على خطى أجدادهم الفراعنة، الذين قدروا الأم وكرموها قبل آلاف السنين، يحتفل المصريون فى شهر مارس من كل عام، بعيد الأم، وهو تقليد ليس ببعيد عن النقوش واللوحات والتماثيل التى تركها قدماء المصريين، وتشير إلى مكانة الأم لديهم، وكيف وقرها الأبناء، وكيف قدّس المجتمع دورها، وتؤرخ لكثير من القيم التى أعطت للأمومة حقها بين عامة الشعب وفى أوساط النبلاء والأغنياء، وكيف كانت الحضارة المصرية القديمة واحدة من الحضارات العظيمة الرائدة التي كانت تمتلك قيمًا ذات جذور ممتدة في عمق التاريخ، وتقاليد متأصلة، كانت في غالبها متحفظة. وفى إطار استحضار المصريين لصورة الأمومة لدى أجدادهم الفراعنة، أعلن المتحف المصرى في القاهرة عن عرض 7 قطع أثرية تشير إلى دور الأم فى مصر القديمة وما نالته من تقديس منذ عصور ما قبل التاريخ؛ حيث تضم المجموعة تمثالين لربة الأمومة فى مصر القديمة الإلهة "إيزيس" وهى ترضع ابنها "حورس"، وتمثالًا صغيرًا لأم تمشط شعر ابنتها مصنوعًا من الحجر الجيري ويعود لعصر الدولة الحديثة، وقطع أخرى مختلفة. تقول أمل مسعد النادي، الخبيرة التربوية المصرية، إن مكانة الأم لدى قدماء المصريين، إلى حد التقديس، وكان لها ربة خاصة هى الإلهة إيزيس ربة الأمومة، التى عبدها المصريون البطالمة والرومان، حيث كانت مثال الزوجة الوفية حتى بعد وفاة زوجها، والأم المخلصة لولدها، وامتدت عبادة إيزيس في عهد البطالمة واليونان إلى ما بعد حدود مصر، وكان لها معابدها وكهنتها وأعيادها الدينية في أنحاء العالم الروماني كافة، حيث صارت تمثل ربة الكون "أنا أم الطبيعة كلها، وسيدة جميع العناصر، ومنشأ الزمن وأصله، والربة العليا، أحكم ذرا السماء ونسمات البحر الخيرة وسكون الجحيم المقفر". من جهتها، أشارت دعاء مرتضى، باحثة في التاريخ الفرعوني، إلى احتواء المعابد والمقابر الفرعونية المصرية على مشاهد مؤثرة للأمومة والطفولة، مثل ظهور الملكات فى مصر القديمة وهن يرضعن أطفالهن مثل العامة من الأمهات، ليرمز المصرى القديم فى تلك المشاهد إلى العلاقة الحميمة بين الأم والطفل، من دون تفرقة بين ملكة أو أميرة أو سيدة فقيرة. وأضافت الباحثة أن كتب وبحوث علماء المصريات رصدت الأمومة فى مصر القديمة، وكيف كانت الأسرة المصرية القديمة تنعم بنصيب من الاستقرار الذى لم تعرفه شعوب أخرى آنذاك، وتشير الكثير من الأدلة التاريخية والمعالم الأثرية، إلى حالة التماسك الأسرى بين الزوجين فى مصر القديمة من ناحية، وبينهما وبين الأبناء من ناحية أخرى، حيث تفردت الحضارة المصرية القديمة خلال مختلف عصورها بالاهتمام البالغ بالأمومة والطفولة، اللذين كان لهما نمط روحاني مقدس فى الحضارة المصرية، وكانت الأسرة تمثل نموذجًا فريدًا فى التراحم والحب والوفاء.