تلقى اسرائيل ترحيباً واسعاً من حكومة الجنوب السوداني، وليس هذا مفاجئا لنا فقد يأتي هذا الترحيب ثمرة عملية لجهود اسرائيلية مكثفة لبناء جسر من العلاقات مع الجنوب السوداني عبر سنوات طويلة قبل انفصال الجنوب رسميا عن السودان «الأم» واعلانه جمهورية مستقلة اعترفت بها أمريكا واسرائيل وباقي دول الغرب، واسرائيل كانت تسلح جيش الجنوب السوداني الذي كانت تصفه حكومة السودان «الأم» بأنه «جيش المتمردين»، وكانت لجون جارانج زعيم «المتمردين» الراحل علاقات وثيقة مع اسرائيل والغرب عموماً، يقابل ذلك اهمال العرب - وعلى رأسهم مصر ومن غرائب السياسة المصرية خاصة - لتوثيق العلاقات مع هذا الجانب السوداني الذي اصبح منذ أكثر من عقدين يسعى بالحرب وشن المعارك ضد الجيش السوداني «الأم» لكي ينفصل ويصبح دولة مستقلة!، وقد كان، وقد كشفت مصادر دبلوماسية اسرائيلية عن زيارة شبه سرية قام بها رئيس حكومة الجنوب السوداني «سلفا كير» لاسرائيل، ولقائه هناك بالرئيس الاسرائيلي ورئيس وزرائه ووزير خارجيته ووزير دفاعه!، وقد احيطت الزيارة بالتعتيم الكامل، حتى إنه لم يقرأ خلالها - وقد كانت زيارة خاطفة - تصريح واحد لسيلفا كير!، وكان هذا بناء على طلب الجانب الاسرائيلي، وقيل إن استعراض ما جرى في الزيارة أنها كانت لنقاش حول مشروعات زراعية وتنموية وصحية مشتركة يمكن أن ينهض بها الجانب الاسرائيلي، فإذا كانت الحرب المسلحة بين الشمال والجنوب السوداني قد انتهت الى مفاوضات اعقبتها عملية استقلال الجنوب في دولة منفصلة، فإن علينا أن نتذكر أن العرب بوجه عام قد ساندوا حكومة السودان «الأم» في محاولة فرض الحل العسكري على الجنوب والحيلولة دون انفصاله! ولكن هذا قد شهد الكثير من الاخفاق واستنزاف موارد السودان ولم ينته الى النتيجة «المرجوة»! «وسيلفا كير» أخذه مضيفوه الاسرائيليون الى متحف «ياد فاشيم» - ضحايا الهولوكوست من اليهود على يد النازي الألماني - وقد ظهر «كير» في الصور التي نشرتها الصحف - منها الوفد - وهو يتجول في المتحف، وثقتي أن الاسرائيليين قد شرحوا له كيف أن اليهود - الأقلية في ألمانيا على عهد النازي - قد لاقوا اضطهادا وحشياً حتى أن النازي الألماني قد اقتاد اليهود الى معسكرات الاعتقال حيث تم اعدامهم بالغاز السام!، وهذا الشرح لا شك يجد صدى عند «سيلفا كير» حيث هو الآخر ينتمي الى أقلية الجنوب السوداني!، وهو مقتنع بالطبع بأن الشمال المتحكم في مقدرات السودان الاقتصادية ويضن بها على أهل الجنوب! وكير لن ينسى ضحايا الجنوب من الذين قتلوا في المعارك التي شنها جيش الشمال السوداني «القوي» على الجنوب!، وبهذا الذي تحمله نفس «سيلفا كير» يمكن لاسرائيل أن تقنعه بأن اسرائيل هي الاخرى تلاقي اضطهاداً عربياً يجعلها دائما في حالة استنفار عسكري، وأن جيشها «للدفاع» فقط عن نفسها، وبذلك يجد سيلفا كير - وهو يعي ذلك - أنه في أحضان «صديق» لم يصادفه بين العرب! وليس لهم عند «كير» سوى الابتسامات!