة «ضاحى».. مأساة العيش تحت الأرض «لا كهرباء، لا مياه، لا أموال».. لاءات ثلاث وضعت أسرة «ضاحي» المكونة من سبعة أفراد في وضع لا يحسدون عليه، ومع غياب هذه المقومات الأساسية للحياة صارت العائلة محاصرة بالثعابين والعقارب وسط الأراضى الزراعية المحيطة بمنزلهم المبنى بالطوب اللبن منذ عشرات السنين في نجع التحرير بقرية «هو» مركز نجع حمادى بقنا حتى صار متهالكًا وآيلا للسقوط في أي لحظة، فضلا عن انقطاعهم عن القرية المجاورة لهم بعد الخامسة مساءً. «ضاحى محمود» وزوجته «ضحى» سيد مرت عليهما الأيام ليتذوقا معًا بجوار أطفالهم الخمسة مرارة الفقر وضعف الخدمات والإمكانيات المقدمة لهم من قبل محافظة قنا، رغم مطالبهم المستمرة للمسئولين بمساعدتهم. من جانبها، قالت الزوجة ضحى سيد إن «الحياة في المنزل تشبه القبور.. نسكن تحت الأرض ومن حولنا أكوم من التراب تغطينا وتغطى منزلنا بدون سقف، وجوزى على باب الله ويعانى من عدة أمراض، ما يعنى أننا لا نمتلك دخلًا ثابتًا، بيمر الشهر وبنكون مشيناه ب400 جنيه، بس دول يعملوا إيه ل5 أطفال كلهم في المدارس». «ضحى» أكدت أن زوجها يخرج منذ الساعات الأولى بحثًا عن عمل باليومية لكن للأسف الخدمات ضعيفة جدًا فلا مياه شرب نظيفة لديهم ما يدفعهم إلى استخدام الطلبمات الحبشية التي تسحب مياها مليئة بالشوائب وتعرض الأطفال للأمراض. وذكرت الزوجة «نعانى من الظلام الدامس في النجع بسبب عدم وجود تيار كهربائي، وأحيانا نقوم بتوصيل بعض الوصلات ولكن للأسف ضعيفة وتحرق الأجهزة الموجودة في البيت، وكان آخرها ثلاجة قديمة اشتريناها بالقسط واتحرقت قبل سداد الأقساط، وفى الأول والآخر الحمدلله». وركزت الزوجة ضحى على حجم المعاناة التي تواجههم بقولها: «بنعانى هنا الكثير من المشكلات أهمها هي وجود الثعابين والعقارب بكثرة في النجع والتي تهاجمنا ليلًا، وابنى الأكبر أصيب بلدغة عقرب ويرقد مريضا منذ عدة أيام.. وشددت على أن المنزل كان مبنيا من الطوب اللبن ولا يوجد به سقف يحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء، والمنزل مفتوح من كل جانب ولا يوجد سوى غرفة واحدة تضمها وزوجها وأبناءها، ويضطرون أحيانا كثيرة إلى إشعال لمبات الجاز القديمة، واستخدام الكانون لطهى الأكل، ويعيشون على مروحة قديمة وحتى الدولاب الذي يمتلكونه به عقارب وثعابين أكثر ما يضم ملابس خاصة بهم، ويعانون في. وطالبت المسئولين، بالنظر إليهم بعين الرحمة، خاصة أبنائها الذين يذهبون يوميًا إلى المدرسة، ولا توجد وسائل مواصلات متوفرة في المنطقة التي يعيشون فيها، ما دفعها إلى ذهابها يوميًا برفقتهم إلى المدرسة خوفًا على أرواحهم. عدلية تزرع بنفسها لرعاية عائلتها «المأزومة» مع شروق شمس المنيا كل يوم تستيقظ ابنة الصعيد الخمسينية «عدلية» لتترك منزلها المبنى بالحجر الجيري، ذا الجدران المتهالكة، لرعاية أرضها الزراعية المستأجرة منذ أكثر من 50 عامًا لتوفير مصدر رزق لها ولزوجها المتقاعد وأبنيها المريضين. «عدلية محمود عثمان سالم» تعيش مع أسرتها بإحدى قرى مركز أبو قرقاص جنوب محافظة المنيا، بعد أن ألقت الحياة على أكتافها مسئولية رعاية أسرتها كاملة والعمل على توفير مصدر رزق لهم. البداية مع إصابة زوج «عدلية» في حادث تسبب في بتر ساقه الأيسر وجعله قعيدا حبيس جدران منزله المتهالك، وحينها كان والده يستأجر بضعة قراريط من أحد «باشاوات» الأراضى الزراعية محاولا السعى لتوفير مصدر رزق له وزوجته وأبنية الصغيرين إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهى الأنفس، وباءت محاولاته بالفشل فلم يجد إلا أن يعتمد على المعاش الذي حددته له الدولة بعد إصابته. لم تيأس الزوجة وبدأت السعى والعمل بمفردها بالأرض الزراعية، ومن عام إلى آخر، والهموم تتزايد مع اكتشافها إصابة أبنيةا «محمد وبطة» بمرض تسبب في شلل تام في الحركة للفتاة فيما أصيب الابن الأكبر بتخلف عقلي، ومع محاولات مستمرة حصلت على 300 جنيه شهرية لابنها. تكفلت الأم بتوفير معاش زوجها كقيمة إيجارية للأرض التي يستأجرها والد زوجها قبل وفاته، ثم زوجها من بعده، وبدأت في الذهاب إلى الأراضى الزراعية ليل ونهار، لكن الديون تراكمت عليها. تقول «عدلية» إنه رغم أن الأرض تدخل لها في العام 6 آلاف جنيه إلا أن دائرة «استلاف الفلوس سنويًا» تحاصرها بشدة لأن أغلب الأموال تذهب إلى مصاريف العلاج لزوجها وأبنيةا، وتتجاوز ديونها سنويًا أضعاف ما تنتجه الأرض الزراعية. لم ينته الأمر عند هذه المرحلة، بل تؤكد «عدلية» أنها بحثت كثيرا عن أي مسئول يساعدها في الحصول على كرسى متحرك لابنتها «بطة» إلا أنها لم تجد من يستمع لها، وبات حلمها توفير حياة كريمة لها. جاموسة تعول أسرة من 9 أفراد! بجاموسة واحدة و300 جنيه شهريًا من معاش السادات وجد «الحاج جمال عزالدين - 67 عامًا» سترًا محدودًا للعيش في قرية الشيخ خليفة بمركز سوهاج مع أسرته المكونة من 8 أفراد (زوجة و4 فتيات و3 أولاد)، والبيت بأسره يعتمد على حليب وجبن الجاموسة يوميًا. وفى ظل ظروف معيشية صعبة وارتفاع الأسعار، يحكى عم جمال قصة كفاحه في الحياة، قائلا: «أنا عايش مع 8 أفراد غيري.. إحنا ناس غلابة وأبسط مما تتصوروا ودخلنا الوحيد هو الجاموسة ومعاش السادات 300 جنيه، واللى ربنا فرجها بيوم شغل للعيال يبقى ربنا وسع علينا». وعن ظروفه الصعبة وكيفية المعيشة، قال «عم جمال»:.. ال 300 جنيه المعاش بأقسمهم نصين 150 مصاريف الجاموسة من علف وتبن وكل حاجة تلزمها، و150 تانية مصاريف للبيت والبنات ويبقى باقى معانا الجاموسة اللى أجيبهم من السمنة واللبن نبيع نصهم علشان نأجر حتة أرض نزرعها برسيم للجاموسة ونبيع الباقى وبفلوسها ناكل». ولا يخفى عم جمال خوفه على بناته، مؤكدًا: «أنا خايف على الأربع بنات دول.. في الأول والآخر الولد ممكن يعتمد على نفسه فلازم يشتغل علشان يصرف على نفسه عم جمال لديه نظرية مختلفة كثيرًا، إذ يقول: «أنا باهتم جدًا بتعليم البنات عشان البنت المتعلمة بتساعد جوزها وربنا بيرزقها بعريس متعلم يصونها، ولكن الذكور لو اتعلم صنعة بينفع بيها نفسه أو بيسافر للخارج فمش هاتفرق الموضوع كله ليه واحدة وبيصرف على البيت». «إحنا في العيش بنعتمد على شكارتين الدقيق اللى بنصرفهم من التموين وبنحاول نشترى شكارتين يكفونا الشهر، واللحمة بنعتمد على الطيور اللى بنربيها في البيت، طول الشهر ولو اشترينا لحمة مرة في الشهر بنبوس إيدينا وش وضهر، وباقى الاحتياجات اللى بيحتجها البيت بنجيبها من البقال شكك وفى آخر الشهر بندفعها والأولاد بيحاولوا يشتغلوا علشان يساعدوا في مصارف البيت».. هكذا روى عم جمال وضعه الاقتصادى شهريًا.