الإفلاس ليس إجرامًا، والتعثر ليس خطيئة. مادام هُناك استثمار، فهناك إفلاس، ومادامت هناك مشروعات جديدة فهناك تعثر، ربما نتيجة أخطاء إدارية، أو ظروف استثنائية، أو قرارات فوقية. قبل أيام قال المهندس محمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات، إنه «لا توجد دولة فى العالم تسجن مُستثمريها بسبب إفلاسهم». وشرح: «إن الإفلاس خطأ تجارى وليس جريمة وليس من المعقول أن يتم تدمير مستثمر صغير أو متوسط بسبب أخطاء تجارية». وأضاف: «إن إصلاح مناخ الاستثمار لا يتم بتشريع للاستثمار فقط وإنما بإصلاح بيئة الاستثمار ككل والاستغناء عن القوانين غير المناسبة للزمن وعلى رأسها قانون الإفلاس». سجن المستثمرين أو ملاحقتهم أمنياً أحد موروثات نظام مبارك الممتد عبر تشريعات وقوانين عديدة مازالت حاكمة لمناخ الأعمال. كثير من رجال الأعمال والصناعة دخلوا إلى السجن بسبب تعثرهم فى سداد تسهيلات ائتمانية نتيجة ظروف صعبة تعرضت لها مشروعاتهم. الحكاية التى يوردها المهندس مجدى طلبة، رئيس المجلس التصديرى الأسبق للملابس، لأحد أكبر مُصدرى المنسوجات والوبريات مع البنوك والذى انتهى به الحال إلى السجن تؤكد أن أزمة التعثر تضرب بعمق مناخ الاستثمار وتشوهه. قبل سنوات كان رجل الصناعة إسماعيل أبوالسباع يُصدر شهرياً إلى الولاياتالمتحدة بشاكير وفوطا ووبريات ومفروشات بقيمة 80 مليون دولار سنوياً، وكان يعمل لديه 4800 عامل فى ثلاثة مصانع كبرى فى مدينة المحلة الكبرى. وتضاعفت طلبات الاستيراد من السوق الأمريكى، ومن أسواق ألمانيا وإنجلترا وبلجيكا وإيطاليا وروسيا ودول الخليج، وهو ما دفع الشركة إلى الحصول على تسهيلات من عدة بنوك لتلبية طلبات التصدير، إلا أن حالة الانكماش العالمى المصاحب لأزمة العقارات أدت إلى تراجع طلبات التصدير فجأة وهو ما انتهى إلى تعثر الشركة فى سداد التزاماتها. ودخلت الشركة فى مفاوضات مع البنوك الدائنة فى 2009، حيث تم تقييم أصول الشركة بمليار و35 مليون جنيه، إلا أنه لم يتم إقرار اتفاق السداد والجدولة، لترتفع مديونيات المستثمر إلى 675 مليون جنيه لعدة بنوك، بينما ارتفعت أصول الشركة إلى نحو ثلاثة مليارات جنيه فى الوقت الحالى. والمشكلة أن وزيرين سابقين للصناعة تدخلا مباشرة لعمل تسوية تشغيل مصانع الرجل، إلا أن البنوك تقاعست عن تنفيذ الاتفاقات، مما أدى إلى القبض على المستثمر وسجنه وفاء لشيكات قام بتوقيعها للبنوك، المثير فى الأمر ما يذكره «طُلبة» من أن مصانع وشركات الرجل توقفت لتحرم مصر من صادرات ضخمة، وتزيد الطاقات العاطلة رغم أن حل الأزمة لا يتجاوز تعويم الرجل. قصة التعثر موجعة، وحسب تقديرات المهندس مجدى طُلبة فإن رقم المصانع المتوقفة يتجاوز خمسة آلاف مصنع. ورغم أن مركز تحديث الصناعة يُقدر الرقم ب900 مصنع، فإن هناك كثيرا من المصانع توقفت جزئياً ولم تُعلن بسبب إجراءات بيروقراطية مطبقة من البنوك. ويقول محمد جنيدى، نقيب المستثمرين الصناعيين: «إننا فى حاجة ماسة لتدخل الدولة لإعادة تشغيل المصانع القديمة بدلاً من الإعلان عن إنشاء مصانع جديدة». ويؤكد أن كثيرا من حالات تعثر المصانع ترجع إلى ما قبل 25 يناير 2011، فحوالى 70٪ من المصانع توقفت بالفعل قبل الإضرابات السياسية التى تشهدها مصر نتيجة لمشكلات فى الإدارة، و30٪ منها توقفت عقب هذا التاريخ نتيجة الركود الذى أصاب الأسواق، وعدم قدرة تلك المصانع على تحمل الضغوط خاصة أن معظمها يقع فى نطاق الصناعات الصغيرة والمتوسطة.