اسودت الدنيا فى عينيها الصغيرتين وكل أحلامها ذهبت فى مهب الريح.. أيام جميلة عصفت فى ذهنها.. وذكرياتها مع حبيبها مرت أمامها وكأنها شريط سينمائى لم تقو على تقبل فكرة أن كل السبل بينها وبين حبيبها قد انقطعت وأنه على كل منهما البحث عن شريك حياة آخر. «هالة» فتاة فى مقتبل العمر، لم تكمل عامها العشرين بعد، تعيش حياه عادية جداً لا تعرف شيئاً عن الحب كانت كل ما تهتم به دراستها وأهل منزلها، رغم أنها تتمتع بقدر عال من الجمال جعل الجميع يلتفت إليها، فمنذ الصغر وهى حديث الشباب فى منطقتها عن جمالها الفتان، والكل يريد أن يفوز بحبها وقلبها، كان الجميع يحاول أن يقترب منها ويتودد إليها إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، حتى جاء «سعيد» الذى يسكن فى العقار المواجه بالعمرانية، وأعجب بها ليصارحها بحبه لها تمنعت فى البداية إلى أن بدأت تتحرك مشاعرها وبدأت تحلم به كفارس أحلاهما الذى يخطفها على حصانه الأبيض لتعيش عمرها معه ليكون زوجها وسندها فى الحياة، لم يكف الشاب الوسيم عن محاولاته حتى نجح فى امتلاك مشاعرها، وتغيرت فجأة ووافقت وأحبته من كل قلبها. «هالة وسعيد» اسمين يعرفهما الجميع جيداً، كل أبناء حى العمرانية يعلمان قصة حبهما، فقد ذاع صيتهما، وكانت قصة حبهما مثل الأفلام السينمائية القديمة تتسم بهدوء الشكل وسخونة المشاعر.. مرت الأيام بينهما لم يتوقع أى منهما أن تكون نهايتهما مأساوية، فقد خططا جيداً لمستقبلهما ونسج خيوطه من وحى خيالهما البرىء قبل أن يصطدما بأرض الواقع، فقد كان يعوضها عن الحنان التى تفتقده، ترى فيه الأب والأخ والحبيب، وبدأت تكبر يوماً بعد يوم إلى أن فكرا فى الزواج وطلبت منه أن يأتى إلى والدها ليطلبها منه ويصبح الارتباط رسمياً أمام العائلة، وفعل ما أرادت فرفض الأب فى البداية بسبب صغر سنها فدخلت «هالة» فى حالة شديدة من الاكتئاب حتى تراجع الأب فى القرار الذى اتخذه فطلب من ابنته أن يأتى سعيد للجلوس معه من أجل الموافقة المبدائية عليه، وأثناء جلسة التعارف أعجب الأب بأسلوب وطريقة حديث من اختارته ابنته لكنه لم يقتنع به لعدم امتلاكه لوظيفة مرموقة توفر حياة كريمة لابنته وأنهى جلسته معه بمقولة نحن نوافق مبدئياً على طلب ولكن كل شىء نصيب. لم تقتنع الفتاة بوجهة نظر والدها الذى نصحها بالابتعاد عنه حتى تستقيم حياتها وظلت تهاتف حبيبها وعندما يئست من حياتها فكرت فى الانتحار بقطع شرايين يدها وتم إنقاذها، وبعد أن علم سعيد بمحاولتها عاد ليحادثها حتى اطمأن عليها وبعد عدة أيام أخبرها بأنه عليهما إنهاء علاقتهما فهو يجهز أوراق سفره للعمل بإحدى دول الخليج ولن يجعلها والدها تنتظره حتى العودة، فأغلقت هاتفها بعد أن سمعت كلماته التى كانت بمثابة النفس الأخير لها، ولم تجد سوى كتابة رسالة صغيرة لوالدها تؤكد فيها أنها كانت تريد الحياة مع حبيبها ولكنه السبب، كما تؤكد حبها لكل أفراد أسرتها الصغير حتى والدها، وأنهت سطورها بكلمات نابعة من القلب لحبيبها، قامت بإلقاء نفسها لتسقط بالشارع غارقة فى بركة من دمائها فى نفس الوقت كان يجلس أهلها بالمنزل لم يعرفوا شيئاً جلسوا يتسامرون ويضحكون ولم يعلموا أن ابنتهم تخطط لموتها.. طرقات شديدة على باب منزلهم خلعت قلوبهم من مكانها.. هرول الأب لفتح الباب.. وجد عدداً من الجيران وقد بدا الحزن على وجوههم.. سأل الأب ماذا جرى؟ وفى صوت ملىء بالحزن.. ابنتك ألقت بنفسها من البلكونة وغارقة فى دمائها فى الشارع... لم يدر الأب كيف قطع درجات السلم.. نزل واحتضن ابنته.. الدماء أغرقت ملابسه ووجهه.. قبلاته لامست وجهها ربما يكون من بينها قبلة الحياة.. صوته الباقى يقول: أفيقى يا ابنتى عودى الى الحياة.. سوف أزوجك سعيد لا تموتى.. ولكن نظرة أخيرة اخترقت وجه الأب وبعدها أغلقت هالة عينيها ولكن هذه المرة إلى الأبد.. ماتت هالة حباً وخوفاً وهرباً من الحياة لم يستطع قلبها الصغير أن يتحمل لوعة فراق الحبيب.. أمسك الأب برسالتها ومسحت بعض كلماتها دموعه.. وكان يقف أمامه سعيد. سلمها له وذهب ليدفن ابنته.