السيسي يهنىء المصريين بعيد الأضحي المبارك    الآلاف يؤدون صلاة العيد بساحة مسجد ناصر الكبير بالفيوم (صور)    ميسي بديلا، الأرجنتين تهزم تشيلي في تصفيات مونديال 2026    أخبار مصر: المصريون يحتفلون بالعيد، ماسك يفتح الملف الأسود ل ترامب، زيزو يطير لأمريكا، الأرصاد تحذر من طقس أول أيام العيد    إقبال واسع على شواطئ ومنتزهات جنوب سيناء في العيد (صور)    آلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في 214 ساحة بسوهاج (فيديو وصور)    محافظ الجيزة يؤدي صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد مصطفى محمود    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    مجازر القاهرة تفتح أبوابها مجانا لذبح الأضاحي طوال أيام العيد    بالصور.. آلاف المصلين يؤدون صلاة العيد في المنصورة    محافظ الغربية يؤدي صلاة العيد بمسجد السيد البدوي.. صور    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    محافظ بورسعيد يتفقد مستشفى الحياة عقب صلاة العيد ويقدم التهنئة للمرضى والأطقم الطبية (صور )    فى أحضان الفراعنة ..آلاف المواطنين يؤدون صلاة العيد بساحة أبو الحجاج الأقصري    أهالي مطروح يؤدون صلاة عيد الأضحى بالمسجد الكبير    موظفون في البيت الأبيض سيجرون اتصالًا مع إيلون ماسك للتوسط في الخلاف مع ترامب    أوكرانيا تتعرض لهجوم بالصواريخ والمسيرات أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص    بعد صلاة العيد.. شاهد مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى من محيط مسجد مصطفى محمود    10 صور ترصد أكبر تجمع للمصلين بالإسكندرية لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    إصابة 10 أشخاص في انقلاب سيارة أجرة بالبحر الأحمر    الرئيس السيسي يغادر مسجد مصر بالعاصمة بعد أداء صلاة عيد الأضحى المبارك    هبة مجدي: العيد يذكرني بفستان الطفولة.. وبتربى من أول وجديد مع أولادي    تدخل عاجل بمجمع الإسماعيلية الطبي ينقذ شابة من الوفاة    متحدث الأمين العام للأمم المتحدة: نحتاج إلى المحاسبة على كل الجرائم التي ارتكبت في غزة    «علي صوتك بالغنا».. مها الصغير تغني على الهواء (فيديو)    خليل الحية: حماس لم ترفض مقترح ستيف ويتكوف الأخير بل قدمنا تعديلات عليه    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 6 يونيو بسوق العبور للجملة    ناصر منسي: كنت على يقين بتسجيلي هدفاً في نهائي الكأس    محمد صبحي: بذلنا قصارى جهدنا لإسعاد جماهير الزمالك    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات ليلة العيد    عيدالاضحى 2025 الآن.. الموعد الرسمي لصلاة العيد الكبير في جميع المحافظات (الساعة كام)    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    خاص| الدبيكي: مصر تدعم بيئة العمل الآمنة وتعزز حماية العاملين من المخاطر    «محور المقاومة».. صحيفة أمريكية تكشف تحركات إيران لاستعادة قوتها بمعاونة الصين    التصريح بدفن جثة شاب عثر عليها داخل سيارة ملاكي بأكتوبر    «زي النهارده» في 6 يونيو 1983.. وفاة الفنان محمود المليجى    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    أبو الغيط: الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بلبنان تهدد بتجدد العنف    وفاة الإعلامية والكاتبة هدى العجيمي عن عمر 89 عاماً    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    طرح البرومو الرسمي لفيلم the seven dogs    كيفية صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 في البيت وعدد التكبيرات في كل ركعة    الأوقاف: صلاة الرجال بجوار النساء في صف واحد مخالفة صريحة للضوابط الشرعية    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    خلال حفل إطلاق خدمات الجيل الخامس.. «مدبولى»: معًا نبنى مُستقبلًا رقميًا واعدًا تكون فيه مصر مركزًا إقليميًا للبيانات والبرمجيات    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    رسميا.. نهاية عقد زيزو مع الزمالك    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    محمد عبد الشافي يعتزل كرة القدم بعمر ال 39    صبحي يكشف سبب حزنه وقت الخروج وحقيقة سوء علاقته مع عواد    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الفلسطينى زياد خداش:نعيش «يتامى» فى انتظار عودة مصر
مصر فى عيون المبدعين العرب (1)
نشر في الوفد يوم 22 - 02 - 2017

الأصولية الإسلامية تخاف الجمال.. والخوف من الجمال لا يبنى وطناً
الثورات العربية كشفت عن وحش يقف خلف أو أمام أو داخل الديكتاتور
عندما وصل الإخوان لحكم مصر شعرنا بالظلام يسود المنطقة
«دائماً.. كنت أتساءل: كيف يسمح العالم أن يقتلع الإنسان من بيته، وشجرته ليلقى فى العراء؟، إنه منتهى الجنون».. بتلك الكلمات وبهذا التساؤل يبحث الأديب الفلسطينى زياد خداش عن معنى جديد للإنسانية، عن أمل جديد للوطن، عن دور حقيقى لهذا العالم الذى نعيشه كل صباح.
يسأل وهو يعلم أن الإجابات لن تزيل علامات الاستفهام بحزن.. وهو يدرك أن الأوطان تئن تحت رايات الحزن لكننا لا نستطيع أن نعيش بلا أحزان.
يبحث عن عقلاء يواجهون آلة الجنون التى تقتلع الإنسان من وطنه، وتلقى به فى عراء الأوطان الحزينة، لذلك هو يقف أمام «السبورة» -فهو يعمل معلماً بالأساس- ليرسم بالطباشير فلسطين حتى يراها مكتملة ولو فى الخيال بعدما سئم رؤيتها مسلوبة، منذ أن رأت عيناه الحياة، يحاول أن يراها مكتملة ولو بالرسم بالكلمات، فينفد «الطباشير» بين يديه، ولا تكتمل أمامه فلسطين، منتهى الحزن أن يرى إنسان وطنه هكذا، ومنتهى الجنون -كما يقول هو- أن يرى العالم إنساناً يُقتلع من بيته وشجرته ليلقى به فى العراء.. ويظل صامتاً!
على هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب، التقيت به ذات صباح فى المقهى الثقافى، يرتدى «جاكت» أسود وبنطلوناً من نفس اللون ونظارة معلقة حول رقبته وابتسامة على وجهه وفوق رأسه شعر تعرض لغزو الشيب وفى يده مجموعة من الكتب يحملها، وكأنه يحمل طفله الوليد.
جلسنا معاً.. سألنى: تشرب إيه؟ باللهجة المصرية.. ثم قال وهو يضحك: أنت ضيفى وأنا صاحب البيت، قلت وأنا أرد الضحكة بابتسامة: أعرف حبك لمصر وأرى على وجهك سعادة طفولية بريئة رائعة، أراك وكأنك عصفور يطير من السعادة فأنت تلقى بالسلام على هذا وتحتضن ذاك وتبتسم لغيرهما.. ثم قلت: أستاذ زياد، ما كل تلك السعادة؟ رد: يا أخى وأنت فى القاهرة، لا تملك إلا أن تكون سعيداً، برغم كل شىء وبرغم أى شىء.. القاهرة تجبرك -على الأقل بحكم التاريخ- أن تكون كما تحب أن تكون، وأنا قررت فى معرض الكتاب هذا العام أن أكون سعيداً، لحظات أقبل علينا شاب فلسطينى من غزة يدرس الطب فى جامعة المنصورة اسمه «يوسف» اقترب منا ثم اندفع إليه قائلاً: أستاذ زياد أنا جئت من مدينة المنصورة -تقع فى قلب دلتا مصر- حتى أراك.. لأننى برؤيتك أرى الخليل وخان يونس ورام الله وغزة والقدس.. أرى دموع أمى وهى تستقبلنى عائداً وتودعنى ذاهباً، أرى قلم غسان كنفانى ورسوم ناجى العلى وشعر محمود درويش، الشاب يواصل كلامه و«زياد خداش» يهز فى رأسه وأنا صامت.. وعامل الكافيتريا يقف خلفنا يسأل: تشربوا إيه؟
غرفة الانتظار
«عيناك يا شاب ستة على ستة، لا شىء فيهما سوى الحزن وما كنت غير مخولة لعلاج الحزن»، قلت له فى بداية الحوار: كانت هذه كلماتك عن الحزن فى العيون، فلو أخذت أنا منها وسألتك مصر فى عيونك -كمبدع- كيف هى؟ فماذا تقول؟
- أنا أقول كانت مصر هى «البوصلة» التى تمشى أمامنا دائماً هى تشير لنا إلى الاتجاهات وتحدد الأماكن سياسياً وثقافياً وفنياً ووطنياً أيضاً.
قلت: تقول كانت.. فما الذى جعل الحاضر غير الماضى؟
- تطورات هائلة على كافة الأصعدة حدثت، العالم يتغير، والأوضاع العالمية تتبدل وتختلف وأنا هنا أتحدث عن مصر فى عيونى أنا شخصياً، مصر كانت الكتاب الأول الذى قرأته، والحب الأول الذى أحببته كان على الطريقة المصرية، ثم يبتسم ويقول: كنت أتخيل الفتاة التى أحبها وأتخيل معها كورنيش النيل وطبق الكشرى والجلوس على مقاهى وسط البلد، وصوت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ والأفلام الأبيض والأسود التى تعد أحد أهم أركان الثقافة المصرية، كل ذلك كان يسيطر على مخيلتي وأنا طفل صغير، وأنا متأكد أنه يسيطر على كافة عقول الشباب العربى، لقد كان الوجود المصرى فى حياتنا يلغى وجودنا نحن. كان الوجود المصرى فى خيالنا، يلغى وجودنا فى الواقع وتلك كانت عظمة مصر وهنا دعنا نسأل: أين ذهب كل هذا الوجود؟ ولماذا نشعر بعنف بغياب مصر؟
إذاً أنت ترى أن مصر غابت؟
- بكل تأكيد.. غابت سياسياً وثقافياً.. لم تعد القاهرة التى كانت تصنع التحولات فى المنطقة العربية، كما كانت في السابق، وليس القاهرة فقط التى غابت.. دمشق، بغداد، بيروت، وغيرها من العواصم العربية.. الجميع لم يعد حاضراً.. لقد فقدت البلاد العربية هيبتها الثقافية، فقدت تبنى الانفجارات والتحولات والظواهر الثقافية العربية، كنا دائماً نعرف أن تحولات القصيدة تبدأ من القاهرة وتحولات القصة تبدأ من القاهرة، والاتجاهات الجديدة فى المشهد الثقافى بصفة عامة كانت تبدأ من القاهرة وبيروت ودمشق، اليوم لم تعد -للأسف- هناك عاصمة عربية تضع تلك التحولات وأسباب ذلك كثيرة ومختلفة.
توقف بنا الحديث قليلاً.. جاء عامل الكافتيريا، يحمل على يديه أكواب الشاى التى طلبناها منه قبل الكلام، وعدنا! قلت: إذاً لم نعد نصنع التحولات الآن.. فماذا نصنع؟ رد وهو يرتشف الشاى الساخن قليلاً: نحن أبناء فلسطين «يتامى» أمام هذا الغياب من مصر وغير مصر، وسبب هذا الغياب هو انكسار القومية العربية، هذا الانكسار فتت وغيب المشروع القومى العروبى وهذا الغياب تسبب أيضاً فى دخول الأصولية لتجد لها مكاناً فى المشهد، ناهيك عن تأثير الاستعمار بتنويعاته المختلفة والمؤامرات الصهيونية وضعف العالم العربى سياسياً، انعكس على المشهد الثقافى.
ولد زياد خداش فى مخيم «الجلزون» قرب رام الله، عام 1964، بعدما ترك قريته مهجراً، يعمل مدرساً للكتابة الإبداعية فى مدارس رام الله والبيرة، يكتب القصة القصيرة، لم يتزوج، رصيده الإبداعى ثمانى مجموعات قصصية: «نوماً هادئاً يا رام الله» عام 1990 و«موعد بذىء مع العاصفة» عام 1994، و«الشرفات ترحل أيضاً» عام 1998، ثم «خذينى إلى موتى» و«كأن شخصاً ثالثاً كان بيننا»، و«شتاء ثقيل وامرأة خفيفة» و«أوقات جميلة لأوقاتنا النضرة» و«أن تقعى أرضاً ويكون اسمك أمانى»، و«خطأ النادل» و«أسباب رائعة للبكاء» عام 2015، حاصل على جائزة فلسطين للآداب عام 2015.
عدت من مدارس رام الله التى يعلم فيها زياد خداش حب الوطن والحياة والإبداع.. وتوقفت معه عند غياب المشروع القومى العروبى.. وصلت إلى ما يسمى بزمن الربيع العربى أو الثورات العربية التى مازالت حتى هذه اللحظة محل خلاف.. هل هى ثورات أم انتفاضات شعبوية خرجت لإحياء الوطن وشعوبه قبل حكامه، قلت له: توقع البعض - وأظنك منهم - أن يكون لهذه الثورات العربية دورها فى إحياء الأوطان، لكن الذى حدث عكس ذلك.. أليس كذلك؟
رد: نعم ولقد كان ذلك مفاجئاً جداً ومخزناً ومحبطاً جداً.. عندما قامت الثورة المصرية يوم 25 يناير، وهنا نعود إلى مصر الفعل والقيادة والتوجيه والبوصلة - كنا فى حالة بهجة وسعادة وشعور أن القاهرة عادت لتقود التحولات، القاهرة هى التى ستبدأ ومن بعدها ستبدأ العواصم العربية والمشى على الطريق الذى رسمته القاهرة.
لقد تخيلت أنا من الشعارات التى رفعت فى شوارع القاهرة أننا - كوطن عربى - مقبلون على عصر طازج، وحر وملون وجديد سيسود العالم العربى كله، دعنى أقول لك إن الشعارات التى كانت تهز شوارع القاهرة والمدن المصرية كانت فى منتهى الروعة والجمال والواقعية وتمدنا بالدفء، لكن -يقول ذلك وهو ينظر إلى الفراغ حولنا- لم نكن نعرف أن النتيجة ستكون على ما وصلت إليه، ربما لأننا أفرطنا كثيراً فى الرومانسية، فنحن كفلسطين ضعفاء وضحايا حيث اعتدنا أن نكون ضحايا، ودائماً ننتظر الفرج من الخارج. ودائماً نتوهم أن ثمة تغييراً سيحدث وسيغير كل شىء، ولم نكن نعلم أن هناك وحشاً يتربص بنا جميعاً.
من هو ذاك الوحش؟
- سأقول لك.. سآخذ فنجان قهوة.. قلت له: وأنا أشرب شاى.. حضر العامل وأخذ منه الطلب ووعد أن يعود سريعاً، وقبل أن يعود هو عدت أنا إلى ذلك الوحش الذى يقول الكاتب زياد خداش، إنه كان يتربص بنا، قال: نحن كنا لسنوات نتصور أننا أمام وحش الديكتاتورية فهى التى تخيفنا وترعبنا وكنا نتصور أنه فى اللحظة التى سيزول فيها أو سيموت فيها وحش الديكتاتورية، فسينتهى كل شىء، وسيبدأ فى المنطقة عهد جديد، ولكن للأسف لم نكن نعرف أن هناك وحشاً آخر.. أكثر جنوناً وهمجية يقف خلف الديكتاتور أو أمامه أو داخله.. هو وحش الأصولية.
أفهم من كلامك أن الأصولية هى التى هدمت الثورات العربية وحولتها عن مسارها؟
- بالتأكيد.. عندما دخلت الأصولية على الثورات تحطم كل شىء، أصبح هناك معيار جديد، ورؤية جديدة لهذه الثورات، وبدأنا نشعر بل وهناك من تمنوا أن يبقى الوضع على ما كان عليه، بل وتمنوا لو أن الثورات لم تحدث.
إلى هذه الدرجة؟
- بالطبع.. لقد كنا فى الأعالى ثم سقطنا على الأرض بصورة عجيبة جداً، والآن هناك تخبط وحيرة وخوف والصورة غير واضحة، ولا توجد أسئلة محددة فى المشهد حتى نجد لها إجابة، تداخلت أشياء كثيرة وفقدنا الثقة أو بمعنى أدق بالأساس نحن فقدناها فى الأصوليين، ونحن فى فلسطين نعرف الأصوليين جيداً، ونعرف أجندتهم ونعرف رؤيتهم.. كنا نعرف هذا قبل باقى العواصم العربية الأخرى، نحن كنا نعرف مخططاتهم، وبالتالى كانت لدينا خبرة معهم، أما فى مصر عندما دخلت الأصولية - كفاعل فى المشهد السياسى - سيطرت جزئياً.
قد يقولون نحن سيطرنا عبر الصندوق الانتخابى؟
- حتى ولو كان كذلك.. وعبر الانتخابات نحن شعرنا بأن هناك ارتباكاً وظلاماً شديداً يسود المنطقة. نحن - كفلسطين - نعرف من هم الإخوان المسلمون واكتوينا بأفكارهم وأجنداتهم ومخططاتهم تماماً، وعندما هزم الإخوان فى مصر وجاء نظام آخر الحقيقة هو بالنسبة لى ليس مفهوماً.
بمعنى؟
- بمعنى أنه - كنظام سياسى - ليس واضحاً هو مع من وضد من، وما هى أجنداته وما الذى يسعى له، وما هى علاقته بالقضية الفلسطينية وعلاقته بإسرائيل على أى طريق تتحرك، وكيف يدير أزماته السياسية؟ وفى نفس الوقت نحن لا نعرف النظام المصرى الحالى هل هو أفضل للمصريين والعرب وفلسطين أم أسوأ ممن قد يأتى بعده، الصورة بصراحة ليست واضحة لدرجة أن المحللين السياسيين فقدوا القدرة على التحليل السياسى ولم يعد لديهم القدرة على التحليل. ألم تقولوا هنا فى مصر «محدش فاهم حاجة».. نحن أمام سيريالية سياسية أفقدتنا القدرة على التحليل السياسى سواء فى المشهد السياسى المصرى أو العربى.
مدينة تضحك ورجل صامت
«أنا أخاف السكون الزائد على الحاجة، أحس دائماً أن ثمة ضجة ما تكمن خلف كل صمت»، قلت له كانت هذه كلمات من عالمك الإبداعى تخاف فيها من السكون.. فهل المدن العربية هى الأخرى اليوم تعيش خلف الصمت؟
قبل أن يجيب كان عامل المقهى الثقافى قد حل علينا بقهوته التى طلبها وبكوب الشاى الذى طلبه لى أيضاً، ارتشف بعضاً من فنجانه ثم رد السلام على صديق له فلسطينى أيضاً كان قد وصل إلى حيث نجلس بعدما فرغ من كل هذا قال: نعم.. المدن العربية تنام اليوم على صمت غير مفهوم وغير مبرر.
قلت له فلنذهب إلى المشهد الدولى وانعكاسه على المنطقة العربية وأبرز ما فى هذا المشهد هو وصول «ترامب» إلى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض، فى ظل محاولة «بوتن» أن تعود روسيا على يديه لتلعب دوراً فاعلاً فى المنطقة؟
- قال: هذا الذى تتحدث عنه سيعطينا فى المنطقة مزيداً من التشرذم ومزيداً من التفكك، نحن - كعرب - لم نكن فى يوم من الأيام «أسوداً»، دائماً «نعاج».. شياه نؤكل.. نحن ما زلنا شياها، الأسود تتغير وتتطور وتتبدل الأدوار ونحن دائماً جاهزون للافتراس.
«بوتن» هو نفسه ما قبل «بوتن»، إنها لغة المصالح.. أنا لا أريد أن أدين «بوتن» أو «ترامب» هما يبحثان عن مصالح بلدانهما، «ترامب» جاء بعد تحولات فى أمريكا جعلت الشعب الأمريكى يأتى به وأنا إن كنت أدين «ترامب» وأكرهه ولكن أنا لا أقول إنه سيئ أو بمعنى أنه يجب أن يغتال أو يستبعد، الذى يفعل هذا هو شعبه وعلينا أن نسأل لماذا جاء «ترامب» ولماذا «بوتن» ما زال مسيطرا؟ هذه أسئلة جانبية لكن على الصعيد العربى أنا لا أريد أن أظل متشائما وأقول لك سنظل «شياهاً» جاهزين للأكل، لكن الوضع محزن ومحبط جداً ولا أرى بوادر تغيير لأننا نحن - كعرب - ضعفاء والعالم قوى.
قلت له قد يسأل البعض: أين دور المثقف.. ولماذا تركنا «شياهاً تؤكل» فى عالم قوى؟
- المثقف وثقافته لا ينتعش ويتطور حاله فى ظل هوان قومى، وفى ظل سقوط الدولة القومية وفى ظل التشرذم وفي ظل التبعية للاستعمار، وفى ظل علاقات مشبوهة مع الدولة الصهيونية وفى ظل وجود أصوليين يتربصون هنا وهناك، لذلك أقول إن الثقافة لا يمكن أن تنتعش فى ظل هذه الأجواء.
أليس من أدوار الثقافة أن تقاوم كل هذا؟
- نعم.. أنت تقاوم عندما تعرف العدو وتحدد الهدف وتضع الخطة، نحن لا نعرف ولا نفهم ماذا يحدث خلف جدران العواصم العربية، لا يوجد مشروع يوحد النداءات ولا الكلمات لا الأهداف.. والخطر الحقيقى كان - ومازال - فى فكر الأصولية التى يمثلها سياسيا فكر الإخوان المسلمين، وخطورة هذا الفكر أنه لا يؤمن بفكرة الوطن أصلاً ولا يؤمن بفكرة الأمة العربية هو يؤمن بفكرة أينما تواجد الإسلام فهذا هو الوطن.. فهو يساوينى مع الأفغانى.. ويرفض الفلسطينى المسيحى أو اليهودى الفلسطينى وهنا تكمن الخطورة، هم لا يؤمنون بفكرة الوطن ولا المواطن، لذلك إذا لم نؤمن بفكرة المواطنة وبدولة المؤسسات وبالدولة العلمانية والحرية والديمقراطية فإننا سنبقى كما نحن على الوضع الذى نرى أنفسنا عليه اليوم.. لذلك تأكد أن الأصولية لا يمكن أن تكون دائماً للدولة وللوطن وللثقافة وللحرية، باختصار الحركة الأصولية تخاف من الجمال.. ومن يخاف من الجمال لا يبنى وطناً.
على الجانب الآخر يرى البعض أن العلمانية لا تبنى وطناً؟
- أنا أتفق معك فى أن بعض العلمانيين ديكتاتوريون، وبالتالى نحن بين شقى رحى الأصولية المتخلفة الراغبة فى تفكيك الأوطان، وبين العلمانية الفاسدة التابعة للاستعمار، ونحن فى المنتصف ليس أمامنا خيار ثالث.. نحن أزمتنا غياب الخيار الثالث.
إذاً ماذا نحتاج كأمة عربية؟
- تحتاج العلمانى النظيف وليس الفاسد، إذا كنا نريد وطناً يليق بنا ونليق به.. وأن نسعى للقضاء على كافة أشكال الأصولية الفاشية المتسلطة التى تغرق الأوطان وتفكك أصولها وثوابتها الراسخة بعمر التاريخ.
وعند الوطن والثوابت والتاريخ.. توقف بنا الكلام.. وأشعل سيجارة وأومأ إلى صديقة مصرية روائية كانت حضرت وجلست بعيداً حتى ننتهى من الحوار.. ثم تركتهما خارجاً من المقهى الثقافى مترجلاً فى طرقات أرض المعارض وأنا أتذكر رد «زياد خداش» عندما سئل: ماذا فعلت فى حياتك؟ قال: لقد أنجزت الكثير من الأعمال المهمة التي لا تمت إلى عالمكم المحدد بصلة.
ابتسمت كثيراً فى وجوه أطفال كثيرين.. وأحببت أمى كثيراً.. وعانقت أطفالاً يبكون بعد أن كسر الحب قلوبهم أو خطف الغياب آباءهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.