ڤودافون مصر: التحول الرقمي خفّض زمن الانتظار 32% ووسّع خدمات التأمين الصحي الشامل ل6 محافظات    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 13-11-2025 بالصاغة بعد ارتفاعه الكبير ( تحديث رسمي)    وزير الطيران: تحرير النقل الجوي الإفريقي يدعم التجارة والسياحة ويجذب الاستثمارات    الدفاع الروسية: تحطم طائرة من طراز سو-30 فى كاريليا ومصرع طاقمها    خبير: رون ديرمر أحد مهندسي اتفاقات إبراهام.. جيش اسرائيل مرهق للغاية    دار الإفتاء الفلسطينية تدين إحراق مستوطنين لمسجد في سلفيت    الرئيس الأوكراني زيلينسكي يزور اليونان الأحد المقبل    الصين ترفض بيان مجموعة السبع بسبب «التحريفات والتدخلات»    منافس مصر.. زيمبابوي تخسر بثلاثية أمام الجزائر    نائب محافظ الأقصر والسكرتير المساعد يزوران مصابي حادث طريق إسنا الصحراوي الغربي    بتهمة التزوير.. المشدد 10 سنوات لثلاثة محامين وعاطل بالإسكندرية    مصرع طفلتين فى انهيار منزل من الطوب اللبن بقنا    احتفاء بفيلم «ضايل عنا عرض» في عرضه الأول.. وصفي الدين محمود يعلن توجيه دخل الفيلم لإنشاء سيرك غزة الحر    جواهر تعود لجمهورها بأغنية مفاجأة.. «فارس أحلامي» | شاهد    دعاء الرعد والبرق وقت المطر.. كلمات تفتح أبواب الرحمة    إسلام عفيفى يكتب: نتنياهو.. الخروج الأمريكى الآمن    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض ضرائب على الطرود الصغيرة المستوردة بدءًا من مطلع 2026    مصطفى بكري: «البرلمان الجاي لازم يكون عين الشعب وسيفه مش صدى صوت للحكومة»    الأمين العام لحزب الجبهة: موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية مصدر فخر    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية يستقبل وزير الدولة بالخارجية الألمانية    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    استقبله بالزي الصعيدي، شيخ الأزهر يلتقي بالمفكر العالمي جيفري ساكس بمنزله في الأقصر    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    أرسنال يقترب من تجديد عقد بوكايو ساكا براتب ضخم    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    إسعاد يونس: أتمنى استضافة عادل إمام وعبلة كامل وإنعام سالوسة «لكنهم يرفضون الظهور إعلاميا»    كرة يد - تألق الخماسي المصري بفوز باريس سان جيرمان وفيزبريم في أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عماد أبوغازى: خرج من الوزارة بعد رفضه ضم متحف محمود خليل لمنزل السادات
أبى.. الذى لا يعرفه أحد:
نشر في الوفد يوم 06 - 02 - 2017


لكن هذا لا يجوز، ولا يليق، ولن يحدث.. أولًا..
كيف نضم متحفاً بهذه القيمة وبما فيه من إبداع إلى منزل الرئيس؟ ثانيًا: هذا إن حدث ستكون سابقة لم يسبق إليها أحد. ثالثًا: لست أنا «بدرالدين أبوغازى» الذى يفعل ذلك وأنا وزير للثقافة. رابعًا: هذا المتحف هو ملكية خاصة لصاحبه الفنان الراحل «محمد محمود خليل» وزوجته. وكانت وصيته بعد رحيلهما أن يتحول لمتحف بكل ما فيه، وكل ما عليه لمتحف للشعب، فكيف للدولة أن تستولى عليه «عنوة» تحت أى مسمى لينضم إلى بيت الرئيس منزل الرئيس السادات ملاصقاً لمتحف محمد محمود خليل فى الجيزة مهما كانت الأسباب أو التداعيات، خامسًا: لكن قبل أن يكمل «بدرالدين أبوغازى» وزير الثقافة حينذاك كلامه.. كان المتصل من رئاسة الجمهورية يعتذر له مستأذنًا فى إنهاء المكالمة، الرسالة وصلت.. أسابيع قليلة مرت على هذا الطلب الغريب والعجيب وغير المسبوق فى الحياة السياسية والثقافية المصرية وكان بدرالدين أبوغازى خارج الوزارة فى أول تعديل تم فى مايو 1971.
فهل دفع «أبوغازى» ثمن تصديه وحمايته للمتحف من أن ينضم إلى منزل الرئيس بأن فقد منصبه الوزارى؟ ربما!
فى سلسلة «أبى.. الذى لا يعرفه أحد» ذهبت فى هذه الحلقة إلى أحد أهم نقاد وكتاب ومحبى وعشاق الفن التشكيلى فى مصر والوطن العربى الراحل «بدرالدين أبوغازى» الذى يعد رائداً من رواد حركة التنوير الثقافى بإسهاماته الفنية والأدبية والعملية منذ مطلع شبابه، بعدما تأثر بنشأته فى محراب الفن التشكيلى بيت خاله العبقرى الراحل محمود مختار صاحب نهضة مصر.
اتصلت بابنه د. عماد أبوغازى الذى شغل مثل أبيه منصب وزير ثقافة والذى استقال منه بعد 9 شهور تقريبًا حيث جاء فى وزارة د. عصام شرف فى مارس 2011 واستقال فى نوفمبر من نفس العام.
حى الزمالك.. أمام حديقة الأسماك.. الساعة الواحدة والنصف ظهرًا. هل هذا الموعد يناسبك؟ قلت: نعم.. رد ونحن نتحدث عبر الهاتف: اتفقنا.
وصلت فى الموعد المحدد بيننا، الشقة أقرب إلى المتحف الصغير، يظهر من أثاثها واللوحات والتماثيل المنحوتة ذوق وفكر وإبداع صاحبها.. جلسنا استعدادًا للحوار بعدما قام بتقديم فنجان الشاى الذى طلبته، قلت له: دعنى أتوقف أمام لحظة خروجه من الوزارة عام 1971، وأسألك.. ألم يشعر ذات يوم بندم؟ رد: إطلاقاً.. أبى كان رجلاً يعشق الفن التشكيلى، لأنه تربى بل وتستطيع أن تقول إن الذى أشرف على تربيته وهو مازال طفلًا صغيرًا هو خاله الفنان محمود مختار فى بيته، بعدما مات أبوه وعمره لم يتجاوز الستة أعوام، ناهيك عن دراسته للقانون وحبه للثقافة والإبداع، وبالتالى كيف لمن مثله أن يرتكب تلك «الغلطة» ويوافق على ضم متحف «محمد محمود خليل» لبيت الرئيس، حتى وإن كان ذلك من أجل تحويله إلى مكاتب معاونة أو مساعدة لسكرتارية الرئيس وقتها، وبالتالى كان يفرض عليه المنطق والعقل والتاريخ أن يقول.. لا! وقد كان!
وعند المنطق والعقل والتاريخ.. عدت للتاريخ، ففى نفس العام الذى ولد فيه بدرالدين أبوغازى عام 1920 ولد شيخ الفنانين التشكيليين «نورى الراوى» فى محافظة الأنبار العراقية. وفى القاهرة ينجح طلعت حرب باشا فى تأسيس بنك مصر ويعلن عن ذلك مساء الجمعة 7 مايو 1920 من دار الأوبرا السلطانية برأس مال قدره 180 ألف جنيه. وفى نفس الشهر تمنع بريطانيا انعقاد المؤتمر الفلسطينى العام الثانى، وقبل مولده بشهرين تقريبًا كانت مصر تودع لجنة ملنر التى جاءت فى 7 ديسمبر عام 1919 وغادرت القاهرة فى 6 مارس 1920 حيث دارت مهمتها حول الأسباب التى أدت إلى تظاهرات 1919. وفى نفس يوم مولده كان خاله الفنان الراحل محمود مختار فى صالون باريس يصنع لنفسه ولمصر مجدًا أدبيًا وفنيًا جديدًا، وفى مدينة الإسكندرية كانت عصابة ريا وسكينة قد أخذت هدنة من قتل النساء نظرًا لقدوم شهر رمضان فى ذلك العام فى منتصف شهر مايو 1920 تقريبًا بعد ان وصل عدد ضحاياهم الى 12 ضحية.
عدت للابن د. عمادالدين أبوغازى وهو أستاذ وباحث فى التاريخ المصرى خاصة ثورة 1919 وما تلاها من تغيرات فى بيئة المجتمع المصرى.. وقلت له: كيف كانت طفولته خاصة وهو قد فقد أباه وعمره 6 سنوات؟ قال: ولد أبى فى المنطقة القريبة من منطقة السيدة زينب ثم بعد رحيل أبيه بعدة سنوات انتقلت الأسرة إلى منطقة الروضة بعد فقد رب الأسرة وصعوبة الحياة بالنسبة للأم وأطفالها، لذلك قررت الأم وهى كانت سيدة عظيمة استطاعت فى ظل هذه الظروف أن تربى وتعلم أولادها، رغم أنها سيدة كانت تقرأ ب«العافية» لكن كان لديها اصرار ورغبة في أن تؤدي مهمتها علي أكمل وجه، وهذه القوة التي كانت لديها نقلتها إلي ابنها الصغير وتنقلوا في أكثر من شقة في منطقة المنيل، حيث عاش أبي في المنيل 15 عاماً تقريباً إلي أن تزوج والدتي وانتقل للحياة في حي المعادي.
اسمه بدرالدين محمود أبوغازي ولد في 14 مايو 1920 ورحل في 11 سبتمبر 1983- شغل منصب وزير الثقافة في الفترة من نوفمبر 1970 إلي مايو 1971، حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة 1941، التحق بالعمل في مصلحة الضرائب في عام 1955، عمل بين عامي 1973-1977 مستشاراً للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة في عام 1977، عمل أميناً عاماً مساعداً لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ثم أميناً عاماً بالإنابة بين عامي 1979-1981، من مؤلفاته «مختار.. حياته وفنه 1949» و«مختار ..ونهضة مصر» بالاشتراك مع جبرائيل بقطر وحصل من خلاله علي جائزة مصر- فرنسا 1950 هذا بخلاف العديد من الكتب والدراسات عن الفن التشكيلي ورواده وحركته الإبداعية في مصر، تزوج من السيدة رعاية الله حلمي وأنجب منها ولدين محمود مختار- علي اسم خاله وعماد وابنة واحدة هي نادية.
**********
عدت للابن الذي فرغ مما بقي في فنجانه من الشاي الذي أعده بنفسه لنا قبل أن نبدأ الحديث.
وسألته: كان أبوك وزيراً للثقافة وكذلك أنت.. هل يوجد تشابه مع هذه الحالة في الحياة السياسية؟
قال وهو يبتسم: نعم.. كان لدينا السيد محمد عبدالمنعم الصاوي والراحل أبوه عبدالمنعم الصاوي وكان أيضاً في وزارة الثقافة.. أما عن نماذج أخري فهناك العديد من الوزراء وأولادهم الذين التحقوا بوزارات وإن كان الخلاف بيننا هو انهم جاءوا في وزارة غير التي جاء فيها أبوهم، قلت له:
ألم يكن غريباً بعض الشيء أن يأتي أبوك من وزارة المالية والضرائب والحسابات علي رأس وزارة الثقافة؟
رد: بالعكس أنا أعتقد ان القيادة السياسية في ذلك الأمر كانت تبحث عن شخصية تجمع بين الإدارة والثقافة وهذه المواصفات ربما تكون تجمعت في والدي خاصة والبلد كان في حرب الاستنزاف وتستعد للحرب، ثم ان أبي لم يكن بعيداً عن الحركة الثقافية فلقد كتب أولي مقالاته وعمره 16 عاماً ونشرها في الأهرام وهو ما زال صبياً وكانت عن الزعيم محمد فريد ونشرت في الصفة الأولي.
قلت: ولكن قد يسأل البعض: ولماذا لم يترك العمل القانوني والمالي في وزارة المالية ويتجه للثقافة والصحافة والفن التشكيلي؟
قال: ربما كان بداخله ما كان بداخل الراحل نجيب محفوظ، حيث يظل العمل الحكومي- حينذاك- هو الشط الآمن اجتماعياً لذلك رفض أن يبتعد عن عمله الذي كان يحبه أيضاً ويوحد اتجاهه في الصحافة عندما طلب منه ذلك في الستينيات علي عكس الأستاذ أحمد بهاءالدين الذي ترك النيابة الإدارية من أجل الصحافة، وأذكر ان مجلة «روزاليوسف» وكان يكتب بها مقالات دورية أرسلت له خطاباً تطلب منه التوقف عن الكتابة لها لأنه لم يحسم اختياره بالعمل في الصحافة ووقته التزم ولم يكتب لمدة حتي هدأت الأمور سياسياً وعاد ليواصل كتاباته في الفن التشكيلي في مجلة «الهلال» وغيرها من الإصدارات.
«لم أكن قد رأيت «مختار» في مرضه وكانت آخر صورة له في نفسي هي صوت ضخم أخّاذ وعيون يشع فيها بريق جسد مفتول فكدت أنكر صورة هذا الحطام أمامي.. كم تعذب»!
كانت هذه رسالة من رسائله التي كتبها إلي ابنته «نادية»- أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حالياً- وأرسلها لها وهي في رحلة تعليمية وترفيهية إلي باريس وهو في هذه الرسالة وكأنه يحدث نفسه ويشتكي ما بداخله من حزن وألم علي رحيل خاله العملاق محمود مختار الذي لم يتجاوز ال43 عاماً وهو الذي كان يعده أباً ثانياً له بعد رحيل أبيه بعدما تربي علي يديه في بيته.
عدت للابن وقلت: ماذا كان يعد الفنان «مختار» بالنسبة له؟
رد: تستطيع أن تقول بمثابة الأب ففي بيته تربي وتعلم وأحب الفن والثقافة، كان محمود مختار ظهراً يستند إليه من قسوة «اليتم» الذي وجد نفسه أمامه وعمره 6 سنوات وبعد رحيله بدأ يقرأ في سير الفنانين والسياسيين والأدباء استعداداً لكتابته سيرة خاله «مختار» ومن هنا بدأت اهتماماته بالكتابة عن الفن التشكيلي وجمعه لمادة الكتاب الذي ألفه عن محمود مختار وضعته في قلب الحركة الفنية وتعرف علي قامات الحركة وروادها مثل راغب عياد ومحمد حسن ومحمود سعيد و«ناجي» وغيرهم ثم تعرف علي الفنان حامد عبدالله وجمع بينهما الحي الذي كان يسكنان فيه والفن الذي أحباه ثم جاءت مرحلة أخري في حياته عندما انضم إلي مشروع مجلة «الفصول» الشهرية التي أشرف عليها الكاتب الصحفي الراحل محمد زكي عبدالقادر والتي كتب فيها قامات مثل نعمان عاشور وأحمد بهاءالدين وأبي.
مساء الخير.. يا عماد، مساء الخير يا بابا.. ماذا تقرأ؟
يرد: كفاحي ل«هتلر»! يهز الأب رأسه ويتركه منصرفاً دون أي تعليق رغم انه- بإحساس الأب وفكر المبدع- يدرك أن هناك خطورة علي فكر ابنه من هذا الكتاب لكنه تعامل مع الأمر بصورة أخري.
سألت د. عماد: كيف تعامل مع هذا الأمر.. وبأي صورة من الصور حاول التدخل لديك؟
لم يمنعني من مواصلة القراءة ولم يرفض أن أقرأ كفاحي.. لكنه في نفس الوقت قام بشراء كتاب آخر بعنوان «دليل المرأة الذكية» لبرناردو شو وهو كتاب تثقيفي، سياسي رائع، وقال لي إذا ما انتهيت من «كفاحي» ابدأ علي طول في هذا الكتاب وبالفعل فعلت ذلك وبهذا الأسلوب الجميل والمهذب في التعلم والتربية أنقذني من الوقوع في براثن الفاشية فكانت هذه طريقته في تربية أولاده قائمة علي حرية الاختيار والتجربة، وأذكر أن أخي الراحل محمود مختار كان قد رغب في الالتحاق بكلية التجارة، وأظن أن أبي كان يحب أن يلتحق ابنه بكلية الفنون الجميلة ليكون مثل خال أبي محمود مختار وامتدادا له خاصة وأخي كان لديه الموهبة لكن ذهب أخي إلي كلية التجارة.. لمدة أسابيع ثم عاد من نفسه إلي كلية الفنون الجميلة ودخل قسم ديكور ولم يلتحق بأقسام النحت أو التصوير كل ذلك حدث وأبي لم يتدخل.. وما حدث مع أخي حدث مع أختي «نادية».. هي أيضاً أرادت أن تدخل كلية اقتصاد وعلوم سياسية.. وكانت مترددة بينها وبين كلية الآداب. وأبى أيضا رفض التدخل، وتركها تدخل ما تريد.. لكن بعد رحيله وجدنا بين أوراقه ما يدل عن أنه كان يفضل لها الآداب عن العلوم السياسية.. لكنه أيضا رفض التدخل.
فى عام 1979 وشوارع حى المعادى لا يسمع فيها صوت فهى خاوية بالنهار إلا من القليل، والليل فيها مسكون بالهدوء وذات مساء رن جرس الهاتف فى منزل «أبوغازي» من كان على الخط تلعثم لسانه قليلًا وهو يبلغهم أن ابنهم «محمود» تعرض لحادث، الأم- مثل أى أم- ينخلع قلبها.. الأب- مثل أى أب- يعتصر قلبه من الصدمة، ودقائق تمر بعدها دقائق.. فتجد الأسرة نفسها أمام مصاب جلل. كان الشاب محمود يركب سيارته ويسير من حى المعادى إلى وسط البلد.. طريق الكورنيش فى ذات الوقت هادئ تماما خاصة بالليل.. الاضاءة ضعيفة جدًا.. وفجأة تصطدم سيارة من الخلف بسيارته.. فتخرج السيارة على الرصيف لتصطدم بعمود كهرباء فيسقط على مقدمة السيارة. «محمود» الآن نقل إلى المستشفي.. أطباء وتحاليل وأشعة ونيابة وقلوب تعتصر حزنا عليه وعيون تتجه للسماء تدعو له بالنجاة.. لكن القدر كان قد ألقى كلمته بعد 10 أيام.. مات محمود مختار. فعدت للأخ عماد.
.. وقلت له: كيف مرت هذه الأيام على أبيك؟
لحظة موته كانت قاسية جدا على أبي، بالتأكيد أى إنسان يفقد ابنه تكون اللحظة قاسية عليه ولا يشعر بها إلا من عاشها. وأنا أعتقد أن موت أخى «كسر» ظهر أبي.. لأنه من بعدها انهارت داخله قدرته على المقاومة التى كان يحاول أن يظهرها أمامنا. أثناء الحادث ونحن فى المستشفى كان يبدو أمامنا متماسكًا وقويًا، وراضيا بقضاء الله. وأعتقد أنه كان مازال لديه أمل فى أن نعيش. لكن عند علمه بنبأ النهاية وبالفقد والرحيل.. تأثر بشكل أظن أنه بعدها «اهتز» بعنف على المستوى النفسي. عند هذه اللحظة توقف بيننا الكلام.. حاولت أن أخرج من تلك اللحظة التى أظنها أيضا كانت قاسية على الأخ عندما يتذكر رحيل أخيه الأكبر فى مشهد إنسانى مؤلم وفى مرحلة عمرية كانت هى الأهم فى عمر تلك «الأخوة».
قلت للدكتور عماد.. أنت اعتقلت.. أليس كذلك..؟ قال: نعم.. كانت الأولى ضمن هجمة أمنية- من هجمات القبضة الأمنية- أيام الرئيس الراحل أنور السادات. قلت وما كانت أسبابها؟
رد: وقتها كانت الدولة تستعد لافتتاح سفارة لإسرائيل فى القاهرة بعد معاهدة السلام.. وكان من الضروري- من وجهة نظر الدولة- بالمصطلح الأمنى «لم» من يعتقدون أنهم سيصنعون أزمة أو سيخرجون فى مظاهرة رافضة وبالفعل تم الاعتقال.. والحقيقة كانت المعاملة جيدة جدًا فى المعتقل.. على عكس الاعتقال الثانى بعد اغتيال السادات.
قلت وهل اعتقلت بعد اغتيال السادات؟
نعم.. وقتها تم اعتقال كل التيارات الأصولية واليسارية وفى هذا المعتقل كانت الزيارات ممنوعة على عكس الاعتقال الأول.
قلت له: وكيف كان وقع اعتقالك على أبيك وهو الذى مازال يشعر بالحزن على فقد الابن الأكبر بالموت؟
الحقيقة كان متماسكاً.. رغم أن الاعتقال الأول جاء فى نفس الذكرى السنوية لرحيل أخي، لكنه هو ووالدتي- رحمة الله عليهما- كانا أكثر تماسكًا وكان كلامه كله يدعونى للتماسك والصبر، رغم أننى أعلم أنه ما كان يتمنى أن يرانى فى المعتقل ومن أجل أن يزورنى دائما ذهب إلى نقابة المحامين واستخرج كارنيه العضوية كمحامٍ.
قلت ليدافع عنك؟
رد: لا.. حتى يزورنى باستمرار زيارات غير المسموح بها للأهالى لكونه محاميًا.. أما الدفاع فقد كان يدافع عن مجموعة من كبار المحامين مثل «الهلالي» و«الخواجة» وغيرهما من كبار المحامين.
قلت له وأنا ألملم أوراقى واستعد للنزول مغادرًا المكان.. رحلته مع المرض.. كيف كانت؟
لم يمرض كثيرًا.. تستطيع أن تقول أسابيع قليلة.. وقتها شعر بالألم والتعب وبدأنا رحلة العلاج حتى وصلنا إلى «أمريكا» وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة فى ولاية «بوسطن» ثم عاد لأرض الوطن ليدفن فيه عن عمر لم يتجاوز ال63 عامًا.
قلت: هل كان ما لديه لم يقدمه من مشاريع للفن والثقافة والوطن؟
قال: بالتأكيد.. كانت لديه مشاريع كثيرة.. فهو كان يعشق العمل.. ويحب الفن الثقافة.. والعطاء لديه موصول ومتواصل ودائم.. غير أن العمر انتهي.. أعمار.
أصر د. عماد على أن يخرج معى حتى باب الأنسانسير.. وأصررت أنا أن يعود من حيث أتي.. وأنا أخرج من باب أنسانسير العمارة وجدت أمامى د. زياد بهاءالدين صاعدًا- فيما يبدو- إلى د. عماد حيث بينهما الآن صلة مصاهرة بعدما تزوج الدكتور عماد أبوغازى من السفيرة ليلى أحمد بهاءالدين.. فتمنيت أن يتعطل بى الأنسانسير قليلًا حتى أحضر معهما هذه اللقاء الذى فى ظنى لم يكن سيخرج بعيدًا عن السياسية والثقافة والصحافة والفن.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
مات بدرالدين أبوغازى ولكن ترك ابنه يكمل المشوار في الفن والابدع والثقافة.. ومات أحمد بهاءالدين ولكن ترك ابنه يكمل المشوار.. الحياة مشاوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.