"قص الورق فن صيني بسيط، كاد يندثر مع التحول الكبير الذي يشهده المجتمع في الريف والمدن، أصبح في الآونة الأخيرة هواية يتهافت عليها الكبار والصغار ليس فقط في الصين ولكن يقبل عليه كثير من الشباب والأسر العربية. فكرة قص الورق معروفة لدى كثير من الشعوب، حيث يستخدمون مقصا وقلما ومسطرة وريقات ملونة في تكوين أشكال زخرفية حسب مستوى كل فرد وذوقه العام، ولكن أقبال العرب على تعلم هذا الفن على يد خبراء من الصين أثار العديد من التساؤلات حول الدوافع التي جعلت هذا الفن ملتقى الأسر الصينية والعربية. فعندما أعلن المركز الثقافي الصيني بالقاهرة الشهر الماضي عن رغبته في تنظيم دورة لتعليم الناس فن قص الورق، كانت مفاجأة أن أقبل على تلك التجربة عشرات الأسر، بعضهم أطفال لم يتعدوا 6 سنوات وسيدات ناهز عمرهم الخمسين عاما وفتيات بالجامعات، و المفاجأة الكبرى أن رجالا تزاحموا على المشاركة في هذه الدورات". تعتبر الدكتورة تشن دون يون المستشار الثقافي بسفارة الصين ومدير المركز الثقافي الصيني بالقاهرة إقبال الأسر العربية على تعلم فن الورق بأنه ظاهرة تنم عن وجود روابط عميقة تعزز تلاقي الثقافتين العربية والصينية على المستوى الشعبي. وتوضح أن فن قص الورق منبعه المناطق الريفية، حيث يستخدمه الناس في التجهيز لتطريز الملابس وخاصة فساتين الزفاف وملابس العروس وتجميل بيوتهم، بوضع الرسوم التي تقص على الجدران والشبابيك، لحرصهم على أن يكون البيت به لمسه من الجمال والتميز. وتذكر الدكتور تشن أن قص الورق يقبل على تعلمه عادة البنات اللآئي لم يلن حظا من التعليم والعجائز ممن لديهم متسع من الوقت ويرغبن في قضائه في أشياء ممتعه ومفيدة. وتضيف: لقد تعرض هذا الفن الشعبي الصيني مع مرور الزمن وتغير الحياة الاجتماعية في الريف والمدن إلى خطورة الإدثار، فأصبح هناك قلة ممن يملكون خبراته،لذلك اهتمت وزارة الثقافة الصينية بالتنقيب عن الخبرات التي تمارس هذه النوعية من الفن بإتقان وأنشات العديد من المدارس لتخريج جيل جديد قادر على المحافظة عليه بأسلوب علمي راق. وتبين الدكتور تشن أن حماسها لنشر هذا الفن في مصر والمنطقة العربية وراء استدعائها أفضل خبيرة في الصين لتدريس هذا الفن من الجيل الجديد الذي أتقنه بالممارسة والدراسة،لنشره بين الأسر العربية، مستدركة بأنها لم تكن تحلم بأن ينال كل هذا الإقبال من السيدات والأطفال والشباب العرب. خبيرة دولية تشرح الخبيرة الشابة فان شياو ميي التي جابت العديد من المراكز الثقافية في ألمانيا والولايات المتحدة ولندن لتعليم الأجانب فن قص الورق أسباب اعجابها بهذا الفن، بأنه وسيلة جيدة لامتصاص طاقة أفراد الأسرة في إنتاج أعمال جيدة يستخدمونها في حياتهم اليومية، وتغرز في نفوسهم فضيلة الصبر وحب الجمال في نفس الوقت. وتبدى فان شياو ميي سعادتها بالاستجابة السريعة من المتعلمين العرب وخاصة الأطفال الذين تجاوبوا بسهولة مع استخدام المقص والورق للتعبير بحرية عن الأشياء التي يريدون رسمها وقصها وتعليقها على الجدران والشبابيك بدرجة بهرت المشرفين على الدورات التدريبية، وجعلتهم ينظمون معرضا لتلك الرسوم في بداية شهر أغسطس الماضي، لمنح أفضل الأعمال جوائز خاصة. ولفت انتباه المتدربين أن أستاذتهم فان شياو ميي، استخدمت رموزا أولية للتعليم قريبة من نفوسهم، وهي قطع الوريقات على شكل هلال ودائرة تبين اكتمال القمر والورود وأغصان الأشجار والخيول العربية، بما يمنحهم القدرة على تكوين كافة الأشكال الفنية بالمقص بسهولة ويسر في مراحل تعليمية لاحقة. وجاءت تلك الأشكال لتظهر مدى تلاقي الثقافات الشعبية على المستويين العربي والصيني التي تتخذ من القمر والحصان رمزا تراثيا في كثير من مناحي الحياة الدينية والاجتماعية بل ولعب الأطفال، التي يمارسونها في أزقة وحواري المناطق الريفية حتى الآن. رجال فنانون لفت الشاب ياسر محمد الذي يعمل مرشد سياحي باللغة الألمانية انتباه الناس بحضوره الدائم لهذه الدورات التي يقبل عليها عادة النساء والبنات مؤكدا أنه يعتبرها وسيلة تعلم خبرات جديدة وليس من أجل معرفة فن أوشك على الأندثار. ويكشف ياسر بأنه أبدى رغبته للمشاركة في هذه الدورة بعد تتبعه أخبارها على موقع المركز الثقافي على الإنترنت، لأنه كما يقول: قص الورق عملية صعبة ومن يتقنه يستطيع عمل كثير من المهارات اليدوية والأعمال التي تشتهر بها المنتجات الصينية التي تغزو أسواق العالم. وترفع السيدة هند مصطفي المشاركة في الدورة الحكمة الصينية التي تقول" لا تعطني كل يوم سمكة لآكلها ولكن علمني كيف أصطاد السمك". وتذكر أن هذه الحكمة تبين أهمية تبادل الخبرات بين الصينين والمصريين في مجال الحرف اليدوية التي حولت المهارات الشخصية للمواطنين إلى وسيلة إنتاج وبيوتهم إلى مصانع تصدر منتجاتها البسيطة والجميلة إلى أنحاء العالم. وتشير إلى أن دوافعها لهذه الدورة كانت شغفا للتعلم من الخبرات الصينية، مشيرة إلى أن قص الورق كعلم موجود في المدارس المصرية منذ عشرات السنين يدرس في حصص التربية الفنية والرسم التشكيلي، ولكن لم يحوله أحد إلى وسيلة للإبداع والإنتاج، كما تفعل الأسر الصينية الي تستخدمه في تطريز المفارش وفساتين الأفراح وتعليق الزينات وصناعة الطائرات الورقية والمشغولات اليدوية التي توجد لها أسواق متخصصة في الصين وتباع في أنحاء العالم. أحلام مشتركة لم تكن الدورة التدريبية وسيلة تعليم فحسب، وإنما لتمضية وقت جميل للتعايش بين الأجيال الجديدة من المختلفة من الصينين والمصريين، فها هي تيا تي الطفلة الصينية التي تبلغ نحو 4 سنوات، تجاور صديقاتها رزا 6 سنوات ، ومها 8 سنوات وغيرهن ممن هن دون ذلك، حيث يدور حوار فيه بعض الكلمات باللغة العربية أو الإنجليزية والصينية وكثيرا ما يتم بلغة الإشارة كأفضل وسيلة للتفاهم الإنساني بين الشعوب. وأعادت الدورة ذكرى الأيام الخوالي للأطفال المصريين الذين كانوا يتبارون ببراعة في صناعة الطائرات الورقية والمرواح اليدوية، التي كانت تستخدم لتمضية أحلي الأوقات في العطلات المدرسية الصيفية والتي ضاعت أمجادها بسبب اللهو الدائم مع الألعاب الألكترونية وغرف الدردشة عبر الإنترنت.