إلي أين يمضي السودان؟ الي الوحدة أم الي الانفصال وتقسيمه الي شطرين: الشمال والجنوب؟ والي أين تتجه مؤشرات الاستفتاء المصيري الذي يقرر مصير السودان الكبير الذي ظل موحدا علي مدي قرون رغم تباين العرقيات واختلاف الدين بين العرب المسلمين وبين الجنوبيين المسيحيين؟. ان ما يحدث في السودان يؤثر بشكل مباشر علي الأمن القومي المصري وعلي الاوضاع في دول حوض النيل وعلي تقسيم الثروة في السودان من البترول والذهب والحصة من مياه النيل.. ولايمكن التنبؤ بنتيجة الاستفتاء وماهو اختيار الجنوبيين ولكن الانفصال ظل واردا بعد الاستقلال وبعد سنوات الحرب الاهلية التي استمرت بين الجيش السوداني وبين الحركات الانفصالية المسلحة منذ ظهور حركة »ايناينيا« وأدي ذلك الي تعميق الخلافات بين قبائل الجنوب من الزنوج مثل الدنكا وبين قبائل المسيرية من العرب وخصوصا في منطقة أبييه المتنازع عليها! وأدي هذا الصراع المسلح الي تفاقم الاوضاع السيئة للجنوب وبقائه علي حال التخلف والنسيان مما ادي الي احساس الجنوبيين بالاهمال من الحكومة المركزية في الخرطوم.. وتعاظم هذا الشعور بعدما قام جون جارانج بتكوين (الحركة) الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وقامت اسرائيل سرا بامداده بالسلاح تمهيدا لانفصال الجنوب. وأتوقف أمام نقطتين أساسيتين في اسباب تدهور الحال في السودان واستمرار الصراع المسلح علي مدي سنوات: الدور الذي لعبه الاحتلال البريطاني في وقت مبكر لفصل الجنوب عن الشمال والسماح لارسياليات التبشير بممارسة نشاطها لنشر الدين المسيحي بين اهالي الجنوب الافارقة من خلال المساعدات الانسانية.. التعليم والعلاج- التي تقدمها لهم في غياب الحكومة ولذلك صار معظم الجنوبيين يعتنقون المسيحية علي ايدي تلك الارساليات وبما ادي الي تعميق الخلاف. الهدف الذي حدده ديفيد بن جوريون مؤسس اسرائيل بالنفاذ الي جنوب السودان ومساندة الحركات الانفصالية لاقامة دولة في الجنوب علي علاقات وثيقة بإسرائيل للاستفادة من مياه منابع النيل الابيض. ورغم ذلك فان الحكومات المتعاقبة في الخرطوم منذ عام 6591 لم تنتبه الي ضرورة تنمية الجنوب وتلبية احتياجات سكانه من البنية التحتية بدلا من الاكواخ البدائية وتقاسم الثروة، وبما أدي الي ظهور الحركات الانفصالية ووجدت أرضا خصبة للانتشار بين الجنوبيين وأغلبهم من المسيحيين. وظل السودان في حالة التوتر وعدم الاستقرار وحتي انتهاء الحرب الاهلية عام 5002 وتوصل الرئيس عمر البشير وجون جارانج الي توقيع اتفاق نيفاشا الشامل والذي اعطي جنوب السودان الحكم الذاتي والحق في تقرير المصير من خلال الاستفتاء، واصبح جارانج النائب الاول للرئيس السوداني ولكنه لقي مصرعه في حادث طائرة غامض وجاء بعده الجنرال سيلفا كير!. ومرت السنوات الست ولكن تأخر الوقت في تقديم عروض جاذبة للوحدة في مواجهة تحديات الانفصال ووجدت حكومة الخرطوم نفسها في مواجهة الاستفتاء المصيري، ولذلك عرض الرئيس البشير مؤخرا التنازل عن حصة البترول في الجنوب لاهل الجنوب بالكامل، وعرض ايضا ادماج الجيش الشعبي في الجيش السوداني في حالة اختيار الوحدة.. ووصل البشير الي حد انه يرحب بانفصال الجنوب اذا عبر الاستفتاء عن ارادة سكانه وعلي حد قوله: مرحبا بكم ومبروك عليكم، ولكن حانفضل اخوان نتعاون مع بعض ونعيش مع بعض! والمشكلة التي يواجهها الجنوب في حالة الانفصال انه ليست لديه مقومات الدولة حاليا وهو في حاجة الي مشروعات تنمية وبناء مرافق وفي حاجة الي استثمارات فوق طاقته.. رغم ان السودان ينتج 05 الف برميل من البترول يوميا وإلي جانب اكتشاف الذهب بوفرة في الشمال!.