الثورة تغيير لا إصلاح وإسقاط لنظام فاسد واستبداله بنظام جدى يعيد بناء الدولة، وعندما قامت ثورة 25 يناير 2011 استبشر المصريون وارتفعت طموحاتهم لعنان السماء وتصوروا أن زمن نظام مبارك قد ولا وانتهى وآن أوان التغيير قد حل، خاصة بعد دخول المجلس العسكرى إلى جانب الثوار وإعلانه المساندة الكاملة لهم وقتها، لكن وبعد عام من قيام هذه الثورة يسأل المصريون أنفسهم: ماذا جرى؟ هل تغير شىء فى مصر قبل الثورة وبعدها؟ بالطبع هناك إحساس عام بخيبة الأمل، ورويداً رويداً يتحول حلم المصريين إلى كابوس وتضيع ثورتهم، ويطل الأبالسة برءوسهم من نوافذ الخسة والنذالة لشغل الناس بالفتن، كل الشواهد تؤكد أن الدوران فى المحل هو سنة تلك المرحلة العصيبة التى مرت ولاتزال تمر بها مصر، وأنها محكومة بنفس آليات التفكير والتخطيط والإدارة التى كانت متبعة فى عصر نظام مبارك، القوانين نفسها التى كانت تجهز فى مطابخ سرية ثم تخرج فجأة ليجبر الشعب على تقبلها وهضمها، الحوارات نفسها عديمة الجدوى كانت تعقد ويكثر حولها الجدل بينما النتيجة أصفار تضاف إلى أصفار، القيادات نفسها التى كانت تظهر فجأة وتختفى فجأة دون أن يعرف أحد لماذا ظهرت ولماذا اختفت، الغموض نفسه الذى أدى لولادة محافظتين دون سابق إنذار قبل الثورة ثم اختفاؤهما بعد الثورة دون سابق إنذار أيضاً، والأخطر من كل ذلك أن القانون لايزال يفعل على الضعفاء بحزم وحسم، بينما بطىء أعرج إذا طبق على أصحاب النفوذ والجاه، وهنا مكمن الخطر لأن هيبة الدولة من احترام القانون وتفشى الإحساس بالظلم يقوى الجرأة على الحق والتمرد المطلق ونشر الفوضى، وفى يقينى أن تزايد الاحتجاجات والاعتصامات الفئوية مؤخراً راجع إلى إحساس الناس بغياب العدالة وتعطيل القانون، وحصول البعض على ميزات مادية ومعنوية ليست من حقهم وفقدان البعض لما يجب أن يستحقوه، أكثر ما يدهشنى استمرار المظاهرات فى الشوارع احتجاجاً على عدم محاكمة من قتلوا المتظاهرين، وهل تنفيذ القصاص يحتاج إلى مظاهرات؟ أليس من قتل يقتل؟ هل مبارك ونظامه أهم من مصر ومن القانون؟ ثم أين قضية موقعة الجمل؟ ولماذا اختفى الكلام عنها فجأة؟ وكذلك أدهشنى كثيراً ما أعلنه فضيلة شيخ الأزهر الجليل منذ شهور، من ضرورة التسامح مع مبارك والرحمة به عند تنفيذ القانون عليه، لأنه أعطى الكثير لمصر، ولا أعرف كيف لشيخ الأزهر أن ينسى قول الله تعالى: «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب»، وقوله تعالى: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب بالميزان ليقوم الناس بالقسط» لا أعرف كيف ينسى فضيلته ما أوصى به عمر رضى الله عنه أحدهم عندما قال: «أوصيك أن تخشى الله فى الناس ولا تخشى الناس فى الله»، إن عدل الحاكم يبعث على طاعته وتأمين سلطانه وليس أسرع فى خراب الأرض وأفسد لضمائر الخلق من الظلم والجور، وقد روى عن النبى الكريم أنه قال: «بئس الزاد إلى الميعاد العدوان على العباد» ومبارك ونظامه جرفوا قلوب الناس من طاعتهم واحترامهم من فرط سوء أعمالهم التى سلطت عليهم وجعلتهم فى نهاية المطاف عبرة لمن يعتبر، والرحمة لا تصح إلا على من وعى قيمة الرحمة، من أخطأ وتجاوز ينبغى محاسبته، لا فرق فى ذلك بين غنى أو فقير، بين أمير وخفير بين أمين شرطة ووزير، بين مرءوس ورئيس، الكل أمام القانون سواء والمراوغة فى تطبيق القانون دليل على استمرار النظام السابق حياً، وسبب فى تواصل المظاهرات المليونية التى لم ولن تنتهى طالما بقيت الحقوق ضائعة، فيا كل من اؤتمن على مصر وشرّف بأن يتولى مقاليدها أرجوكم، أرجوكم، تذكروا أن العدل نور والظلمة ظلمة، والعدالة البطيئة ستعرض مصر كلها للفوضى، ومصر الآن فى خطر، فإما اعتدلتم وإما اعتزلتم.