«تروح بيتك وماتخرجش منه لمدة أسبوع». د.خالد السياجى، طبيب الأمراض النفسية والإدمان، يوجه العبارة بلهجة آمرة شديدة الحدة إلى شاب فى أواخر العشرينيات، يبدو عليه الهزال الشديد ويتسند على كتف أمه. يكمل د.خالد: «حاعملك تحليل بول بعد ما الأسبوع يعدى، لو لقيت أثر لأى حاجة مش حتدخل هنا تانى». يخرج د.خالد من مبنى المصحة إلى حديقة المستشفى، متجها إلى نفر يجلسون فى دائرة ويتبادلون أطراف الحديث. هم مجموعة من المتعافين من الإدمان فى اجتماعهم اليومى لمناقشة تطور حالاتهم عبر جلسة النقاش الجماعى. مستشفى المطار هو المستشفى الحكومى الوحيد فى مصر الذى يعالج الإدمان كتخصص رئيسى. وتم إغلاق مبنى المستشفى ووضعه تحت الحجر الصحى فى أوائل يونيو بسبب اشتباه فى إصابة حالات داخله بإنفلونزا الخنازير. نقل المستشفى نشاطه مؤقتا إلى أحد مبانى مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، إلى حين إجراء بعض التعديلات على مبنى المستشفى الرئيسى. جلسة نقاش جماعى كان أحد المدمنين المتعافين الجالسين منهمكا فى حلقة نقاش جماعية. خمسة من المتعافين من الإدمان تتراوح أعمارهم بين 23 و42 سنة. طالب لم يكمل تعليمه العالى، سمسار، مندوب مبيعات، حرفى زجاج، وسائس سيارات. أربعة منهم يعانون النحول الشديد بسبب السنوات التى قضوها مع الهيروين. أما سائس السيارات، فلم يخسر الكثير من بدانته بسبب إدمان الترامادول لمدة 9 سنين. يتحدثون بلسان واحد ويكمل كلامهم بعضا، على اختلاف حالاتهم ومستوياتهم المادية. يشعرون بألفة واتفاق تلقائى فيما بينهم، وكأنهم أعضاء فى حزب سياسى نشط يجمعهم حلم مشترك. يؤدون الصلوات جماعة، ويتقاسمون الطعام والسجائر وذكرياتهم مع المخدرات. والأهم أنهم يساندون بعضهم بعضا إن اشتدت على أحدهم الرغبة فى الحصول على جرعة مخدر، أو فكر فى ترك المصحة والعودة إلى الإدمان. عند دخول المدمن إلى المصحة يتعرض لفحص طبى شامل، تعقبه المرحلة الأولى والأصعب من العلاج، وهى مرحلة «الملاحظة» أو «الديتوكس» وهى كلمة إنجليزية معناها الحرفى «سحب السموم.» تتراوح الفترة بين 3 و10 أيام، والتى يعانى فيها المدمن من الأعراض الانسحابية للمخدر. «الموضوع مش زى الأفلام، المسألة أسهل شوية من اللى بتشوفه فى السينما». قال السمسار، «مش حتهرش كتير ولا تخبط دماغك فى الحيطة زى مابيحصل فى الأفلام». انسحاب المخدر من الجسم يؤدى لآلام شديدة، ووجع شديد فى عظام الجسم كله، وصداع وقىء واضطراب المعدة. إلا أن الألم يكون فى أكثر الأحوال داخليا ونفسيا من الرغبة الجارفة فى الحصول على المخدر. «أنا مرة شتمت د.خالد والأخصائية الاجتماعية رغم إنها واحدة ست»، يقولها السمسار. يشعر المدمن فى هذه الفترة بكراهية شديدة للطبيب ولكل من حوله، خاصة أنه يحاول أن يلقى باللوم على المجتمع أو الأسرة للتسبب فى إدمانه، محاولا التهرب من المسئولية. العلاقة بين الأطباء والمدمنين فى مرحلة انسحاب المخدر تكون كالوتر المشدود. على الطبيب أن يعلم المريض الانضباط، وفى ذات الوقت عليه تحمله إذا ثار وخرج عن أعصابه. ألم انسحاب المخدر «ممكن مريض يقولك، لو ما أخدتش المخدر دلوقتى حالا، أنا حاسيب المستشفى ومش راجع تانى»، يقولها د.خالد «لازم يفهم إنه مسئول عن نفسه وعن إدمانه، وإنه لو غير جاد فى الرغبة فى العلاج، فلازم يخرج علشان ما يأثرش على الباقى». «دلوقتى أنا فاهم إن د.خالد لما كان بيزعق لى أو يطردنى من مكتبه ويقول لى ما ترجعش غير لما تكون جد فى كلامك، كان كل دا فى مصلحتى» يقولها السمسار. يقول د.خالد إن المريض يتلقى مسكنات وأدوية مختلفة لمساعدته فى احتمال آلام الأعراض الانسحابية، وبعض المهدئات بنسب محسوبة لمساعدته على النوم. «أكتر حاجة بتوجع إنك تفتكر كنت بتعمل إيه أيام الإدمان». يقولها الحرفى، فالألم الأعظم فى مرحلة انسحاب المخدر هو اضطرار المدمن أن يفيق ويواجه الواقع ويتذكر ما كان يفعله أثناء الإدمان. يقول الحرفى «بدأت أفتكر أنا كنت باعمل إيه وأنا مدمن، بعت عفش البيت كله بالبوتاجاز والسخان والثلاجة بألفين جنيه علشان أجيب مخدر». يضيف آخر «مش بتفكر فى أى شىء ولا أى حاجة غير إزاى إنك تجيب المادة.» ويكمل الحرفى «شتمت مراتى وضربتها، نصبت، سرقت، مكنتش أعرف أى حاجة عن بنتى اللى مكملتش سنة، وفى الآخر بعت الشقة مش فاكر إزاى علشان كنت مزنوق فى ثمن المادة». يهز البعض رأسهم موافقة، ويقول مندوب المبيعات «كنت أكسب 200 جنيه فى اليوم تقريبا، أدى لمراتى 20 جنيه بالكتير، وأصرف الباقى كله على أنبولات النالوفين»، أحد مشتقات الهيروين. أما السمسار فيقول «لو بنتك محتاجة هدوم جديدة مثلا، تقول بكرة حاجيب لما يجيلى فلوس تانى، ويوم يجر يوم، وما تجيش حاجة أبدا، ماهى فلوسك خلصانة أول بأول على المادة». طريق المخدرات الصاعد «المخدرات سلم، لو طلعت أول سلمة، بتجيب آخر سلمة، تبدأ بالسجاير والشيشة، وبعد كدا سجاير البانجو والخمرة» يقولها الطالب. «تلاقى البانجو مابيعملش معاك حاجة بعد التعود عليه، وتشرب منه كتير لحد مايبقى مالوش أثر». وطلبا لمزيد من «الكيف» بدأ يجرب الحبوب المخدرة كالترامادول وحبوب الهلوسة، «لحد ماتزهق منهم فتطلب أكثر حاجة، الإنجيكشن»، يقصد حقن المواد المخدرة كالهيروين والماكستون فورت ومشتقاته. «أصل كيف الهيروين فى الشكة»، يقولها الحرفى بابتسامة واسعة تشى بتذكرة نشوة المخدر. تنبهه المجموعة أنه يقول «كلام سلبى»، فأحد شروط العلاج هو أن يتجنب المدمن الحديث عن ما يذكره بالمخدرات حتى لا يشعر بالشوق تجاهها. ويقول مندوب المبيعات، أنهم مازالوا فى مرحلة «المدمن المتوقف» وأن الشفاء الكامل لم يتم بعد، «يعنى لو خرجت بره ولقيت ديلر (بائع مخدرات) أو واحد بيتكلم عن المخدرات حتشعوذ وأرجع للإدمان تانى». تتفق معه المجموعة أن بين الفترة والأخرى «بيتشعوذوا على المادة»، فى تشبيه تلقائى دقيق للإدمان بالمس الشيطانى. «أنا عارف إنى حالة شاذة فى الإدمان». يقولها سائس السيارات. على عكس كل الآخرين الذين جربوا المخدرات لأول مرة فى سن صغيرة، بدأ هو الإدمان فى الثلاثين من عمره. «عمرى حتى مادخنت سيجارة، ومكنتش أعرف أى حاجة عن المخدرات». مر بأزمة عاطفية، فاستجاب لدعوة أحد أصدقائه بتجربة حبة ترامادول مخدرة على سبيل التجربة، علها تلهيه عن مشكلته. «تانى يوم رحت لصاحبى وطلب منه حبة تانية، وبعدها أدمنت». لم يجرب أى نوع آخر من المخدرات على الإطلاق، وإن ظل يتعاطى الترامادول بانتظام 9 سنوات، حتى ترك العمل وباع شقته ليجد ثمن المخدر. يقول السمسار إن الإدمان كان نتيجة تدليل أهله وكثرة ما بيده من مال، فى حين يرجع الآخرون إدمانهم إلى صحبة السوء. يتفقون على الشباب والصغار هم الأكثر عرضة للإدمان. والأهم أنهم يتفقون على أن الإدمان لعنة تصيب الفقير والغنى والطبيب والضابط والحرفى دون تمييز. يقول مندوب المبيعات «طلبت من واحد صاحبى صيدلى مواد مخدرة وكان بيرفض يديها لى، بعد كدا اكتشفت إن هو نفسه مدمن». سوق المخدرات الآن «المخدرات دلوقتى أرخص ومتوافرة أكتر». يتفقون على أنهم شهدوا انخفاضا غريبا فى أسعار المخدرات على مر سنين الإدمان، رغم غلاء كل شىء آخر. إضافة إلى ازدياد سهولة الحصول عليها فى السنين الآخيرة. «أنا بدأت الإدمان وأنا عندى 15 سنة بالحشيش، وكان أيامها المخدرات غالية جدا ومش سهل إنك تجيبها»، يقولها السمسار. سعر جرام الهيروين عام 1996 كان يتراوح بين 300 و500 جنيه، والحصول عليه صعب للغاية، أما الآن «فالجرام ممكن تشتريه بأقل من 100 جنيه، ده غير أنه متوافر فى كل حتة». قضى السمسار ما يزيد على 15 عاما فى إدمان جميع أصناف وأنواع المخدرات، ويؤكد أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تنويعات هائلة لم تكن متوافرة قبل ذلك. «دلوقتى بقى فيه هيروين 60% أو 70% حسب تركيز المادة الفعالة، ده غير آخر صنف اللى اسمه الكمبيوتر. أسمع إنه مركب من كذا مخدر، ونسبة كل مخدر محسوبة بالكمبيوتر. «أيامنا هنا روتينية وشبه بعض، لكن مستحملين». يقولها مندوب المبيعات. كلهم أتوا إلى المصحة متطوعين، بعد أن تسبب كل منهم فى سنوات من المعاناة لعائلته. «أهلى قالوا لى إحنا وقفنا جنبك مرة واتنين، شوف طريقك بقى بعيد عنا»، يقولها الطالب. المجموعة تمر بالمرحلة الثانية من العلاج، والتى تعقب مرحلة الملاحظة وانسحاب المخدر، وهى مرحلة «التأهيل»، التى يتم فيها إعداد المدمن المتعافى للخروج إلى المجتمع مرة أخرى. يمر فيها المدمن بعلاج فردى وجماعى مع زملائه لمدة 3 أشهر. العلاج فى المستشفى يكلف 300 جنيه شهريا. وتتولى عدد من الجهات الحكومية، كالخط الساخن، والجمعيات الأهلية والخيرية التكفل بالمبلغ إذا لم يكن المدمن قادرا على دفعه. جزء من التأهيل هو تعويد المدمن على مواعيد فى الأكل والنوم والاستيقاظ.. «أنا فاضل لى 58 يوما وأخرج من المصحة»، يقولها مندوب المبيعات، «بأعد المدة اللى فاضلة بالساعات، لكنى مستحمل علشان فعلا عايز أخف». يوم الأربعاء يشاهد المرضى أفلام السينما على شاشة عرض ضخمة، ويكافأ المنتظمون منهم بأشكال مختلفة. «د.خالد بعد ما كنت باشتمه ويطردنى، عمل معايا واجب كبير امبارح»، يقولها السمسار ويكمل الحكاية «أخذنى برة المستشفى واتفسحنا يوم كامل، وسفرنى أشوف أهلى ورجعت آخر النهار». ينتظر الجميع يوم خروجهم من المصحة بفارغ الصبر. عندها يبدأون مرحلة «المتاعبة» مع العيادات الخارجية للمستشفى، حيث يذهبون إلى العيادة يوميا لمدة 8 ساعات لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر حسب الحالة. يقول السمسار إنه إن سمع بنوع جديد من المخدرات فقد يتعاطاه لمرة واحدة على سبيل التجربة، فى حين يقول الحرفى إنه مازال يتشكك فى قدرته على مقاومة المخدر بعد خروجه من المصحة، «3 شهور فى المصحة مش حتوقف أثر 11 سنة إدمان». إلا أنهم عازمون على الذهاب للعيادات بعد الخروج يوميا، علهم يجدوا فيها ما يساعدهم على المقاومة. يقول السمسار إنه سيضطر إلى البحث عن مهنة أخرى، بعد أن فقد الناس الثقة فيه بسبب إدمانه، فى حين يؤمن الباقون أنهم قادرون على أن يجدوا فرصة عمل فى ذات المجالات. يلخص مندوب المبيعات وجهة نظره قائلا: «كل عيلة فى مصر فيها مدمن أو حتى حد قريب منهم مدمن، علشان كده الناس الفاهمة عندها استعداد للتسامح مع المدمن المتعافى، واللى مش عنده التسامح ده يبقى جاهل». رحلة شاب مع الموت معادى السرايات: أشجار عتيقة، وشوارع هادئة، والكورنيش القريب. الفيلا القديمة التى خصصتها مؤسسة الحرية لعلاج الإدمان وهى أحد المشروعات التى تقيمها الكنيسة الإنجيلية، لا تعطى الانطباع بأنها مصحة لعلاج مدمنى المخدرات. فى الصالة الفسيحة بالدور الأرضى يتجمع النزلاء حول طاولة البلياردو، أو أمام شاشات التليفزيون والكمبيوتر والبلاى ستيشن، فيما تأتى رائحة الشواء من حديقة الفيلا، لكن الشاب الذى يعمل بالتجارة كان يحكى قصة سقوطه فى الإدمان، دون أن يمنح انتباهه لكل ما يجرى حوله. «عندى 29 سنة، ضاعوا منى وضعت فيهم، راحت فلوسى كلها، وخسرت أهلى كلهم» يقولها الشاب وهو يشيح بوجهه الأسمر المجهد بعيدا،، ويحاول أن يخفى دموعه بدخان السجائر الكثيف الذى ينفثه بقوة. البداية تقليدية، أسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة، وحالة اقتصادية ممتازة، وشاب فى مقتبل العمر يعيش منفصلا عنهم فى شقة خاصة بعد موت والدته، التى كان مرتبطا بها بشدة» والدى تجوز على طول، لم أشعر بالأمان فعشت لوحدى». بدأت رحلته من الصف الأول الإعدادى «بسيجارة نظيفة» ثم بدأت السلسلة بالبانجو الحشيش والأفيون حتى الهيروين «كنت بصيف مع أصحابى، عزموا عليا وبدأت بسطريين». كان طموح الشاب أن يكون ضابط شرطة، وبالفعل تقدم بورقه معتمدا على واسطته الكبيرة «كنت داخل داخل، لكن يوم الاختبارات كنت ضارب، ونسيت أروح». «بدأت مع الهيروين، وبدأت أضاعف الكمية لحد ما بقيت دائما مسطول». ويشير إلى آثار حروق شديدة فى ذراعه ناتجة عن سقوط ماء النار عليه، «كنت حاسس إن لحمى بيتهرى، ومش قادر أعمل حاجة» ولم يذهب إلى المستشفى إلا فى اليوم الثانى، بعدما اكتشف زوجته ما حدث. لم يقتنع الشاب أبدا بأنه مدمن إلا بعد ست أشهر من تعاطى الهيروين، وتدرجيا فقد كل المشاعر والأحاسيس إلا احتياجه للبودرة «كل حاجة أمتلكها، كانت فى نظرى تساوى كام جرام بودرة، 400 جنية لا تكفى يوميا، محلاتى بقت فاضية، وفى الآخر بعتها». خلال رحلة الموت، وفى إحدى مراحلها باع أثاث شقته كاملا ببضع مئات من الجنيهات، لبائع روبابيكيا كان يمشى صدفة أمام العمارة «كنت مستعد أعمل أى حاجة بس أشم، افتكر إن الراجل ده بعد كده بقى يمشى ينادى باسمى بدل بيكيا». من المرات التى لا ينساها أثناء رحلة بحثه عن المخدرات، أنه سافر إلى الساحل الشمالى حيث يبيع الأعراب ما يحتاجه «بعد الكمين عينى عينك والشرطة عارفة». بعد رحلة طويلة لا يتذكر كيف قام بها خاصة بعد أن باع سيارته، وصل الثانية عشرة صباحا فلم يجد الديلر الذى ينهى عملة الثامنة مساء، انتظر فى الصحراء حتى الثانية صباحا وطال الانتظار واشتدت قسوته بعد زوال تأثير الأفيون الذى يأخذه كبديل مؤقت. يغمض عينيه وتسرى رجفة بسيطة فى يده، وهو يقول»جريت على بيوت الأعراب وفضلت أخبط على الأبواب، طلعوا عليا بالسلاح، فهربت للصحراء» بعد المطاردة قضى الساعات الباقية على الفجر قرب الطريق السريع حتى يأخذ مواصلة أخرى لمكان آخر ليحصل على ضالته. موعد مع الحياة شعور بالذل، وحياة بطعم الموت فى كل مرة يخاطر فيها بالسفر إلى أى مكان للحصول على المخدر، الخطر يحيط به سواء من التاجر أو من الشرطة أو الخوف إذا لم ينجح فى الحصول على الخدر، أو الموت من جرعة زائدة تعرض له فعلا أكثر من مرة، كل هذا دفعه أن يأخذ قرارا بالعلاج. «نفسى أبطل ومش قادر أعيش من غير البودرة» دخل ثمانى مصحات مختلفة وفشل «بيعاملونا كأننا مصدر للفلوس وبس» طريقة المعاملة لم تتغير فى كل المصحات التى دخلها، شهر يعيشه محبوس فى غرفة، يكون أشبة بالمذنب ولهذا لجأ أن يعالج نفسه بكل الطرق سواء الحبس فى المنزل، أو الاعتكاف فى الجامع وكلها فشلت»مرة، أخذت زوجتى ورحنا قعدنا عند واحد صاحبى مدمن برده» ولمدة ثلاث أيام استمرا فى المقاومة وبعدها انهارا «خدنا العربية وطلعنا على أول مكان ممكن نضرب فيه». آخر محاولة للشاب كانت فى الحرية، والتكلفة تحملها اثنان من زملائه بعد يأس والده منه، هناك لاقى من يشترك معه فى تفكيره وأحاسيسه، سواء من المتعافين أو المتعالجين. هذا التواصل هو ما يحتاجه المدمن فى هذه الفترة الحرجة «أخيرا لقيت ناس تحس بيا وتحبنى من غير شروط». فى تلك الشقة المتواضعة تحقق المستحيل من وجهة نظرة، مرت أربع أشهر على الشاب، لا يتعاطى خلالها جرعة واحدة، وتغيرت فيها حياته بشكل جذرى، «أول مرة من 29 سنة، أهلى يطلبوا رأيى»، ولأول مرة أيضا يشعر بصغيره يوسف، فيحضنه بحنان الأب ويشترى له لعبة متواضعة بما يملك من نقود قليلة استدانتها من أصحابه.بعد أسبوع سوف يخرج حاملا لقب مدمن متعافى «أخيرا ممكن أحس إنى بنى آدم». طريق الخروج الصعب بالقرب من الشاب الذى كان ينتهى من حكايته بالكثير من التفاؤل، يجلس عادل، المدمن السابق الذى نجح فى التعافى نهائيا من المخدرات، وتحول للعمل مشرفا على علاج المدمنين. يتابع عادل الحكاية حتى النهاية، ثم يتذكر. «وأنا فى ثانوية العامة بدأت الإدمان بالسجائر العادية مع أصحابى بعدين تحورت السيجارة لتصبح محشوة بالبانجو، وسريعا أصبحت مدمن بودرة ثم الحقن». قالها عادل المدمن المتعافى وهو يبتسم بعد مرور خمس سنوات على علاجه وعمله كمشرف فى مؤسسة الحرية على علاج المدمنين. راود عادل شعور بالذنب بعد ستة أشهر من إدمانه الهيروين، وبدأت فكرة التعافى تطارده لمدة خمس سنوات يحاول خلالها العلاج ولكنه فى كل مرة يدخل إلى المصحة يشعر بالسجن فيترك المكان ويرحل، دون إتمام البرنامج العلاجى، ويذهب إلى أصدقائه من المتعاطين. «فشلت إنى أبطل 18 مرة، ومدمن سابق نجح فى التعافى أخد بإيدى». كل مدمن متعافى رسالته إنه يساعد غيره من المدمنين المتعاطين هذا رأى عادل، لأن المدمن يشعر فى وقت من الأوقات إنه لا يمتلك شيئا يبكى عليه، ووظيفة المتعافى إنه يعيد ولو بصيصا من الأمل لحياة المدمن. «الناس مش بتسامح المدمن على الماضى والشعور دا قاتل». فارقت البسمة وجه عادل لأن الناس فى المجتمع المحيط به رفضته مع أنه أصبح شخصا مختلفا، ولكنه استطاع الزواج منذ ثلاث أشهر فقط، وعلى الرغم من إنه الآن متعاف تماما، فإن هناك خمس فتيات رفضن الزواج منه بعض اعترافه بأنه مدمن سابق.