أعيش أنا وأولادي الثلاثة ب9 جنيهات في اليوم .. وكلب المدير يأكل ب 35 جنيها نهدي هذه الحكاية للدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الذي قال في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المعارضة والخاصة أنه يقيس مدي ارتفاع مستوي المعيشة بالزيادة الهائلة التي حدثت في استهلاك الكوكاكولا. في محاولة لحل المعادلة الصعبة بعدما فشلت كل حسابات العقل والمنطق لفك شفرة الرواتب والأجور المتدنية التي لا تكفي حتي لأبسط احتياجات الأسر الفقيرة أو القاعدة العريضة من مأكل ومشرب دون أي رفاهيات أخري .. يروي لنا عم مصطفي عامل بسيط حكايته مع الراتب الذي لم ينفع معه الجمعيات أوالسلف ولا حتي الشكك. عم مصطفي أحمد الطبيب يبلغ من العمر 41 عاما ، ويعمل في إحدي شركات الأمن يتقاضي شهرياً 550 جنيها ، يعيش هو وزوجتة وأبناؤه الثلاثة في منزل صغير بحي البساتين ابنه الأكبر طارق في الصف الأول الثانوي ونورهان في الصف الثاني الإعدادي والابن الأصغر أحمد في الصف الأول الابتدائي. قضت " الأهالي" بين الأسرة يوماً من أيام الشهر لحل لغز ال550 جنيها حيث يدخل هذا المبلغ الضئيل في صراع بين احتياجات الأسرة والارتفاع الرهيب في الأسعار . بدأ عم مصطفي حديثه مبتسماً حيث يقول أقوم بتسليم راتبي لزوجتي بعد خصم 100 جنيه مصاريفي الشهرية والتي تساوي 60 تذكرة ميني باص 154 ويتبقي منها 30 جنيها للشاي وأي لقمة خفيفة أثناء الوردية علي مدار الشهر، فيما يعادل جنيه واحد لكل يوم (يعني لو شرب شاي مش هيلاقي ياكل ولو أكل عيش حاف مش هيلاقي ثمن كباية شاي يحبس بيها). ويستكمل عم مصطفي قائلا: بمجرد تسليم زوجتي ما تبقي من الراتب أشعر بأن نصف الحمل قد انزاح عن كتفي، وينزاح عني الحمل كله عندما ينتهي الشهر دون أن ينفد منها ماتبقي لها من الراتب ، ويعتبر عم مصطفي زوجته (أم طارق) من أكثر النعم التي يحمد الله عليها ، والتي استكملت حديثها حول كيفية الوفاء باحتياجات الأسرة من ايجار وكهرباء ومياه وغيره ويتبقي للطعام والشراب ومصاريف الأولاد للمدارس وغيره أيضاً من الاحتياجات اليومية طوال الثلاثين يوما . وعلي الرغم من عدم دخول أم طارق المدرسة لكنها تعلمت من الأيام الصعبة التدبير وتوفير النفقات ، وذهبت ترفع مرتبة الكنبة لتطلعنا علي ورقة حسابها حيث تعنون خاناتها بالرموز، أول خانة هي ايجار الشقة وترمز لها برسمة باب وتضع تحتها بالارقام 60 وهي قيمة الايجار الشهرية لشقتهم ، والخانة الثانية للكهرباء والمياه وترمز لها برسمة دائرة علي شكل لمبة وتقدرها دائما ب20 جنيها، والخانة الثالثة رسمة قلم وهي لمصاريف الاولاد للمدرسة علي مدار الشهر ومجموعها 90 جنيها للثلاثة أولاد، حيث يأخذ طارق جنيها ونصف الجنيه ونورهان جنيه واحد وأحمد خمسون قرشا ، فمجموع المصاريف الثابتة لكل شهر 170 جنيها ليتبقي لها 280 جنيها لطعام وشراب خمسة أفراد لمدة ثلاثين يوما ، وعليها أن توفر منها ماتستطيع ففي أنتظارها سنويا مصروفات المدارس وكساء الأولاد، دون وضع المرض او اي ظرف طاريء في الحسبان، ولا مجال لأي خطأ فهم حقاً علي حافة الجوع. وتروي لنا أم طارق قصتها مع وجباتها اليومية التي تمكنها من توفير وتدبير أمور الطعام ومن هذه الوجبات ( بطاطس محمرة- فول بالطماطم- جبنة بالطماطم- ارز بعدس- مكرونة - وجميع الخضراوات " قرديحي " خالية من اللحوم) وفي الغالب أول ثلاثة أصناف تتكرر علي مدار الشهر. وعن اللحوم التي لا تزور منزل عم مصطفي الا في أضيق الحدود أوالمناسبات والاعياد، تقول أم طارق اولادي مش بيحبوا اللحمة بيحبوا الفراخ، وبشتري حوائج الفراخ من حين لآخر وهي عبارة عن الأجنحة والرقاب وهياكل صدور الفراخ، وساعات أجيب فرخة صغيرة وأزود معاها الخضار أو الملوخية ليكفي الطعام يومين موضحة أن هذه الوجبة تستهلك مصروف يومين أو ثلاثة، وهذه المجازفة لا يمكن لها أن تتم الا والشهر يلفظ أنفاسة الاخيرة . وتواصل حديثها عن بعض الجمعيات التابعة للمساجد والتي تقدم لها إعانة شهرية قيمتها 50 جنيها وتوفر لها بعض السلع التموينية وهي عبارة عن زجاجتين زيت و2 كيلو سكر وباكو شاي كبير وكيس أرز الي جانب لبس المدرسة لأبنهم الصغير أحمد كما يذهب أولادها الثلاثة الي نفس المسجد لتلقي دروس التقوية التعليمية بدلاً من الدروس الخصوصية او المجموعات المدرسية والتي من الصعب عليهم في ظل هذه الظروف القاسية أن يدخلوها . وكلها محاولات حتي لا ينفد منها المال قبل نفاد أيام الشهر، وهذا نادراً مايحدث ففي الغالب ينتهي رصيدها قبل انتهاء الثلاثين يوما، وتذهب الي السلف من جيرانها أو الشكك من البائعين رغم أنها من اسوأ الحلول التي تجبر عليها علي حد قولها لأنها كما تصف نفسها عزيزة النفس ، لكن الظروف قاسية وسد أفواه اطفالها الجائعة أهم لديها من نفسها وكرامتها وعزة نفسها. وفي عودة الي عم مصطفي ليختتم حديثه مع الأهالي قال: انا راتبي أقل من راتب كلب مدير شركة الأمن التي أعمل فيها، والذي يأكل يومياً ب35 جنيها وأنا اللي بجيبله الأكل بنفسي في حين اَعيش أنا وأولادي الثلاثة وزوجتي ب 9 جنيهات في اليوم متسائلا " يرضي مين الكلام ده ؟ " . ويقول عم مصطفي واصفا المرض بالظروف الطارئة التي يتعرض لها كل منا " لو عيل من عيالي تعب بنصرف ولو آخر جنيه، ونبقي علي الحميد المجيد باقي الشهرو نستلف ونشكك من البائعين لحد ما يجي الفرج ونسدد ما علينا " ليكون هذا حالنا كل الأشهر ولا أمل في زيادة الراتب بشكل يوازي زيادة الأسعار "حتي العلاوة ما بقتش تنفع ".