أيام طويلة وأنا أدور في الشوارع والطرقات.. أنادى كالأم الملهوفة وطني ضاع يا ولاد الحلال.. تختلط دموعي مع صرخاتي.. أتخبط كالمجنون والناس ينظرون إليَّ ما بين ساخر أو متعاطف. . استوقفوني قائلين ما مواصفات وطنك الضائع أيها البائس المسكين؟، فقلت لهم «هو وطن عظيم.. يحتوي المسلم والمسيحي واليهودي.. تتعانق فيه أجراس الكنائس وأصوات الأذان.. فيه من السماحة أكثر ما فيه من التعصب والجهل والبغضاء.. المسلم يذهب إلي الكنيسة ليتبارك بها والمسيحي يذهب إلي مساجد أولياء الله الصالحين طمعاً في شفاء أو طلباً لفتح أبواب الرزق.. وطن وهبه الله موقعاً عبقرياً منحه الريادة والقيادة.. ووهبه أيضاً أبناء لا هم لهم إلا إشعال النار في جنباته.. باختصار عملاق في مكانه ومكانته.. وقزم بتهور أبنائه وجهلهم.. وطن تتوفر فيه البركة لا يبيت فيه مواطن أياً كان جائعاً أو ملهوفاً.. الجميع يتسابق لمد يد العون إليه» هذا باختصار يا سادة أوصاف وطني الضائع.. قالوا لي وطنك مخطوف وليس ضائعاً يا مسكين.. صرخت فيهم: من يجرؤ علي اختطاف وطني أرض السماحة والمحبة والخير.. من يجرؤ؟.. أرجوكم خبروني من هو؟! قال بعضهم: خاطف وطنك يرتدي جلباباً قصيراً ولحية طويلة تنطق عيونهم بالشر والقسوة والغلظة والإرهاب. وقال ثاني: لا.. من اختطف وطنك يرتدي ملابس الراهب وما هو براهب.. يحرض علي العنف ويضرب بتعاليم السيد المسيح وسماحته عرض الحائط! وقال ثالث: بل هو مصري لكنه يتبني الأفكار المستوردة علي رأسه «برنيطة» يحاول تقليد الأجانب فصار أضحوكة.. ينادي بالفكر الحر والديمقراطية وهو بعيد عن كل ذلك.. يطالب بإبعاد الدين عن الدنيا فأفسد الاثنين معاً. وقال رابع بل هو أمريكي أو مصري يرتدي ثياب أسياده.. يضرب بمصالح بلاده عرض الحائط من أجل الدولار أو اليورو!! وقال خامس: لا.. لا.. من اختطف وطنك عربي شقيق يرتدي العقال والغطرة «يدعي المودة والمحبة وهو يضمر السوء والبغضاء لهذا الوطن المتسامح.. الذي يتسع قلبه للدنيا وما فيها من بشر وحجر صرخت فيهم بأعلي صوتي.. أكل هؤلاء اختطفوا وطني.. الجميع يتربص به.. ويضمر له السوء والدمار! أخذت أدور في شوارع مصر وحواريها في منطقة الحسين والأزهر.. في مصر القديمة ودير الملاك أبحث عن وطني المفقود أتلمس خطاه.. أتنفس عبقه.. لا أدري هل هو ضائع أم مخطوف.. هل قتلوه.. أم كتبت له النجاة.. وهنا فقط أحسست بيد حانية تربت علي كتفي فنظرت إلي صاحبها فوجدته إنساناً إلي الملائكة أقرب وقال لي لا تحزن ولا تبتئس أيها البائس المسكين فلا أحد يستطيع أن يقتل الأوطان.. ووطنك طوال عمره قد يضعف أحياناً.. قد يمرض تارة لكنه أبداً لن يموت آلاف الأعداء استهدفوه.. ملايين العملاء تآمروا عليه لكنه أبداً لم ولن يموت.. وستجده يوماً فتياً عفياً بنفس الغبار عن نفسه ويعود لسابق عهده أرضاً للتسامح أرضاً للمحبة تتعانق فيه المآذن وقباب الكنائس.. يحتضن فيه الهلال الصليب.. المسلم والمسيحي شعب واحد.. نسيج واحد.. رضعا من ثدي واحد من وطن واحد اسمه مصر.. نظرت حولي فلم أجد أحداً بجواري فكففت عن البكاء والنحيب.. وأنا واثق أن وطني الضائع أو المخطوف سيعود يوماً إليَّ.. أقبل يديه وأعشق روائح شوارعه وأزقته وعرق أبنائه وسعيهم وراء لقمة العيش.