لم يخطر ببال اباطرة المال والسياسة في نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ان يأتي اليوم الذي يحاسبون فيه علي خطاياهم التي ارتكبوها في حق الشعب ، لم يتخيل كل من حسني مبارك و زوجته سوزان ونجله جمال وصفوت الشريف وفتحي سرور واحمد عز ووزراء حكومة نظيف وغيرهم ممن اصابوا الحياة السياسية بالشلل ونهبوا اموال الغلابة ان يثور الشعب يوما ما وان يتحول الي تسونامي جديد يسحقهم سحقا.هكذا وبعد ان بدأت الثورة تؤتي ثمارها ، وجب علينا ان نفتح ملفات الفساد الذي حدث في عهد مبارك وطال السلطتين التشريعية والتنفيذية. ربما لا يعلم البعض ان الدستور الذي تلاعب به مبارك واعوانه طوال السنوات الماضية قد وضع قيودا علي قدرة البرلمان الرقابي فبقراءة سريعة لمواد الدستور، يتضح لنا أن المادة 115 منه تنص علي أنه لا يجوز لمجلس الشعب أن يعدل مشروع الموازنة إلا بموافقة الحكومة، كما أن المجلس لا يقر ببيان الحكومة وفقاً لنص المادة 133 ، وبشكل واضح تحدد المادتان 137، 138 أن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية وهو الذي يضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع مجلس الوزراء ويشرف علي تنفيذها، وبرغم أن المادة 81 من الدستور تنص علي أن مجلس الشعب يتولي سلطة التشريع فإن الواقع يشير إلي عكس ذلك، نتيجة هيمنة السلطة التنفيذية ، مما جعل الدور التشريعي بأكمله يدخل ضمن اختصاصات الحكومة أيضاً. أما الدور الرقابي للسلطة التشريعية علي نظيرتها التنفيذية فقد تم تقيده تماماً ، فعلي سبيل المثال المادة 127 من الدستور الخاصة بتقرير مسئولية رئيس مجلس الوزراء فإذا قرر المجلس المسئولية يرفع تقريرا بذلك لرئيس الجمهورية ولرئيس الجمهورية أن يرد التقرير إلي المجلس خلال عشرة أيام فإذا عاد المجلس إلي إقراره من جديد يتم وقف جلسات المجلس ويعرض الرئيس النزاع علي الاستفتاء وإذ جاء الاستفتاء لصالح الحكومة يحل مجلس الشعب بمعني أدق إن المجلس مهدد بالحل إذا لجأ إلي تقرير مسئولية رئيس الوزراء ويعاقب المجلس بوقف جلساته والتهديد بحله . ويوضح هذا النص السبب في عدم قيام المجلس بأي إجراء إزاء وقائع الفساد التي أتهم فيها مسئولين ووزراء. صلاحيات الرئيس وتشير دراسة اجريت في اعقاب الانتخابات البرلمانية الاخيرة إلي أن من مجموع خمس وخمسين مادة في الدستور تتضمن صلاحيات أو سلطات أختص رئيس الجمهورية بحوالي 35 صلاحية بما نسبته63 % من إجمالي الصلاحيات والسلطات مع العلم ان رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية بينما ترك للسلطة التشريعية بمجلسيها ( الشعب والشوري ) 14 صلاحية. من ناحية اخري استمرت هيمنة الحزب الوطني وحكومته علي جميع القوانين والتشريعات التي ناقشها البرلمان ، و شهد عام 2010 باعتباره الفصل التشريعي الاخير من برلمان 2005 تمرير اكبر عدد من القوانين والتعديلات التشريعية خلال 5 سنوات الذي اقر 35 مشروع قانون و105 مشروعات قوانين مالية وحسابات ختامية للموازنات و94 اقتراحا بمشروع قانون " الا ان غالبية تلك القوانين تم تمريرها علي مقاس حكومات الحزب الوطني ورجال اعماله منها مثلا قانون الاثار، تمديد حالة الطوارئ، وقوانين الضريبة العقارية والتأمينات والمعاشات ، الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، الرسوم القضائية ، وتعديلات قانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وغيرها من القوانين التي لم تخدم سوي المنتفعين من النظام تقارير المركزي للمحاسبات ظل مصير هذه التقارير " معروفا " هو ادراج مكتبة المجلس حيث يتم وأدها ولا عزاء للسادة أعضاء المجلس الموقر خاصة إذا علمنا أنه إذا أراد عضو من المعارضة الاطلاع علي تقارير الجهاز كان لابد أن يحصل علي إذن مكتوب من رئيس المجلس . .. كما كانت هناك نقاط " حمراء " حيث لا يجوز للعضو سوي تصوير 20 ورقة فقط من كل تقرير يطلع عليه. ، وفي المقابل كان الجهاز المركزي للمحاسبات يواصل كشف الفساد والمفسدين حتي ان اخر تقارير النيابة الادارية في عهد مبارك تحدثت عن قضية فساد كل 60 ثانية ، كما ان الجهاز المركزي للمحاسبات يقدم لمجلس الشعب 120 تقريرا سنويا عن وقائع فساد واهدار للمال العام ، دفنت كلها في مقبرة فتحي سرور. محاكمة الوزراء لم تمر دورة برلمانية او فصل تشريعي الا وتقدم نواب من المعارضة بمشروعات قوانين لمحاكمة الوزراء وكبار المسئولين بالدولة ، كان اخرها مشروع القانون الذي تقدم به نائبان بمجلس الشعب في برلمان 2005 ، لمحاكمة الوزراء بعد سلسلة من الكوارث التي راح ضحيتها الآلاف من المصريين ولم يحاكم أي وزير منها كفضيحة هايدلينا وكارثة عبارة السلام 98 وسقوط ضحايا يومية نتيجة أزمات الخبز. وجاء مشروع القانون معتمدا علي النص الدستوري في المادتين 159 و160 الذي يحتم وجود قانون لمحاكمة الوزراء ونص علي الإجراءات بل إن المادة 243 من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب تتضمن تنظيم لكيفية المحاكمة لكن هذا ايضا لم ير النور وكانت اقترحات النواب دائما ما تقابل برفض قاطع من قبل نواب الاغلبية ، كل ذلك وغيره هو الذي خلق حالة الاحتقان التي فجرت ثورة 25 يناير المجيدة ، وفي هذا الصدد نشير الي المشهد الاخير لبرلمان 2005 عندما التف عشرات النواب من الحزب الوطني حول الدكتور فتحي سرور اثناء خروجه من احد ابواب القاعة الكبري لمجلس الشعب يتسابقون لتهنئته بانتهاء الدورة البرلمانية .ثم يخترقهم كل من الدكتور سعد الكتاتني رئيس كتلة نواب جماعة الاخوان ونائبه حسين ابراهيم المتحدث بأسم نواب الكتلة لمصافحة الدكتور سرور الذي داعب الثاني قائلا له " هتوحشنا يا حسين " فرد عليه حسين ابراهيم مازحا" انتوا اللي هتوحشونا ياريس".