دعوى قضائية لإلزام أعضاء البرلمان بالتفرغ.. وزيادة البدلات لم تحل المشكلة نص الدستور المصرى فى مادته 103 على تفرغ أعضاء مجلس النواب لمهام عملهم داخل المجلس، وجاء نص المادة واضحاً ومطلقاً حالياً من عيوب الاستثناءات. وحين وضعت لجنة الخمسين هذه المادة أصرت على ضرورة ترك النائب كل ما يشغله ليضع نفسه تحت مسئولية المجلس مهما كانت المغريات أو المسئوليات، للتفرغ لمهامه كنائب من تشريع وغيره من ناحية، ودرءاً لشبهة الفساد واستغلال النفوذ والكسب غير المشروع من ناحية أخرى، وعلى أرض الواقع نجد أن عدداً كبيراً من النواب ما زالوا يمارسون أعمالاً أخرى بجانب عضوية المجلس، سواء للعمل فى مهن حرة كمكاتب المحاماة والاستشارات القانونية أو عيادات طبية خاصة أو غيرها من المؤسسات العامة والخاصة، فى مخالفة صارخة وواضحة للمادة 103 من الدستور، وانشغال عضو البرلمان بعمل آخر أثناء عضويته ليس فقط مخالفاً ل«الدستور»، لكنه أيضاً يعيق النائب عن القيام بمهامه لأنه يبقى منشغلاً بعمله الخاص الذى يستحوذ على وقته وتفكيره ما يجعل قدرته على التركيز فى قضايا الأمة والاضطلاع بدوره المنوط من مناقشة القضايا وطرح الأسئلة والاستجوابات ودراسة الملفات الشائكة -وهى كثيرة- أقل كثيراً من المتوقع، وينعكس بالتالى على نسبة حضور الجلسات. الفقيه الدستورى الدكتور شوقى السيد يؤكد أن التفرع التام لأعمال مجلس النواب أمر حتمى ومطلق وفق نص المادة «103» التى تنص: «يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية، ويجب على أعضاء المجلس جميعاً الالتزام بهذا النص الدستورى لأن مخالفته من شأنها إسقاط العضوية عن نائب البرلمان». ونوه السيد بأن حالة الجدل التى يتعمد البعض إثارتها بأن هذا التفرع مقصور فقط على من يعملون فى الوظائف الحكومية وقطاع الأعمال والقطاع العام مستندين للجزء الثانى من نص المادة 103 من الدستور مخالف للحقيقة، حيث إن نص المادة هو يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقاً للقانون. وتفسير هذه المادة أن التفرع لأعمال المجلس أمر حتمى على جميع النواب، بينما الجزء الثانى المتعلق بحفظ الوظيفة امتد لقانون مجلس النواب الذى شرح الأمر فى مادته 31 فقصرته على العاملين بالدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال، ومع ذلك فما زال بعض الأعضاء يتمسكون بوظائفهم وعدم تفرغهم وهى طامة كبرى، إذ يتضمن ذلك مخالفة للدستور الذى يلزم الأعضاء بالتفرغ أما الاحتفاظ بالوظيفة وسداد الأجر فإنه يخص الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال فقط، أما غير هؤلاء من العاملين بالقطاع الخاص أو المهن الحرة فقد ألزمتهم المادة 103 بالتفرغ الحتمى لعضوية المجلس وتقاضى المكافأة الشهرية التى قدرت ب15 ألف جنيه، وبألا تتجاوز أربعة أمثال، أى نحو ستين ألف جنيه بالمكافآت ومقابل حضور الجلسات وهو مقابل مجزٍ. ويضيف السيد أنه مع ذلك فإن بعض الأعضاء ما زالوا غير متفرغين لمهام العضوية ومتمسكين بوظائفهم ورواتبهم، منهم من العاملين بالقطاع الخاص وآخرون بالقطاع الحكومى والعام، بالإضافة لمهام عضوية المجلس والجمع بين مكافأة العضوية والأجر، وترتب على مخالفة هذا الالتزام إخلال بواجبات العضوية التى توجب إسقاط العضوية والمنصوص عليها بالمادة «110» من الدستور بأغلبية ثلثى أعضائه، والمادة 47 من قانون مجلس النواب التى تقر بأن كل مخالفة لعضو مجلس النواب للواجبات والمنصوص عليها إخلال بواجبات العضوية وهو خطاب موجه وملزم إلى كل عضو. وأشار السيد إلى أن النائبة أنيسة حسونة بالمجلس ما زالت تعمل مديراً تنفيذياً لمؤسسة مجدى يعقوب للقلب وتتقاضى راتباً شهرياً، وأيضاً أسامة هيكل العضو بالمجلس ما زال يتقلد منصب رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى!! ويقول المحامى عصام الإسلامبولى شخصياً أرى ضرورة تفرع أعضاء مجلس النواب تماماً لمهام عملهم بالمجلس، وألا يجمعوا بين هذه العضوية وأى عمل كان سواء عام أو خاص أو مهن حرة أو مكاتب أو عيادات أو شركات، وأنه كان يجدر على قانون مجلس النواب التعرض لهذا الأمر وعرضه تفصيلياً طبقاً للدستور وألا يقتصر الأمر على العاملين فقط بالقطاع العام أو قطاع الأعمال العام. فى نفس السياق أقام الدكتور جمال زهران أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية والإدارة العامة بكلية التجارة جامعة بورسعيد دعوى قضائية أمام القضاء الإدارى التى تطالب فيها بإلزام جميع أعضاء مجلس النواب بالتفرغ لأعمال المجلس ضماناً لحسن أدائهم. واختصمت الدعوى التى حملت رقم «50600» لسنة «70» قضائية والتى أحالها القضاء الإدارى إلى هيئة المفوضين لإبداء الرأي، كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب بصفتهم، حيث ذكر أن المطعون ضدهم لم يصدروا القرار التنفيذى للمادة 103 من الدستور بإلزام جميع أعضاء مجلس النواب بالتفرع لمهام عضويتهم بالمجلس. وأشارت الدعوى إلى أن الدستور كلف مجلس النواب بمهام التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة.. ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وبالتالى يقع على عاتق أعضاء مجلس النواب مسئوليات جسيمة تفرض عليهم العكوف على تنفيذها وضماناً وتيسيراً لحسن أداء تلك المسئوليات، فقد منحهم بعض المميزات والتسهيلات لتوفير المناخ المناسب للعمل، وأضافت الدعوى أن المادة «103» من الدستور ألزمت عضو المجلس بالتفرغ لمهام العضوية مع الاحتفاظ بوظيفته أو عمله طبقاً للقانون، مضيفاً أن القانون رقم 46 لسنة 2014 تضمن تفرقة بين أعضاء مجلس النواب فى المادة 31 و44 منه، حيث ألزم المشرع أعضاء مجلس النواب من العاملين بالدولة بالتفرغ، فى حين لم يلزم أعضاء مجلس النواب الذين يباشرون أعمالاً حرة بالتفرغ، واكتفى بإلزامهم فقط بإخطار المجلس مما يؤدى إلى وجود شبهة عدم دستورية، ويقول الكاتب الصحفى محمد عبدالغفار: إن الدستور الحالى نص على ضرورة تفرغ النائب لعمله البرلمانى سواء كان هذا العمل عاماً أو خاصاً أو وظيفة، ويضيف: العمل العام هنا يعنى أنه لا يمكن أن يكون رئيساً لأى نادٍ من الأندية ويجمع معها عضوية البرلمان، أو يكون رئيساً لنقابة مهنية أو عضواً بمجلس إدارتها ويكون عضواً بالبرلمان حتى يتفرغ لعمله. وأضاف: أن عدداً كبيراً من الأطباء والمحامين من أعضاء المجلس الحالى والذين يتجاوز عددهم 93 نائباً ما زالوا يمارسون عملهم الحر سواء فى مكاتب المحاماه أو العيادات الطبية، على الرغم من أن مكافآت النواب ارتفعت عن ذى قبل، كما ارتفعت قيمة البدلات الخاصة بأعمال جلسات اللجان والتى من شأنها أن تعوض النائب عما كان يأخذه من وظيفته أو مهنته جراء التفرغ الذى ألزمه به الدستور. وشدد عبدالغفار على أنه إذا كان نواب المجلس يريدون من المواطنين احترام الدستور والقانون فيتعين عليهم احترامه أولاً وتفعيل بنوده، خاصة أنهم جميعاً كانوا على علم ببنود الدستور التى تلزمهم بالتفرغ لمهام أعمال مجلس النواب قبيل ترشحهم للانتخابات البرلمانية.