لواء فؤاد علام: وزارة الصحة هى المسئولة.. ولا ولاية ل «الداخلية» عليها تزايدت خلال الفترة الأخيرة نسبة تعاطى الإدمان فى مصر بين الشباب، وهو ما يشير لكارثة حقيقية لأجيال أطاحوا بمستقبلهم مقابل المواد المخدرة اعتقاداً منهم بأنها تجعلهم يعيشون فى عالم آخر غير واقعهم المرير، أسباب عديدة قد تكون دوافع الشباب للجوء لمثل هذه المواد المخدرة سواء أكانت بسبب البطالة، أو المشكلات الأسرية، أو فشله فى حياته العاطفية. وطبقاً لآخر إحصائيات صندوق مكافحة الإدمان، فإن نسبة الإدمان فى مصر تبلغ 2. 4%، ونسبة التعاطى 10%، وهى تتعدى نسبة التعاطى العالمية التى تسجل 5% مما يشكل قلقاً كبيراً. وأظهرت الدراسات أن هناك تدنياً لشكل التعاطى، حيث يبدأ الشباب فى مرحلة التعاطى من عمر 11 عاماً، وهو ما يثبت تراجع دور الأسرة. وتبين أن 58% من المدمنين يعيشون مع أسرهم بشكل طبيعى دون مشكلات، كما كنا نتخيل الأمر من قبل، مما يدل على تراجع دور الأسرة بشكل كبير.. فتواجد الأب والأم مع أبنائهما ما هو إلا تواجد جسدى وليس تفعيلاً لدورهما التربوى واحتوائهما النفسى. وأشارت إحصائيات الصندوق إلى أن «الترامادول» احتل المركز الأول فى الانتشار بين المدمنين، ووصلت إلى 51% من نسبة المدمنين. أما الحشيش وهو رقم واحد بين المتعاطين، فضلاً عن بعض الفئات المجتمعية يعانون من انتشار حقيقى للمخدرات فيما بينهم، وهم فئة السائقين المهنيين والحرفيين، إذ انتشرت المخدرات بين السائقين بنسبة 24%، والحرفيين 19% من نسبة المدمنين فى مصر. وطبقاً للأرقام التى ذكرها صندوق مكافحة الإدمان، فإن نسبة استخدام المخدرات فى مصر تبلغ 20٫6٪، يعنى أكثر من خُمس الشعب المصرى تعامل مع المخدرات، سواء مرة واحدة أو أكثر فى حياته «استخدام تجريبى»، أو على فترات متقطعة فى المناسبات، كالأعياد والأفراح «استخدام ترويحى»، أو بصورة منتظمة لكن أقل من سنة، ويمكنه التحكم فى الإقلاع عنها، أو بصورة منتظمة ولا يستطيع التحكم فى الإقلاع عنها «استخدام إدمانى».. كما أكد بعض الدراسات أن 60٪ من متعاطى المخدرات من الطبقة الفقيرة، و39٪ من الطبقة المتوسطة، و1٪ من الطبقة الغنية. ومما سبق تزايدت حدة انتشار مراكز علاج الإدمان فى بعض المناطق النائية فى القاهرةوالجيزة، وتوصلت «الوفد» لأحد المراكز فى منطقة بنى يوسف بالهرم فى الجيزة، وهو عبارة عن مبنى مسلح مكون من 4 طوابق، وسط مساحات من الأراضى الزراعية، ومن أمامه طريق تملؤه الأتربة، يبتعد عن مساكن المنطقة أمتاراً قليلة. عشرات القاطنين بالمنطقة لا يعلمون عنه الكثير سوى أنه مبنى سكنى رغم كونه مركزاً لعلاج الإدمان، فيما أشار بعض الأهالى الآخرين إلى أنه رغم كونه مركزاً لعلاج الإدمان، إلا أن نشاطه لا يعلم عنه أحد شيئاً، فضلاً عن بعض ممارسات الشباب المدمنين داخل المركز فى الشوارع مما يشكل مصدر خوف للأهالى وأبنائهم. «الوفد» التقت عدداً من الأهالى الذين عبروا عن خوفهم من هذا المركز، وكانت البداية مع أحمد عبدالباسط، بائع جملة، فقال: «كان هناك شاب فى الثلاثين من عمره جاء لشراء بعض المستلزمات، ولكن حديثه كان غير مطمئن بالمرة، وعيناه كانت أشبه بأعين المدمنين، فضلاً عن ارتعاش جسده طوال وقوفه أمامى». وبعد شراء الشاب مستلزماته، تتبعه البائع فى الخطوات حتى ما إن وصل للمبنى ليرى البائع العشرات من الشباب يلهون بشكل غير طبيعى، فضلاً عن ألفاظهم النابية، ووجوههم المرعبة، وعاد البائع وهو فى حالة ذهول، متسائلاً: «من هؤلاء وماذا يفعلون هنا؟». ظل البائع فى بحثه ومراقبته المبنى حتى علم أنه مركز لعلاج الإدمان مجهول المصدر، وذلك بمعاونة أحد الأهالى معه يدعى الشيخ بدر الجعفرى، نائب عمومية الطريقة الرفاعية، وأحد سكان المنطقة، وقال: «ما حدش عارف حاجة عن المركز ده، ولا عارفين تابع لإيه، والشباب اللى جوه دول بيجوبهم منين، وأنا مثل غيرى من أهالى المنطقة نخشى من خطورة وجود مثل هذا المركز على المنطقة وشبابها وفتياتها». وأضاف: «خروج المدمنين بمثل هذه الطريقة على أهالى المنطقة أمر فى غاية الخطورة أيضاً، فقد يتعرض أحد المدمنين لإحدى الفتيات أو الشباب وهو لا يعلم ولا يدرى ماذا يفعل، لأنه مغيب العقل». حيلة صحفية لجأ لها محرر «الوفد»، وادعى إدمانه المخدرات، للكشف عن العالم الخفى وراء هذا المركز، وللتأكد من صحة ما أشار إليه الأهالى من أن المركز رغم كونه مركزاً لعلاج الإدمان، إلا إنه من الداخل صرح كبير لتعاطى المخدرات. ففى البداية استوقف المحرر أثناء دخوله المركز شاباً ذا بُنيان جسمانى قوى، وسأله عن هويته، فقاله له المحرر: «أنا من سكان حلوان وعاوز أتعالج عندكم، سمعت عنكم خير، ومش عاوز حد من أسرتى أو قرايبى يعرفوا عنى حاجة». ورحب الشاب الذى اتضح بعد ذلك أنه من أفراد أمن المبنى، والتقى محرر «الوفد» شاباً آخر داخل المركز يدعى «حمادة» ويعمل إدارياً، وفور علمه بوجود مدمن ويريد العلاج، أجرى اتصالاً هاتفياً وقال: «تعالى يا دكتور ده مش من الصحة ده مدمن وعاوز يتعالج». دقائق معدودة حاول فيها محرر «الوفد» إظهار علامات الإدمان، والحديث بشكل غير منضبط، فضلاً عن وضع يده على أنفه بشكل مستمر، كما يفعل المدمنون، وجاء الطبيب المختص بالمبنى لتشخيص الحالة. الغريب أن الطبيب يبدو وجهه شاحباً، وتظهر هالات سوداء أسفل عينيه، وعلامات الإجهاد انعكست على جسده النحيل وحديثه العشوائى، والذى ينم عن جهله العلمى، وقال: «إنت بقى يا شمام نظامك إيه، بتتعاطى من إمتى؟»، كلمات ساخرة وأسلوب فيه بعض الشىء من إهانة الكرامة للمدمنين يحاول من خلاله الطبيب معرفه شخصية المدمن المقبل عليه. «بطاقتك فين».. هكذا سأل الطبيب محرر «الوفد»، ليجيب عليه قائلاً: «وقعت منى ومش عارف أطلع غيرها وخايف أروح قسم شرطة أتكشف علشان مدمن»، ليرد الطبيب قائلاً: «ولا يهمك يا باشا البيت بيتك». وعاد «حمادة» الإدارى مرة أخرى ليستدل عن اسم «المحرر». وأثناء حديثه قال إن عدداً كبيراً من المدمنين فى المبنى ليست لهم هوية معروفة، ولا يعلمون عنهم شيئاً. وعن كيفية الحصول على رسوم إقامتهم فى المبنى ومصاريف العلاج، قال: «بناخد كل اللى معاه، وبندخله غرفته نظيف من جميع متعلقاته». أصوات السباب والشتائم تعلو شيئاً فشيئاً، ووجوه شيطانية تشكلت على أجساد شباب أعمارهم ما بين 20 و30 عاماً، وآخرون يصرخون من آلام اقتراب ميعاد الجرعة الخاصة بهم. مشاهد نرصدها كلما اقتربت من غرف نوم المدمنين فى الطابقين الثانى والثالث، والتقى محرر «الوفد» مع أحد المدمنين والذى حاول جاهداً أن يتذكر اسمه ثم قال: «اسمى زكى، وجيت هنا من 5 شهور، وكان نفسى أتعالج من الإدمان بس للأسف أنا أدمنت أكتر هنا فى المبنى ده، أنا كنت بتعاطى تامول فى الأول بس دلوقتى بقيت مدمن حقن ماكس». وحول الرسوم التى دفعها قال: «من 8 آلاف إلى 15 ألفاً على حسب تشخيص الطبيب للحالة، وما فيش أى ورق بتمضى عليه إنت تدفع وخلاص». وأضاف: «اوعى تعمل حاجة غلط فى المركز أو تطلع بره من غير إذنهم، دول يضربوك زى ما بيضربوا غيرك هنا لو حبوا يهربوا أو يخرجوا من غير علمهم». يلتفت المدمن يميناً ويساراً خشية أن يراه أحد من العاملين فى المركز، ثم عاود حديثة قائلاً: «نفسى حد من الداخلية أو وزارة الصحة ييجوا هنا يخلصوا الشباب المسجونين عندهم، أنا كنت فاكر إنى هادخل هنا هتعالج من الإدمان بس أدمنت أكتر وأكتر». من جانبها قالت الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس: «إن مراكز علاج الإدمان مجهولة الهوية تشكل خطراً كبيراً على الشباب المدمنين الذين يرغبون فى العلاج»، مشيرة إلى أن طريقة المعاملة فى مثل هذه المراكز من وحشية وعدم اتباع الأسلوب العلمى فى العلاج يزيد من حالاتهم فى التعاطي والإدمان. وأضافت عيسوى ل «الوفد» أن الشباب داخل المبنى سيكون لديهم سلوك عدوانى فور خروجهم من المبنى، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع الخارج.. وطالبت الجهات المسئولة بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال هذا المبنى للتأكد من مصدره والتعامل مع القائمين عليه. وقال اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق: «إن وزارة الصحة هى المسئولة عن انتشار ومراقبة مثل هذه المراكز»، مشيراً إلى أن دور وزارة الداخلية يقتصر على الحالات المتضررة فى المبنى أو ذويهم فى الخارج وتسجيل محاضر رسمية عما تعرضوا لحالات نصب، وهنا فقط يكون لوزارة الداخلية دور فى ضبط هذه المخالفات فى الحال.