مثل كل عام تبدأ الدراسة وتبدأ معها مخاوف لا حصر لها من مشاكل مزمنة نعاني منها منذ عشرات السنين، ولا نجد حلاً. ورغم أن كل الوزراء الذين تعاقبوا على منصب وزير التربية والتعليم يعلمون جيدا هذه المشكلات، إلا أن أحدا منهم لم يتمكن من وضع حلول حقيقية لها، حتى باتت مشكلات التعليم فى مصر معضلة تعوق تقدم الدولة، ورغم التعديلات الدستورية التى نصت على زيادة مخصصات التعليم باعتباره إحدى أهم ركائز التنمية، إلا أن هذا لم يحدث وبالتالى بقيت مشاكل التعليم كما هى. نقص حاد فى الفصول يصل إلى 232 ألف فصل دراسى، ونقص فى أعداد المدرسين يصل إلى حوالى 100 ألف معلم رغم البطالة المنتشرة بين خريجى كليات التربية، بالإضافة إلى مشكلات ضعف المعلمين وعدم تدريبهم، ومشكلة المناهج وطرق تدريسها المعتمدة على التلقين والحفظ، ناهيك عن مشكلة الدروس الخصوصية التى تلتهم مما يقرب من 22 مليار جنيه من ميزانية الأسر المصرية. وفى الوقت الذى يعلم فيه جميع المسئولين بحجم هذه الكوارث، إلا أنه لا توجد حلول حقيقية للقضاء عليها، فى حين أن تجارب الدول أكدت أنه بدون تعليم جيد لن تستطيع أى دولة ان تحقق نهضة حقيقية، فهل تنجح الوزارة الحالية فيما فشلت فيه غيرها وتنقذ التعليم و تنقذ معه مستقبل مصر؟ ووفقا لإحصاءات وزارة التربية والتعليم هناك نقص حاد فى المدارس حيث يوجد فى مصر 2066 منطقة محرومة من المدارس فى 17 محافظة، ولا يستثنى من ذلك الوجه البحرى عن القبلى، فهناك 10279 قرية فى الوجهين لا توجد بها مدارس تقدر نسبتها ب24.5%من القرى المصرية، وبذلك تحتاج مصر إلى إنشاء 232 ألف فصل دراسى تتكلف 51 مليارا و 167 مليون جنيه، ولأن الحكومة عاجزة عن توفير هذا المبلغ تعمل 14.2% من المدارس بنظام الفترات للتغلب على هذه المشكلة، هذا بالإضافة إلى ظهور مشكلة كثافة الفصول والتى تصل فى بعض المدارس إلى 120 طالبا فى الفصل، مما يصعب على المعلم السيطرة عليهم وبالتالى تصبح الاستفادة من المدرسة صفرا. أما المشكلة الأخرى التى يعانى منها التعليم فهى مشكلة الدروس الخصوصية التى تلتهم 22 مليار جنيه سنويا من ميزانية الأسر المصرية. ورغم الحرب التى تشنها الوزارة كل فترة على مراكز الدروس الخصوصية وإغلاقها، والتهديد بتجريم الظاهرة ومعاقبة المعلمين المتورطين فيها إلا أن فشل المدارس فى تقديم خدمة تعليمية للطلاب جعل هذه الظاهرة تنمو وتزدهر حتى أصبح خروج الطلاب فى مظاهرات فى الموسم الماضى ضد قرار الوزارة بإغلاق هذه المراكز. من ناحية أخرى كشفت كارثة تسريب امتحانات الثانوية العامة خلال العام الدراسى الماضى عن مشكلة كبرى فى نظام التعليم المعتمد على الحفظ والتلقين، وطالب البعض بإعادة النظر فى نظام التعليم وعدم الاعتماد على المجموع فى تحديد مستقبل الطلاب بما يفتح مجالاً لتسريب الامتحانات وبيعها عبر الانترنت. وكشفت الدراسات التى أجريت حول مشاكل التعليم فى مصر، أن العملية التعليمية تعانى من مشكلات عديدة تلازم محاور العملية التعليمية الأربعة وهى: المعلم والطالب والمدرسة والمنهج الدراسى، فالمعلم غير مؤهل تربوياً ولا تعليمياً، وتدنى الأجور أدى إلى لجوئه إلى الدروس الخصوصية التى أفقدته هيبته أمام الطالب. أما الطالب نفسه ففقد الثقة فى اهمية التعليم وهو ما جعله غير مقبل على العملية التعليمية، فى حين فقدت المدرسة كمكان للتعلم دورها نتيجة لضعف الامكانيات والتمويل وعدم وجود وسائل تعليمية فيها مما قلل من رغبة الطلاب فى التوجه إليها، بالإضافة إلى تكدس الطلاب داخل الفصول. أما المحور الرابع وهو المناهج فتعانى من الاعتماد على الحفظ والتلقين، والحشو والاعتماد على الجانب النظرى فقط دون الجانب العلمى، بالإضافة إلى عدم ملاءمة المناهج للتطور العلمى المستمر، ووصفت الدراسات مشاكل التعليم فى مصر بأنها قضية أمن قومى لابد من العمل على حلها، ومع ذلك ما زال التعليم فى مصر على حاله، تعقد عشرات الندوات والمؤتمرات من أجله كل عام، وجميعها تخرج بتوصيات تؤكد ضرورة تطوير التعليم وحل مشكلاته المزمنة، وتقوم ثورات وتتغير حكومات، والجميع يتحدث عن أهمية التعليم لإنقاذ مصر، ومع ذلك فلا شيء يحدث. ويؤكد الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، عضو المجالس المتخصصة، أن انقاذ التعليم أصبح قضية أمن قومى وهو قضية المجتمع كله وليست قضية وزير أو وزارة. وأضاف: لابد من وجود استراتيجية متكاملة للتعليم تحدد أهدافه وطريقة تحقيق الأهداف. وأكد أن الملاحظات الثلاث التى أبداها الرئيس «السيسى» على استراتيجية التعليم التى تم وضعها إبان عهد الوزير الدكتور محب الرافعى، يجب أن يتم تفعيلها، وهو الاعتماد على الأنشطة فى المدارس حتى تكون المدارس جاذبة للطلاب، وتدريب المعلمين، حيث إن الاحصاءات تؤكد ان 67% من المعلمين غير مؤهلين تربوياً، مما يؤثر على العملية التعليمية، وهذا يتطلب تطوير كليات التربية لتخريج معلمين أكفاء، أما الملاحظة الثالثة فهى تقليل كثافة الفصول، بحيث لا تزيد على 35 طالبا فى الفصل، حتى يمكن التفاعل بين المعلم وطلابه، وبذلك يمكن القضاء على الدروس الخصوصية. وقال «شحاتة» إن هناك حزمة من الاجراءات لابد من اتخاذها للنهوض بالتعليم أولها الشراكة المجتمعية بحيث يشارك رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدنى الحكومة فى إنشاء المدارس وإمدادها بالتكنولوجيا المتقدمة وتدريب المعلمين، مع ضرورة العمل بمبدأ اللامركزية، بحيث تصبح كل منطقة تعليمية مستقلة فى اتخاذ القرار ومعالجة المشكلات التى تواجهها، مع المحافظة على مركزية التخطيط، وأكد ضرورة تفعيل دور مجالس الأمناء فى المدارس لوضع حلول غير تقليدية للمشكلات التى تواجه العملية التعليمية. وطالب بضرورة تغيير ثقافة المجتمع ليصبح التعليم من أجل الحياة وليس من أجل الامتحانات، مع ضرورة ربط التعليم بسوق العمل والتوسع فى التعليم الفنى وتخصيص وزارة له، مع ضرورة الاهتمام بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وتدريب الطلاب فى الشركات والمصانع لربط التعليم النظرى بالواقع العملى، وأشار إلى أن المناهج الدراسية يجب وضعها فى إطار المنافسة العالمية، بحيث نستفيد من العالمى لخدمة المصرى، مع ضرورة الاهتمام بالجانب الأخلاقى فى المناهج مع الجانب المعرفى، بحيث يكون الاهتمام بقيمة ما تحتويه المناهج لا بكثرته. ويلتقط الدكتور محمد المفتى، العميد الأسبق لكلية التربية جامعة عين شمس، طرف الحديث، مشيراً إلى أن إصلاح التعليم لا يتم إلا من خلال منظومة متكاملة تبدأ من اختيار الوزير من الأكفاء أصحاب الخبرة العلمية، على أن يتم وضع استراتيجية متكاملة للتعليم يتم تنفيذها على مدار السنوات، بغض النظر عمن يتولى الحقيبة الوزارية، وتعيين متخصصين لإدارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، وتطوير المناهج بواسطة المتخصصين والبعد عن نظام المسابقة الذى أثبت عدم جدواه، مع تغيير أسلوب ونظام الامتحانات بحيث تشمل أسئلة بحثية وليست أسئلة لقياس التذكر والقدرة على الاسترجاع ، مع ضرورة تجريم الدروس الخصوصية بنص قانونى، وتطوير نظام الاشراف الفنى على المدارس بما يضمن التوجيه والإشراف والمتابعة المستمرة.