حين تدق عقارب الساعة الرابعة فجراً تستيقظ "أم حسن" البالغة من العمر 35 عاماً لتستعد فى تحضير مكونات وجبتها الخفيفة من بطاطس وفلافل وباذنجان مقلى، ليساعدها فى حملها أطفال ال 7ويضعونها على التروسيكل الخاص بنقلهم لمكان لقمة عيشهم بمنطقة عابدين، تضع أطفالها بجانب أنبوب الغاز ومعدات الطهى،ومع شروق نور الصباح تدفع تلك السيدة الكادحة عربة "التروسيكل"، أمامها من مسكنها الأصلى بحى السيدة لمنطقة عابدين. وفى أحد الأزقة بشارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير، تجد صاحبة التروسيكل تقف كالرجال تفترش بمعداتها لتحضير الوجبات الخفيفة بمساعدة صغارها فى سباق مع الزمن لكسب لقمة العيش لتربيتهم وخاصة أنها المعيلة الوحيدة للأسرة بعد ترك زوجها لها، فتقف سيدة وسط شارع ملىء بالرجال، لوقفها بجوار عربة فول يعمل بها عدد من الخريجين، ولكن لم تهزم منهم وتكسب لقمة عيشها معتمدة أن الله تعالى يقسم الأرزاق لجميع بنى البشر كيفما يشاء. ليتهافت المارة من الطبقة الراقية قبل المتوسطة والكادحة على "فلافل ام حسن " لشهرتها بمنطقة عابدين، حيث تحمل أبنتها الرضيعة أعلى كتفها أثناء تحضيرها للوجبات لبكاءها الشديد وخشية من اقترابها من موقد النار المتصلة أعلاه مقلاة مليئة بالزيت المغلى لتسقط فيه البزنجان وشرائح البطاطس التى تلتقطها من أبنتها الكبرى الجالسة بأحد الأرصفة وتقطعها كنوع من مساعدته والدتها لإستعجال الزبائن لطلباتهم. ليعلب ويلهو أطفالها الصغار من حولها وكأنهم يحاولون الخروج من ذلك الوضع المرير الذى يستيقظون عليه كل صباح من الساعة الرابعة فجراً وحتى الخامسة عصراً اى ما يقرب من 14 ساعة متواصلة لتلك الريعان الصغيرة التى لا ذنب لهم فى قسوة الحياه. التقت محررة الوفد مع صاحبة أشهر عربة "فلافل" بمنطقة عابدين، لتروى معاناتها ورحلة كفاحها والاسباب التي دفعتها فى نهاية المطاف للعمل على تروسيكل لتحضير الوجبات الخفيفة، قالت "أم حسن":"أنا أم وعندى 7 أولاد وكنت محتاجة أربيهم كويس فأخدت الشغلانة دى عن أبويا لما كنت بساعده وأنا صغيرة ولما جوزى سبنى بولادى حتى من غير مايطلقنى وبطل يصرف عليهم". أما وراثتها للمهنة وعملها بتروسيكل فلافل أوضحت، أنها تعمل بها منذ أكثر من 20 عاماً أى تقريباً وهى فتاه ذات ال15 عام وتوارثت المهنة عن والدها الذى كان أيضاً يعمل بالوجبات الخفيفة ولم تتعلم غيرها، لافته إلى أنها تتعرض لمضايقات عده من قبل مسؤلى البلدية المهتمين بأزالة الإشغالات بالشارع ولتجنبهم تقوم بدفع مبلغ من المال لهم من كل حين لأخر للبعد عن المشكلات ولعدم مصادره مصدر رزقها، ورغم ذلك أكدت على مصادرة العربة التروسيكل مرتين وفى كل مرة كانت تدفع مبلغ قيمته 950 جنيه لأخراجها. وبنبره شقاء ممزوجة بهمسات الحزن، تحدثت عن أولادها السبع التى تسرب نصفهم من التعليم لضيق الحال ولمراعاة حالة أخيهم الأكبر المريض والذي يبلغ من العمر 18 سنة، حيث يعانى من زيادة الكهرباء بجسده وبحاجة لعمل أشعة رنين مبلغها 900 جنيه ولا يمكن ان نحدد أنها كل شهر لأن ذلك يرجع للأطباء وحين طلبهم لا يمكن أن ترد "أم حسن" أمل أبنها فالشفاء، قائلة:"فى مرة أنا عملت 3 أشاعات رنين فى شهر واحد بمبلغ 2700 جنيه"، متسائلة:"كيف لى أن احصل على ذلك المبلغ 2700 جنيه فى شهر واحد؟ مؤكدة أنها تلجأ للسلف من جيرانها. وأخيراً بعد طول الحديث مع سيدة كادحة تعمل كالرجال ولا تعرف للأنوثة طعم أنهت الحديث بكلمات معدودة تجسد ما تعيشة وتتحمله على عاتقها من مستقبل غير مرىء ملامحه لأطفالها السبعة ،:"أنا عايشة زى الرجالة فى الشارع ومبحسش أنى ست غير لما بدخل البيت".