. وراسبوتين هو ذلك (الفاجر) وهذا هو ترجمة اسمه باللغة العربية الذى أحاط بروسيا إحاطة السوار بالمعصم متحكماً فيها مسيطراً عليها بقبضة من حديد، وذلك قبيل الثورة البلشفية التى اندلعت عام 1917 وكان منخوباً الفؤاد خؤونا ساحراً جباناً يهرف بما يعرف أو لا يعرف. .. اسمه الحقيقى «غوبغورى بفيمتش» ولد بسيبيريا عام 1869 ضمن ما قيل عنه أنه فى ريعان شبابه قد حوكم بتهمة اقترافه لجريمة سرقة، وعوقب جراء ذلك بالعمل فى خدمة إحدى الكنائس، ومن ثم توطدت أواصر الصداقة بينه وبين رجال الدين، ورويداً رويداً أسبغ عليه الكهنة صفة رجل الدين رغم فسقه وفساده، فقد كان دائماً صبحه وليله يعاقر بنت الحان ولا يكف عن شربها وتجرعها ثم يتسربل بعدها بلباس الكهنوت. .. ذاع صيته وانتشر اسمه من خلال ما أشيع عنه أنه كان صاحب قدرات خارقة يشع من عينيه الزرقاوين بريق عجيى غامض يثير الرهبة والفزع فى كل من يراه. .. أصيب الابن الأصغر «أليكسيس نيكوليافبتش»، «ولى عهد القيصر» «نيقولا الثانى» بجرح غائر نزف من خلاله الدم الغزير إذ كان مصاباً بسيلان الدم وتقعر داخل حجرته يهمى من عينيه الدمع السخين إذ وقف الأطباء أمامه حيار دون أن يفلحوا فى علاجه، فأشار بعض رجال القصر على القيصر وزوجه «ألكساندرا»، (وقد أعدما سوياً عام 1917 واجتثث بإعدامهما هما وعائلتهما سلالة أسرة رومانوف) باستدعاء راسبوتين باعتباره رجل دين مبارك (ليس حسنى مبارك)! وأنه صاحب يقين ويتحلى بالروح القدس الأمين. .. توجه راسبوتين يحث الخطى تجاه ولى العهد وتمكن من وقف نزيف الدم وشفى بعد ذلك من علته، فأنزله القيصر وزوجته مكاناً علياً فى البلاط القيصرى حتى أمسى بين ليلة وضحاها متحكماً فى ديوان القصر الإمبراطورى النساء فيه قبل الرجال إذ كان عشقه الدائم هو المرأة لا بديل سواها ولا يزيغ بصره دونها. .. تحول راسبوتين بعد ذلك من خادم فى القصر إلى أن أصبح السيد المطاع كل ينعم عليه بما استطاع، فلعب دوراً بالغ السوء فى أروقة الحكم بل وفى أرجاء متسعة من البلاد الروسية. .. ضاق به ذرعاً الأمير الروسى «فيكس لوسيبوف» فدبر له أمراً بليل فدعاه إلى الحضور على وليمة أولمها له فى قصره وقدم له من خلال صحاف أطايب طعامه شطائر من الحلوى مملوءة «بسم السيانيد القاتل» بيد إنها لم تؤثر فيه إذ كان راسبوتين قد تعود على أن يسكب فى حلقة بين الحين والحين قطرات من هذا السم الزعاف حتى يتعود عليه ويسلم من أعدائه الذين تنبأ بأنهم يتربصون به الدوائر آناء الليل وأطراف النهار وأنه حتماً سيلقى مصيره على أيديهم. .. عاد الأمير فقدم له نبيذاً مسموماً فشربه ولكنه لم يُجد معه كذلك فتيلاً. .. ولما استيأس الأمير منه أمر حاشيته فهجموا عليه هجمة ضارية وأطلقوا عليه مع من يدعى «يوسوبوى» رصاص غدارتهم مصابين إياه فى القلب والرأس وتأكدوا أنه أسلم الروح فقيدوه وأخذوه وألقوه فى نهر «نهرانيفا» بعد أن حفروا فيه حفرة ودفنوه فيها.. فبحثت السلطات عنه بعد غيابه وعدم إيابه، حتى عثروا عليه مجمداً فى قاع هذا النهر الجليدى، وإذ حللوا جثته لكى يتبينوا أساب وفاته تبين أنه لم يمت بالرصاص، ولا بالسم وذلك بالتحليل الذى أجروه على جثته، وإنما هو قد قضى غرقاً بعد تسرب الماء إلى رئتيه عن طريق تنفسه؟!! .. والسؤال الذى يثور: كم تواجد على أرض مصر مثل «راسبوتين»؟! وكم ابتليت مصر بمثله خلال عهود ظلامها التى استمرت عقوداً طويلة من الزمان؟ .. كثيرين هم مثل راسبوتين أحاطوا بحكامها وقد تحولقوا حولهم كالذئاب الجائعة ينهشون فى لحمها وخيراتها ثم تحولوا إلى أفاع تنفث سمومها فى قلب الوطن خلال ما كانوا يُسرون به فى آذان أولئك الحكام من كذب صراح وغش وتزوير بعد أن خربت ذممهم مستغلين، إنا استبداد هؤلاء الفراعين.. أو كبر سنهم.. أو حداثة عهدهم.. أو اضمحلال ثقافتهم.. إن كانت لديهم ثقافة أصلاً.. ثقافة حب الوطن والانتماء إليه؟! .. حمداً لله، فقد سطع نور الثورة المصرية المباركة فنزعت الستر عن هذه الحفنة الضالة المضلة من «الراسبوتيين» الدجالين عن خاف مساعيهم بعد أن سلبوا الحكم عقله وأماتوا قلبه فاستحقوا هم ومن انصاع لهم اللعنات وباءوا بالويلات أحقاباً بعد أحقاب.