فى عيد العمال، تذهب العقول والأبصار إلى عمال المصانع والشركات، أما «السريحة» أو الباعة الجائلون فلا أحد يسأل فيهم، ولا يعبرهم كما يقولون، رغم أن عددهم يزيد على 6 ملايين. «الوفد» التقت عددًا من هؤلاء الذين يدورون فى الشوارع، ويبيعون كل شىء وفى أى مكان، وعاشت معهم مشاكلهم ومعاناتهم ومطالبهم. وعندما سألنا عدداً من الباعة عن أمنياتهم، فكانت المفاجأة أن أحلامهم بسيطة للغاية فلم يطمح البائع إلا أن يصبح ميسور الحال (أى يستطيع تلبية احتياجات أسرته)، أو كما قال: «كشك على قد الحال»، وآخر يتمنى ألا تزعجه «البلدية» ويستطيع «أن يحجج والدته». بوجه منهك لا يغيب عنه الشحوب.. وملابس رثة لا يختفى منها أثر البقع والتمزق، أكدت الحاجة «سعدية عبدالمجيد» أنها تتنقل من مكان إلى آخر يوميًا، من أجل «لقمة لعيش»، ولكى يتعطف عليها أحد المارة ويعطيها مبلغاً من المال مقابل علبة مناديل، فهى تستيقظ كل يوم مبكرًا، لكى تستطيع بيع بضاعتها، وتعود لأحفادها بما رزقها الله. قالت الحاجة سعدية: إن ابنها الوحيد وزوجته توفيا منذ أكثر من 3 سنوات فى حادث، ولا أحد يعول أحفادها غيرها، ولم تجد طريقة تجلب لهم «الأموال» إلا بيع المناديل فى الشوارع، نظرًا لكبر سنها وعدم استطاعتها تحمل مشقة العمل، وتتمنى أن ترى أحفادها سعداء، ولا تحلم إلا بكشك صغير تبيع فيه البضاعة وبجوارها أحفادها بدلاً عن «بهدلة الشوارع». «ذرة مشوى للبيع»، هكذا كان ينادى بصوت مرتفع وهو فى الطريق المؤدى إلى الكورنيش بقلب القاهرة «محمد عبدالغنى» رغم أنه فى سن الشباب، فإن وجهه عابس ولا يضحك إلا نادرًا من كثرة الهموم.. قال الشاب: «أنا من المنيا وجئت للقاهرة من نحو 8 سنوات بحثًاً عن لقمة عيش أكون بها مستقبلى». وأضاف: الوضع فى الصعيد ميئوس منه، ولهذا اشتريت «عربية كارو» لأشتغل عليها أبيع الذرة متنقلاً على نواصى الشوارع والحارات. سألته: ولماذا الذرة؟ فأجاب: عندى استعداد أبيع أى حاجة، المهم أن الجنيه يبات فى جيبى آخر اليوم. وأكد «عبدالغنى» أن المعيشة أصبحت صعبة والأسعار مرتفعة للغاية، وبالكاد يستطيع تغطية مصاريف منزله، لافتًا إلى أنه استأجر شقة ب 500 جنيه فى الشهر ولديه طفلان.. متابعًا: «الأيام اللى إحنا فيها دى اللى يعرف يشتغل أى حاجة يشتغلها خاصة أن الحكومة مش بتسأل فى حد»، ولا يحلم «عبدالغنى» إلا أن تتركه البلدية فى حاله ولا يعتدى عليه ولا على بضاعته أحد منهم. فاكهة وفطير ويتحدث «عبدالتواب إبراهيم»، بائع فاكهة، قائلاً: «أنا من الأقصر وقررت الانتقال إلى القاهرة للبحث عن عمل مناسب براتب معقول، نظرًا لعدم وجود شغل فى محافظتى»، مشيرًا إلى أنه بعد شهور من البحث عن عمل لم يجد أى وظيفة، رغم أنه يحمل مؤهلاً متوسطًا، وبعد أن أغلقت فى وجهه كل النوافذ والأبواب قرر ممارسة أى مهنة بدلاً عن العودة إلى الأقصر مرة ثانية، ففكر فى «بيع الفواكه والخضراوات»، فهى تجارة بتكسب «كويس جدًا»، ومكسبه فى اليوم الواحد يتعدى 100 جنيه.. وعن أمنيته قال: «أتمنى أن يلعب الزهر معى وأصبح ميسور الحال وأتزوج». محسن بدوى، من الجيزة، تخرج فى كلية تربية منذ 3 سنوات، ولم يجد وظيفة مناسبة فى مجال تخصصه، فقرر العمل فى مهنة أخرى يستطيع من خلالها تحقيق هامش ربح، فنزل الشارع يبيع الفراولة والبرتقال، مشيرًا إلى أنه يفهم جيدًا فى الفاكهة لأنه من منطقة ريفية، ووالده كان فلاحًا. ويحلم «محسن» بشراء محل كبير ليبيع فيه كافة أنواع الفواكه والخضراوات. أما «حسن عبدالرحمن» بائع فطير، من الفيوم، جاء للقاهرة ليبيع «الفطائر اللذيذة» -على حد تعبيره- مشيرًا إلى أنه ورث «الشغلانة» عن والديه، مؤكدًا أن هامش ربحه يتعدى 30 جنيهًا يوميًا، وأحياناً يصل إلى 50 أو 70 جنيهًا، ولكن المشكلة التى تورق وتفسد حياته هى «البلدية»، فأحياناً تأخذ منه العربة بقوة ويلقون الفطائر على الأرض. الخضار «أم محمود»، من أبوصوير، يوميًا تترك بيتها من بعد صلاة الفجر، وتذهب لشراء الخضار من تجار الجملة، ثم تبيعه فى الأسواق لمساعدة زوجها، نجار المسلح، وتحكى أن زوجها «يوم يشتغل وعشرة لا»، وفلوسه لا تكفى للعيشة، لذلك قررت بيع الخضار لمساعدته، مشيرة إلى أنها فضلت العمل خارج قريتها لكثرة عدد الزبائن الذين يشترون منها.. وعن مكسبها اليومى، أكدت أنه يتراوح بين 30 و50 جنيهًا يوميًا.. وعن أمنيتها قالت: «أمنيتى أجوز بنتى وأحج»، لافتة إلى أنها أنجبت أربعة أبناء «ثلاثة رجال متزوجين، وابنة عمرها ست عشرة سنة». «أم على» 45 عامًا ليست أحسن حالاً من صديقتها، لديها أربعة من الشباب متزوجون، وزوجها لا يعمل على الإطلاق، فقررت هى الأخرى أن تبيع «خضار» لتنفق على الأسرة، وتتمنى «أم على» امتلاك محل تبيع فيه، بدلاً عن الجلوس فى الشوارع. مصطفى زكى، من البدرشين، يبيع فسيخ وملوحة، أكد أنه يعمل فى هذه المهنة منذ سبعة أعوام، مشيراً إلى أنه ورثها عن والده، وأنه يذهب إلى الأسواق كل يوم لكى أبيع الملوحة والزبائن تأتى إليه من كل مكان. وأكد «زكى» أنه حاصل على دبلوم تجارة، وأمنيته أن يتزوج، خاصة أن هذه المهنة لا تكفى لتكاليف الزواج فى الوقت الحالى. أما محمد سامى، من حلوان، فيذهب يومياً إلى الأسواق لكى يبيع التوابل من أجل أن يغطى تكاليف المعهد الخاص الذى يدرس به، موكدًا أن لديه طموحاً بأن يدخل كلية الهندسة بعد المعهد. وعن سبب اختياره لهذه المهنة تحديدًا، أشار إلى أنه لا يهمه نوع المهنة التى يشتغل بها، وأكثر ما يشغله أن يسدد مصاريف المعهد، لكى يلتحق بالكلية التى يتمناها. أما علاء فوزى، من أبوالنمرس، يذهب إلى الأسواق، لكى يبيع الكتاكيت التى لا يتعدى ثمنها جنيهاً أو جنيهاً ونصف الجنيه، ويحكى «علاء» أنه كان يساعد والديه فى زراعة الأرض، ولكن قرر أن يذهب إلى القاهرة مع أقاربه للبحث عن فرصة عمل أفضل، ولكنه اصطدم بالواقع عندما بحث طويلاً عن عمل مناسب ولم يجد، لم ييأس «علاء»، وقرر أن يستأجر حجرة بمائتى جنيه ويبيع الكتاكيت، مشيرًا إلى أنه يرسل لأسرته نصف ما يكسبه، أى نحو ألف وخمسمائة جنيه طيلة الشهر. إبراهيم محمد، 18 عامًا، «بائع فريسكا»، والده متوفى وأمه لا تعرف القراءة والكتابة ولديه ثلاث أخوات بنات، أحلامه بسيطة للغاية تتلخص فى تعليم أخواته البنات ومعالجة والدته «القعيدة»، وحكى أنه ليس لديه من الإمكانيات المادية ما يؤهله لتحقيق حلمه، ولكنه يسعى لتحقيق هذا الحلم. وأكد «إبراهيم» أنه يعيش بمفرده ولا يذهب لأهله إلا كل ستة شهور، لكى يوفر فى النفقات، مشيرًا إلى أن أمناء الشرطة يطاردونه يوميًا من المكان الذى يبيع فيه رغم أنه يدفع أرضية المكان، وتحدث أنه تم احتجازه فى القسم لمدة يومين وسحب منه موبايله، والتهمة سوء أدبه، ورده على أمين الشرطة. أما رفعت «45 عامًا»، أُمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة يبيع إكسسوارات منذ عشرين عامًا، يتجول فى شوارع العاصمة، لديه والدن وبنت، «محمد» فى كلية تجارة و«أحمد» فى كلية خدمة اجتماعية وابنته فى مرحلة ابتدائية، كل حلمه تعليم أولاده وحصولهم على وظيفة محترمة وتزويجهم. «أم شيماء» متزوجة ومعها أبناء وتأتى من الفيوم لكى تبيع الزيتون والليمون، علامات الحزن والشقاء تبدو على ملامح وجهها، لا تتمنى إلا أن تعيش حياة كريمة مع أبنائها الثلاثة. "روبابيكيا" تسمعه ينادى فى الشوارع والحوارى بصوت مرتفع «روبابيكيا.. بيكيا»، كلمة لا يعرفها الكثيرون، ولكن يسمعونها دائمًا، فهى إيطالية تعنى شراء الأشياء القديمة المستعملة. رمضان محمد، «33 سنة»، يفتخر كثيرًا بمهنته وأنه توارثها عن أجداده، يفضل أن يجلب «الروبابيكيا» من المناطق الشعبية والعشوائيات عن شرائها من المناطق الأكثر رقيًا، ويعتقد أن خردة المناطق الشعبية أحسن، لأنها «بتتباع بسرعة لو شوية صاج ولا حديد ولا نحاس»، إنما المناطق الراقية ممكن تجيب منها مكتب ولا كنبة ولا كرسى، أو حتى أجهزة كهربائية وتيجى تبيعها يبقى صعب. يوميًا يقلب «عم رمضان» مواسير الصرف التالفة المرصوصة بعضها فوق بعض فى «التروسيكل» الصغير ويرفع ماسورة تلو الأخرى، ويدق أطرافها المتآكلة ويُبقى على السليم منها غير المتآكل، وكل ما يتمناه أن يمتلك مصنعًا لإعادة تدوير البضائع المتآكلة. أما «عماد»، 19 عامًا، لم يكمل تعليمه، فقرر أن يعمل فى أحد مخازن «الروبابيكيا»، موكدًا أن هذه المهنة شاقة للغاية، ولكنه اعتاد عليها.