أكد الدكتور بونيتو بولا، الباحث بالمركز الدولي لتطوير القانون الجنائي وسياسة العدالة الجنائية بإيطاليا، أن لإسرائيل دورا كبيرا وجوهريا في دعم خيار الانفصال لدى الجنوبيين عن السودان، بعد أن وقفت بقوة وراء إجراء استفتاء تقرير المصير الذي أظهرت مؤشراته الأولية اتجاه الجنوب للانفصال بنسبة كبيرة جدا. وكشف في تصريحات ل "المصريون" أن إسرائيل عرضت على سيلفا كير زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في العام الماضي منحة تقدر بحوالي 200 مليون دولار حال الانفصال، وإنشاء سفارة لإسرائيل في جوبا عاصمة السودان لتكون أول سفارة يتم افتتاحها بالجنوب السوداني. ووصف بولا إسرائيل بأنها اللاعب الأول في انفصال السودان لأهداف سياسية واقتصادية؛ أبرزها السيطرة على أجزاء كبيرة من الوسط الإفريقي وشماله خصوصا مصر، واستخدام الأراضي الزراعية لتوفير أهم المحاصيل الزراعية. فقد أشار إلى قيام إسرائيل بإبرام اتفاقيات مع حكومة جنوب السودان، منها اتفاقات زراعية كتأجير أراض لزراعة القمح فى أراضي الجنوب، واتفاقات في مجال البحث والتنقيب عن البترول تدخل في إطار المناصفة الاقتصادية. واعتبر أن الأهم من ذلك سعي إسرائيل للسيطرة على نهر النيل من الجزء الجنوبي من السودان، بعد أن استطاعت فرض سيطرتها السياسية على المنبع خاصة في إثيوبيا التي ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل. وقال إن لدى إسرائيل أطماعًا في مياه النيل، حيث أن جنوب السودان يتحكم في 12 مليار متر مكعب من النيل تريد السيطرة عليها لطموحات سياسية واقتصادية. وتحدث عن مشروع إسرائيلي لإنشاء ثلاثة سدود في مدن واو وتوريت وجوبا، لتوليد الطاقة الكهربائية، وهذا المشروع قدم بعد أن تقدمت الحكومة المصرية للجنوب السوداني بمشروع مماثل لإنشاء سد فى مدينة واو بغرض توليد الكهرباء وتوفير المياه اللازمة لزراعة 30 ألف فدان، إضافة إلى تنقية مياه الشرب لسكان المنطقة هناك. وذكر أن إسرائيل تعهدت لسيلفا كير بأنها ستعمل على تطوير جيش الجنوب، عبر إرسال خبراء عسكريين لها، وقد استضافت بعثات عسكرية وفنية للتدريب والاطلاع على أحدث التقنيات العسكرية، كما ستعمل مع الولاياتالمتحدة على دعم جيش جنوب السودان بأسلحة متطورة ومن بينها أسلحة ثقيلة. وأكد بولا أن إسرائيل استطاعت خلال الخمسة عشر عاما الماضية السيطرة على دول إفريقيا عديدة لها أبعاد إستراتيجية، في مقدمتها إثيوبيا التي درس معظم سياسيوها في جامعات تل أبيب مما جعلهم ينتمون لإسرائيل. وحذر النظام المصري من مخطط إسرائيلي أبعاده طويلة المدى الهدف منه السيطرة على منابع النيل وبسط النفوذ السياسي والاقتصادي في تلك الدول، قائلا إن إسرائيل لا تضع حدا لطموحاتها ولا تعمل اعتبارات لأحد في سبيل مصلحتها وضمان بقائها. يأتي هذا فيما اعتبر تقرير لموقع "نيوز وان" الاخباري الإسرائيلي أن الإعلام العربي يسيطر عليه "نظرية المؤامرة" في حديثه عن العلاقة بين إسرائيل وجنوب السودان، منتقدا إقحام وسائل الإعلام العربية لاسم إسرائيل في أزمة مياه حوض النيل. وقال إن هناك عدة أمور لم تضح بعد بين شمال السودان وجنوبه، على رأسها إذا ما نشأت دول مستقلة في الجنوب هل ستشرك هذه الدولة الشمال في ثرواتها الطبيعية، وكيف سيتم تقسيم مياه النيل بينهما. وأوضح التقرير أن هناك سؤالا هاما يتعلق بمصر وهو ما إذا قامت دولة بالجنوب ورغبت في تحسين مجالي الزراعة والصناعة بأراضيها وتطلب الأمر زيادة حصتها من مياه النيل هل سيؤدي هذا الى تقليل نصيب مصر وشمال السودان من مياه النهر. وأشار إلى أن الفترة الحالية تشهد معاناة مصر نتيجة انخفاض كميات المياه القادمة من الجنوب بسبب عمليات التطوير الزراعي من جانب أوغندا واثيوبيا، فما الحال إذا انتهجت دولة جنوب السودان نفس خطاهما، متوقعة في تلك الحالة أن يزيد التوتر بين دول حوض النيل على حصصها من مياه النهر. وذكر أنه في ظل تلك الأزمة يقوم الإعلام العربي بإقحام اسم إسرائيل في الأمر "بشكل يسيء لها"، وتظهر أصوات تزعم مسئوليتها عن تمرد الجنوب السوداني ضد شماله، لإضعاف الوحدة العربية ووضع قضية الحدود على جدول أعمال الدول العربية، والسعي لإدخال العرب في أتون الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة والجماهير غير المشاركة في السلطة مما يؤدي في النهاية إلى تفكيك الدول العربية وإضعافها. وقال التقرير إن تلك المزاعم المتكررة كانت تتردد في السابق متحدثا عن علاقة اسرائيل بالأكراد في شمال العراق والآن يتكرر الأمر فيما يتعلق بالساحة السودانية، وهو ما يظهر في تقارير إعلامية تتحدث عن تواجد رجال أعمال إسرائيليين في جنوب السودان وتضخيم الإعلام العربي المؤمن بنظرية المؤامرة للأمور، وتصويرها على أن هناك تهديدا اسرائيل للعالم العربي بأكمله. وتحت عنوان "جنوب السودان... بقرة حلوب"، وصف الموقع الإسرائيلي السودان بأنه يعد أكبر مثال على النتائج السيئة للاحتلال والاستعمار الأجنبي. وقال إن السودان دولة كبيرة مساحتا مائة ضعف مساحة إسرائيل وعدد سكانها 45 مليون نسمة ومنذ تحريرها عام 1956 من السيطرة البريطانية والمصرية يجلس على كرسي الحكم مجموعة عربية مسلمة مركز قوة في شمال شرق البلاد، أما مواطنو الجنوب فمنهم مسيحيون ومنهم وثنيون- عبدة أصنام- بينما مواطنو دارفور في غرب السودان يعدون مسلمون أفارقة ولا ينتمون للجنس العربي. وأضاف إن معارك قاسية وقعت بين الجنوب والشمال السوداني، نظرا لأن الجنوب غير المسلم يرفض سيطرة العرب المسلمين على الجزء الجنوبي من البلاد وثرواته الاقتصادية، موضحا أن الجنوب يتمتع بالنفط والمحاجر ويرغب مواطنوه بالاحتفاظ بأرباحهم بينما ينظر الشمال للجنوب على أن بقرة حلوب يمتصون حليبها دون رقيب، حسب تعبيره. وذكر ان الملايين من أبناء الجنوب السوداني يعيشون في المنفى بعيدا عن بلادهم وجزء كبير منم يعيش في البلاد المجاورة، مثل مصر وكييا وإثيوبيا وإريتريا وأوغندا، مضيفا أن هؤلاء الجنوبيين يعيشون في مصر كلاجئين ويقوم جزء منهم بالهروب لإسرائيل عبر الحدود مع سيناء.