فارق كبير بين الحديث في البرلمان، والحديث في المسجد، في البرلمان يتحدثون باسم الذين انتخبوهم ومنحوهم ثقتهم، في المسجد يتحدثون بكلام من عند الله ويعلمون الناس دينهم من فقه وتشريع وأخلاق، في البرلمان تحكمهم نصوص اللائحة، بينما في المسجد يحكمهم النصوص الدينية وهناك فارق بين رجل السياسة ورجل الدعوة، ومنذ اللحظات الأولي في جلسات المجلس رأينا محاولات الخلط بين الاثنين، نائب يخرج عن اللائحة ويتلوا القسم أن يحافظ علي النظام الجمهوري وأن يحترم الدستور، ثم يتفزلك ويخرج عن النص المكتوب ويضيف قائلاً: «بما لا يخالف شريعة الله» ولم يكن يدري ويعلم أن المادة الثانية من الدستور والإعلان الدستوري تنص علي أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع». المتابع للجلسات يري أن هناك نواباً أكثرهم لا يعلمون الفرق بين مبدأ الفصل بين السلطات والفصل بين البصل والطماطم في السلطات - بفتح السين - ورغم مأساوية أحداث بورسعيد الجسام والحزن الذي غلف قلوبنا سمعت توصية كوميدية من رئيس لجنة الشباب في مجلس الشعب في جلسته الطارئة عن أحداث مباراة المصري والأهلي حيث طالب رئيس اللجنة في توصياته المذاعة علي الهواء مباشرة ويراها ملايين داخل مصر وخارجها بإقالة النائب العام، كان عليه أن يراجع نفسه قليلاً ويقرأ الدستور والمبادئ الدستورية المعمول بها في دول العالم أجمع ويطالع القانون الدستوري حتي يعلم ويتعلم أنه ليس من حق السلطة التشريعية ورئيس اللجنة جزءاً من هذه السلطة أن تتدخل في السلطة القضائية سواء بالتعيين أو الإقالة، فالذي يعين النائب العام هو المجلس الأعلي للقضاء ولا تملك السلطة التشريعية الممثلة في مجلس الشعب ولا السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية - وحالياً المجلس الأعلي للقوات المسلحة - حق إقالته النائب العام. الغريب أن الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب لم ينتبه إلي هذا الكلام الخطير الذي أطاح بمبدأ الفصل بين السلطات فإن كان رئيس المجلس يعلم ولم ينبه رئيس لجنة الشباب وهو من الحزب الذي ينتمي إليه فهي مصيبة برلمانية وإن كان لا يعلم فهي كارثة علي مسمع من العالم، وتؤكد أن مجلسنا الموقر الجديد لا يعرف الفرق بين مبدأ فصل السلطات والفصل بين سلطات الطماطم وبابا غنوج والزبادي، وإن دل هذا كله علي شيء فإنما يدل علي أن هذا المجلس لا يضم سوي قلة من الكفاءات البرلمانية والسياسية من أمثال د. عصام العريان وأبوالعز الحريري ومحمد عصمت السادات ود. عمرو حمزاوي ود. عمرو الشوبكي ومحمد السعيد إدريس ود. عماد جاد وأمين إسكندر ود. محمود السقا وعصام سلطان والبدري فرغلي ود. محمد البلتاجي ومصطفي بكري وحسين إبراهيم وجمال حشمت وغيرهم من النواب الذين تمرسوا الحياة البرلمانية والسياسية. لقد شعرت منذ اللحظات الأولي بخيبة أمل في المجلس الذي جاء بانتخابات ديمقراطية حرة بل إنه يكاد يكون مسرحاً كوميدياً أكثر منه برلماناً يمتلك الفكر والخيال، واللوم كل اللوم علي حزب «الحرية والعدالة» الذي كان يجب عليه وهو حزب الأغلبية أن يضع علي قوائمه كفاءات برلمانية وقانونية، خصوصاً أن الحزب به كفاءات كثيرة وحتي لو كانت من الأحزاب المتحالفة معه لكن البرجماتية الإخوانية لا يعنيها سوي مصلحة الجماعة فقط، وأخشي ما أخشاه أن يدير مكتب الإرشاد منصة المجلس ولجانه التي يرأسها نواب من الجماعة التي لا تؤمن إلا بمبدأ السمع والطاعة. بث الجلسات علي الهواء مباشرة كشف المجلس وكفاءة أعضائه مما جعل الدكتور الكتاتني يسارع بإلغاء البث التليفزيوني المباشر، ويبدو أن الرجل يسير علي درب الحزب الوطني الفاسد حتي لا تنكشف هزلية المجلس لكنه تراجع أمام رفض النواب الكاسح، وأظن أن الرفض كان وليد اللحظة. مازال أمام المجلس وأعضائه مشوار طويل، نتمني لهم أن يذاكروا ويتعلموا ويناقشوا، وهذا ما ننشده في برلمان الثورة مع احترامي لصناديق الاقترع ونتائجها.. حقاً هم يضحك.