ينطلق اليوم فى مدينة شرم الشيخ المؤتمر الوطنى الأول للشباب بحثًا عن أمل وطوق نجاة لأكثر من 21 مليون شاب تحت الثلاثين، قاموا وشاركوا فى ثورتين ولم يحصلوا بعد على المكافأة ممن تصدوا لحكم البلد، وما زالت مشاكلهم مع الوظيفة والسكن والتعليم والصحة مستمرة. وعلى رغم أن المؤتمر، الذى يستمر 3 أيام، برعاية رئيس الجمهورية، يهدف إلى وضع روشتة عاجلة لهذه المشاكل، وعلى رغم مشاركة أكثر من 300 شخصية عامة ولفيف كبير من الخبراء والمختصين ونحو ثلاثة آلاف شاب يمثلون شرائح الشباب كافة إلا أن شباب مصر الذين التقت «الوفد» عينة منهم لا يثقون كثيرًا بمثل هذه المؤتمرات، وأعرب عدد كبير منهم عن مخاوفه من أن تبقى توصيات ونتائج هذا المؤتمر مجرد حبر على ورق، وتلقى فى سلة المهملات، كما ألقيت من قبل أوراق وأبحاث عشرات المؤتمرات. وعلى رغم كل هذا الشعور باليأس والإحباط من تحرك المسئولين فإن ذلك دفع عددًا منهم للتعبير عن آماله وتطلعاته وطموحاته.. وكشفوا ل«الوفد» كيف يعيشون ويفكرون.. وماذا ينتظرون!! «محمد» يعمل بوابًا ببكالوريوس تجارة تخرج «محمد» فى كلية التجارة منذ 7 سنوات ليجد الأبواب كافة مغلقة فى وجهه، فقد عانى لسنوات طويلة من عدم وجود فرصة عمل ملائمة للمؤهل الذى حصل عليه فعاش واليأس يملأ تفكيره، ويزداد يومًا بعد آخر خصوصًا بعد أن وجد أن أى وظيفة محترمة لا تأتى إلا بالواسطة وهذا ما حدث معه عندما حاول التقدم لوظيفة تم الإعلان عنها بالحى، لكنه عندما فكر فى الزواج قرر التخلى عن الشهادة الجامعية ليعمل فى أحد الجراجات.. حارس أمن بيومية قدرها 60 جنيهًا، وبمرور الوقت أنجبت زوجته 4 أطفال صغار، ليدخل «محمد» فى صراع دائم مع الحياة التى أصبحت «قاتمة» فى وجهه. وعندما سألته كيف تعيش؟ قال: إحنا مش عايشين، الأسعار نار، وراتبى الشهرى لا يتجاوز 1700 جنيه، وبالطبع لا يكفى هذا الراتب فى ظل الغلاء الفاحش للأسعار لتلبية احتياجات المنزل، وعندما حاولت البحث عن عمل إضافى لم أجد وقتًا كافيًا، فزوجتى ربة منزل وأصبحنا نعيش على الضروريات فقط، بعد أن قصم الغلاء ظهرنا. وأضاف: مثل أى مواطن اضطررت للاستغناء عن احتياجات كثيرة كالملابس واللحوم وتقليل الزيارات الأسرية لأنها تحتاج لمصاريف. ويستكمل قائلاً: أصبحت غير متفائل لكن كل شىء الآن يسير بالرشوة فقد حاولت إلحاق ابنى بمدرسة حكومية، إلا أنهم طلبوا منى 1000 جنيه لإدخاله هذا العام نظرًا لكونه أقل من سن القبول بالتنسيق بشهر واحد فقط، وبذلك لم أستطع إدخاله المدرسة، ولا أعلم كيف سأدبر نفقات تعليم أبنائى فى ظل هذا الغلاء فكل طفل منهم يحتاج مصاريف للمدرسة وملابس وطعام وشراب فضلاً عن نفقات الأدوية التى ارتفعت أسعارها أيضًا. وبإحباط شديد قال محمد: إنه لم يكن يتعلم حتى يصبح حارس أمن فهو مثل أى شاب يحلم بحياة كريمة، يستطيع من خلالها إسعاد أبنائه الصغار وتعليمهم، وقال: البسطاء لم يعد لهم مكان فى ظل هذه الظروف، فمتى يتم القضاء على الرشوة والفساد الموجودين بالمجتمع، ويتساءل: لماذا لم تتحقق أهداف الثورة حتى الآن؟ أكد أنه يخرج من الصباح الباكر ليسعى على لقمة عيشه ولا وقت أمامه للسياسة. «نادية» كل أملها سداد مصروفات المدارس وخلال جولة «الوفد» شاهدنا فتاة كانت تسير فى الشارع وتنظر إلى الأرض وكأنها تبحث عن شىء ما فقدته، فانتظرت قليلا لأعرف ما الذى تبحث عنه وفوجئت بها تجمع علب «الكانز» من الأرض بعد أن يلقيها الناس فى الشارع وتضعها داخل كيس بلاستيك فاقتربت منها ووجدت ملامح وجهها تدل على الشقاء رغم صغر سنها، فهى لم تبلغ من العمر سوى 26 سنة، وعندما سألتها عن اسمها قالت بابتسامة رقيقة: نادية! فسألتها لماذا تجمعين علب الكانز من الأرض فأجابت: أقوم بجمعها لبيعها، سألناها: بكم؟ قالت: الكيلو ب8 جنيهات، كان يقف بجوارها طفل صغير لم يتعد الثامنة من عمره قالت: ابنى محمد، توفى زوجى منذ بضعة أعوام بعد أن أصابه المرض وعجزنا عن شراء العلاج له وترك لى طفلين فى عمر الزهور. وأضافت: حملت حملا ثقيلا فى ظل مجتمع لا يرحم، فقد كان زوجى أرزقى فقررت الخروج للشارع للبحث عن عمل يوفر لنا لقمة عيش ولم أجد سوى بيع علب الكانز حتى لا أحتاج لأحد. فسألتها: هل تكفى الأموال التى تحصلين عليها فى إطعام أبنائك؟ قالت: بالتأكيد لا، فأنا أستطيع توفير قوت يومى بصعوبة وتراكمت علينا الديون، بس ربنا مابينساش حد. فسألتها: كيف تعيشون فى ظل غلاء الأسعار؟ قالت: أعمل طوال ساعات النهار من أجل العودة للمنزل بقليل من الطعام، فما أحصل عليه من أموال لا يكفى لإطعام الأطفال، ودفع فواتير الكهرباء التى تراكمت عدة شهور. هذا فضلًا عن دفع نفقات المدارس والتى أسعى بكل جهدى لأن أجمع أبنائى وأحلم برؤيتهم فى الجامعة وذلك حتى لا يعيشوا فى معاناة طوال حياتهم، ويكونوا سندًا لى عند الكبر. فسألتها عن رؤيتها للأحوال المعيشية؟ فقالت: العيشة مرار والحياة تزداد صعوبة يومًا بعد الآخر، وإذا كان الموظفون يصرخون من غلاء الأسعار فماذا أفعل أنا ، فكل ما أتمناه فى الدنيا هو رؤية أبنائى فى أحسن حال وربنا يرحمنا. فقلت لها: هلل تعرفين شيئًا عن السياسة؟ فردت ضاحكة: طبعًا لا، أنا لا أهتم سوى بإطعام الأفواه الجائعة التى تركها لى زوجى ومفيش وقت للتفكير فى حاجة تانية، الطعام أهم والناس مش عارفة تعيش. «ناصر» هرب من تقديم الشاى والقهوة ليسقط فى بئر اليأس ناصر حسن تخرج عام 2001 الماضى ليبدأ رحلة البحث عن وظيفة، فلم يترك الملل يسيطر عليه يومًا ما، بل قبل العمل فى أماكن مختلفة من أجل لقمة العيش، فهو يبلغ من العمر الآن 33 سنة عمل فى بداية تخرجه فى مطبعة ثم تركها وعمل بكافيتريا ليقدم الشاى والقهوة للزبائن مقابل 50 جنيهًا يوميًا، حيث يعمل لمدة 12 ساعة يوميًا، مما يمثل عبئًا كبيرًا عليه. وفى ذات يوم جلس يفكر مع نفسه فوجد أن العمر يمر أمام عينه دون أن يكون أسرة ويتزوج مثل أى شاب فى مثل سنه، فاسودت الدنيا أمام عينيه، وقرر العودة للبحث عن عمل من جديد؛ فقرأ إعلانًا عن وظائف فى شرم الشيخ فخرج من بيته فى الصباح الباكر للاستعلام عن تلك الوظائف لعلها ترحمه من المشاق التى يتعرض لها يوميًا، وربما تكون بمثابة باب الأمل الذى يمكن من خلالها الاستقرار فى وظيفة ثابتة يبدأ بعدها التفكير فى الزواج، فهو يملك الشقة ولا يملك الوظيفة التى تجعله يقبل على خطوة الزواج لكنه عندما توجه للسؤال عن الوظيفة الجديدة. وجد أن الراتب الشهرى 1500 جنيه فقط بسبب الركود، فكانت الصدمة كبيرة هذا المرة وتحدث قائلا: لقد أغلقت فى وجهى أبواب كثيرة وبدأت أشعر باليأس، فالحياة أصبحت صعبة، ولا أرى بريقًا من الأمل، فالحياة قاتمة فى عينى دون عمل، والأسعار فى زيادة مستمرة، كما أن المعيشة باتت أسوأ فأى شاب يحلم بالزواج لن يتمكن من تحقيق حلمه بسهولة ؛ لأنه سيصطدم بارتفاع أسعار كافة متطلباته من أثاث وشبكة ومصاريف أخرى، ويتساءل: متى توفر لنا الحكومة الوظائف التى ترحمنا من هذا الشقاء. فإذا أقبلت على خطوة الزواج لن أتمكن من الإنفاق على بيتى؛ فرغم أننى أمتلك الشقة إلا أن الزواج يعد مسئولية كبيرة ويحتاج لمصاريف، وما كنت أتقاضاه لم يكن يكفى لشراء ما يلزم الشقة من أجهزة كهربائية وأثاث ونفقات أخرى. ويقول بلهجة غاضبة وملامح وجهه عابسة: الشباب الآن لا يتزوجون قبل سنة 45 سنة والحكومة يجب أن تنظر لأوضاع الشباب فالحياة لم تعد تحتمل. «عبير» تخشى المستقبل أما عبير فقد كانت تقف أمام أحد المجمعات الاستهلاكية لشراء اللحوم التى لم تعد تدخل بيتها إلا فى المواسم والأعياد، وعندما اقتربنا للحديث معها كانت الابتسامة تملأ وجهها رغم ما تعانيه من مشاكل يومية، وعندما سألتها عن رؤيتها للحياة أكدت أنها لا ترى سوى حالة من الإحباط واليأس. فالحياة لم يعد بها بريق من الأمل، والمستقبل يزداد غموضًا، وعندما روت لنا عن ظروفها قالت: أنهيت تعليمى وتزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال، ولم أشعر بقسوة الحياة، إلا بعد دخول الأطفال المدارس فأصحبت فى معاناة يومية من كثرة المصروفات والطلبات، فقمت بتحويلهم من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، فساءت أحوالهم التعليمية. وعندما سألتها عن وظيفة زوجها أكدت أنه يعمل «فنى دش» واليومية التى يتقاضاها لا تكفى متطلبات الأبناء الذين يحتاجون دروسًا خصوصية طوال العام، فضلاً عن ملابس للمدارس وشنط وكتب ومصروفات كثيرة، هذا بخلاف مصاريف الطعام والشراب والإيجار ومش عارفين نجيب منين. وتستكمل قائلة: عندما حاول زوجى البحث عن عمل بالقطاع الخاص وجد أن الأجور لا تتلاءم مع حالة الغلاء فى المجتمع فضلاً عن المعاملة السيئة من قبل أصحاب الشركات، فهو حاصل على مؤهل متوسط، وعندما تقدم للعمل فى الوظائف التى تعلن عنها القوى العاملة يجد أن أغلبها لا يحتاج لعاملين ولا توجد أماكن شاغرة فكل الطرق مسدودة، وهو لا يستطيع أن يعمل فى وظيفتين صباحًا ومساء لأنه غير قادر صحيًا على ذلك، فتحطمت طموحاته فى إيجاد فرصة عمل ولم يكن أمامى سوى أن أدبر أمور بيتى بما أتقاضاه من يومية، والعيش على قد الحال، لكنى أشعر باليأس خاصة عندما يطلب أطفالى ألعابًا جديدة وأكون غير قادرة على شرائها لهم، أتمنى أن تنخفض الأسعار، وأن تراعى الحكومة محدودى الدخل حتى يتمكن كل مواطن الإنفاق على أسرته.